صدور المجلّد الأول من الأعمال الكاملة لجمال محمد أحمد.
حرّر الكتاب وزوده بحواشٍ تحريرية: بشير أبوسن
هذا هو الـمجلَّدُ الأولُ من الأعمال الكاملة للأستاذ جمال محمد أحمد، نقرأ فيه قدْرًا عظيمًا من خُـلاصاتِ متابعته للحركات الفكرية في إفريقيا، وتأمُّلاتِه الوضعَ الأدبيَّ والاجتماعيَّ المعاصر فيها، إذْ ذاع صيتُ جمال بدراسَتِه نصوصًا أدبيَّةً تُعدُّ اليومَ من عيون الأدب الإفريقي، ناقدًا أدبيًّا وباحثًا مفكرًا يتنقَّلُ بقارئه بين تاريخ إفريقيا القديم والمعاصر، ومكانتـها في الحضارة الإنسانية، متوقِّفًا عند لقائـها بأوربا وما تبعه من آثار على المجتمع الإفريقي، وقد عُرفَ جمال أيضا باهتمامه العميق بالصِّلات العربية الإفريقية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وهو مجلَّدٌ يحوي أربعةَ كتبٍ تعالج شؤونًا عدة، ولكنَّـها تبدو عند إمعان النظر وكأنها كتابٌ واحد، هي: مطالعاتٌ في الشؤون الإفريقية (1969)، في المسرحية الإفريقية (1973)، وجدان إفريقيا (1974)، عربٌ وأفارقة (1978). تعكس هذه المؤلَّفاتُ الأربعةُ الاجتهادَ الفكريَّ الواسع لجمال، وتعرِضُ إسهاماتٍ أصيلةً في عددٍ من المعارف، جاءت محمولةً بلغةٍ فريدةٍ خاصةٍ مُعتنى بها، وعبر مناهج مُنفتِحةٍ لدراسة مواضيع يلتقي فيها الأدب المقارن وعلم الاجتماع والتاريخ المعاصر والفكر السياسيّ ودراسات الهوية والخواطر الذاتية وغير ذلك.
الناشر: معهد إفريقيا ( الشارقة) – المحرر: بشير أبو سن – اللغة : العربية – سنة النشر : 2025

جمال محمد أحمد: دبلوماسي الأدب وفارس الفكر السوداني (1915 – 1986)
يُعد جمال محمد أحمد، الذي امتدت مسيرته الحافلة على مدى سبعة عقود، أحد أبرز الوجوه السودانية في القرن العشرين، حيث جمع ببراعة نادرة بين الدبلوماسية الرفيعة والإنتاج الفكري والأدبي الغزير. كان مفكراً عميقاً، وأديباً أنيقاً، ودبلوماسياً محنكاً، ترك بصمات واضحة في ميادين السياسة والثقافة، ليس في السودان فحسب، بل على الصعيدين العربي والأفريقي.
ولد جمال محمد أحمد في عام 1915 في منطقة “سرة شرق” بالولاية الشمالية في السودان، وهي منطقة نوبية عريقة شكلت مخزونه الثقافي الأول. تلقى تعليمه الأولي في المدارس السودانية، ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حالياً) وتخرج فيها عام 1937. لم يتوقف شغفه العلمي عند هذا الحد، بل دفعه إلى إنجلترا حيث نال درجة الماجستير من جامعة إكستر عام 1946، ثم درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد المرموقة عام 1954، وهناك جمعته علاقة فكرية وصداقة مع المؤرخ الكبير ألبرت حوراني.
هذا التكوين الأكاديمي الرصين، الذي جمع بين الثقافة العربية الإسلامية والفكر الغربي، منحه رؤية موسوعية وقدرة فريدة على التحليل والنقد.
مع بزوغ فجر استقلال السودان، كان جمال محمد أحمد من أوائل من اختيروا لتمثيل بلادهم في المحافل الدولية. بدأت مسيرته الدبلوماسية بتعيينه سفيراً للسودان في العراق (1956-1959)، حيث شهد تحولات سياسية كبرى في المنطقة. لاحقاً، شغل منصب السفير في عدة عواصم استراتيجية أخرى كأديس أبابا وبغداد ولندن، ومثّل السودان كمندوب دائم لدى الأمم المتحدة.
توجت مسيرته الدبلوماسية بتوليه منصب وزير الخارجية السوداني (1975-1976)، حيث دافع عن قضايا بلاده والقارتين العربية والأفريقية بحنكة واقتدار. عُرف عنه هدوؤه ورصانته وقدرته على بناء الجسور وتعزيز الحوار.
لم تكن المناصب الدبلوماسية لتشغل جمال محمد أحمد عن عشقه الأول: الأدب والفكر. يُعتبر من رواد تحليل المكونات الثقافية للشخصية السودانية، والغوص في أعماق الهوية الأفريقية وعلاقتها بالعروبة. كانت كتاباته بمثابة جسر معرفي بين الثقافات، وتميزت بأسلوبه الرشيق ولغته الأنيقة وعمقه التحليلي.
من أبرز مؤلفاته:
مطالعات في الشؤون الأفريقية (1969): وهو من أعماله الرائدة التي كشفت عن فهمه العميق للقارة السمراء وتحدياتها الفكرية والسياسية في مرحلة ما بعد الاستعمار.
في الدبلوماسية السودانية (1985): وفيه يوثق تجاربه ورؤاه حول العمل الدبلوماسي.
وجدان أفريقيا (1972) وضمير أفريقيا (1974): كتابان يعمقان رؤيته حول الهوية والروح الأفريقية.
عرب وأفارقة (1977): دراسة معمقة في العلاقات التاريخية والثقافية بين العالم العربي وأفريقيا.
في الدراما الأفريقية (1973): حيث استكشف الأدب الأفريقي، شعراً ورواية، كأداة لنقد الخطاب الاستعماري.
حكايات من سرة شرق: مجموعة قصصية يستلهم فيها تراثه النوبي الغني.
الأصول الثقافية للقومية المصرية (The Intellectual Origins of Egyptian Nationalism): وهو كتابه الذي كتبه بالإنجليزية ونُشر عن المعهد الملكي البريطاني، ويُعد مرجعاً هاماً في مجاله.
كما كان له دور بارز في تأسيس “مجلة الصبيان”، وهي أول مجلة للأطفال في السودان، وترأس اتحاد الكتاب السودانيين عام 1985، مما يعكس اهتمامه بتنشئة الأجيال الجديدة وتعزيز الحركة الثقافية في بلاده.
التقدير والجوائز
نال جمال محمد أحمد خلال مسيرته العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لإسهاماته الجليلة، منها:
الجائزة التقديرية للآداب والفنون (1982).
الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة الخرطوم (1983).
وسام من المكتبة القبطية تقديراً لنشاطه الأدبي.
اترك رداً على محمد القاسم محمد إلغاء الرد