“The Substance” هو عمل صاخب، جريء، ومباشر، يطرق على ذهن المشاهد بقوة من خلال أسلوبه البصري المتطرف الذي يتماشى تمامًا مع إعلانه الصريح عن موضوعه.
يستهدف معايير هوليوود الجمالية المجحفة والمعنوية التي تفرضها المجتمعات على النساء. يذكرنا إعلان الدواء بإعلانات مساحيق الجمال- الوعد الكاذب:
لا يجعلك أصغر فحسب، بل يجعلك “أفضل”.
ترسم كورالي فارجيه هذه الفارسية بأكثر الطرق إثارة للرعب والاشمئزاز. للتعبير عن الألم المرتبط بالشيخوخة والأذى النفسي الناتج عن هذه المعايير المزدوجة، يصبح الجمهور عرضة لأحد أكثر مشاهد الرعب الجسدي فعاليةً وإبداعًا. من خلال إثارة الخوف والتوتر لدى المشاهدين، ينجح الفيلم في توصيل الأذى المجازي الذي تسببه المجتمعات للنساء، بل ويحوله إلى حقيقة مرعبة.
وصف النقاد الفيلم بقلة التلميحات والمباشرة فتضخيم مشاهد الرعب لا يمنح الجمهور فرصة لنسيان الخوف الكامن الذي يغذي المشاهد المرعبة التي يرونها على الشاشة.
” يأكل الفيلم الكعكعة ويحتفظ بها “
عندما يتعلق الأمر بالتصوير الجنسي يركز على أجسام النساء العارية الجميلة. كل من ديمي مور ومارغريت كوالي تعرضان أجسادهما بشكل كامل هنا، هذا جزء من السخرية، لكنه أيضًا واضح تمامًا بأنه يهدف إلى الإثارة (قبل أن تسوء الأمور). يتم تعليق جمال مور وكوالي أمامنا ثم يتم تقطيعه وتدميره بلا هوادة وبطريقة مشوهة في سلسلة من المشاهد القاسية التي لا تولد أي تعاطف مع هؤلاء النساء، اللواتي هن أيضًا المسؤولات عن الكثير من هذا الاضطهاد.
فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي 2024، لكن السيناريو يبدو أقرب إلى أضعف عناصر الفيلم منه إلى أقواها بإمكاننا وصف السيناريو: لكنه أشبه بإطار خارجي للعبة وبالداخل يبرز الإخراج، المونتاج، المؤثرات، التمثيل، والموسيقى كعناصر رئيسية مصممة بدقة وتُنفذ ببراعة.
141 دقيقة أبرز فيها المونتاج تباينات إيقاعية حادة كافية كما جعل لحظات السرد البصري أكثر إدهاشًا لا تأتي من الصور ذاتها، بل من طريقة تكرارها، سواء بشكل فردي أو في تسلسلات أطول، حيث يستمر الفيلم في استخدام بعض التكوينات البصرية كلحظات تنظم القوة السردية والعاطفية، مما يساعد في إعادة تركيز المشاهد بينما تتفاقم الأحداث نحو التدمير المتزايد فهو فيلم متطرف حتى في لحظاته الأكثر رشاقةً – إنه عمل مليء بكل شيء.
(الإصحاح الثاني)
قلتُ لنفسي لو نزلت الماء.. واغتسلت.. لانقسمت!
(لو انقسمت.. لازدوجت.. وابتسمتْ).!
أمل دنقل
تدور القصة حول إليزابيث سباركل (ديمي مور)، نجمة سينمائية حائزة على جوائز تحولت إلى مقدمة لبرنامج تمارين تلفزيوني. ويعكس هذا الانتقال مدى انعزال الفيلم عن الواقع، فلا يمكن الجزم إن كان ذلك يُعد تراجعًا مهنيًا. يبدو أن هذا البرنامج له تأثير ثقافي كبير، رغم أن الأحداث تدور في العشرينيات من القرن الحادي والعشرين، وهي فترة بالكاد تناسب شعبية مثل هذه البرامج. منذ البداية، يُشير الفيلم إلى أنه يدور في واقع مختلف عن عالمنا، حيث تبدأ المشاهد بصورة لصفار بيضة يتكاثر، تليها لقطات من أعلى (زاوية عين الرب) لنجم إليزابيث المصنوع على ممشى المشاهير في هوليوود، مرورًا بمراحل إنشائه، إلى أن يصبح مجرد جزء من الرصيف يُداس عليه، ثم يتحطم. لا يُخفي الفيلم رمزيته.
في عيد ميلادها الخمسين، تتفأجأ بكلام منتجها المتعجرف هارفي (دينيس كويد) يتحدث عن ضرورة استبدالها بشخص أصغر سنًا. يُقدم هذا المشهد بلقطة رائعة عبر لقطة عدسة عين السمكة، مشوهًا وجهه إلى قناع غروتيسكي وهو يتحدث عبر الهاتف. التصوير السينمائي، بالتعاون بين فارغيات ومدير التصوير بنيامين كراشون، يعتمد على تكوينات حادة وعدسات غريبة وإضاءة مُصممة بعناية، مما يضيف طابعًا مُبالغًا فيه لعالم الفيلم الاصطناعي.
عبر لقاء مع ممرض طوارئ غامض عقب حادث سيارة، تكتشف إليزابيث شيئًا يُدعى “المادة”، والذي يعدها بطريقة لاستعادة شبابها. تتلقى حقنًا من سائل أخضر ساطع، مما يؤدي إلى انشقاق ظهرها وخروج نسخة شابة منها تدعى “سو” تتناوب اليزابيث وسو أيام الاسبوع في الظهور، و مع ازدياد شهرة سو وتحولها إلى نجمة، تبدأ في رفض العودة إلى جسدها القديم، فيما تنغمس إليزابيث في الاكتئاب. وعندما تتجاوز سو الحد الزمني، تبدأ الأمور في الانهيار.
كل من إليزابيث وسو يعيشان حياة مختلفة تمامًا. إليزابيث ليس لديها أي ذكريات عما تفعله سو عندما تكون في جسدها الشاب. وسو ليس لديها أي ذكريات عن إليزابيث وهي تترك المنزل في حالة فوضى، مع الصحف ملصقة على النوافذ والطعام متناثر في كل مكان. كلاهما يكونان في حالة صدمة واستياء عند “استيقاظهما” في بداية أسبوعهما.
بالطبع، هما على دراية بوجود بعضهما البعض، لكنهما لا تعيشان حياة اليوم بيوم واحدة للأخرى، وبالتالي لا تترددان في الإضرار ببعضهما البعض، ويتفجر الغضب بسرعة.
أعطِ للفتياتِ
اللواتي يَنَمْنَ الى جانب الآلةِ الباردةِ
(شارداتِ الخيالْ)
رقمي; رقمَ الموتِ; حتى أجيءَ الى العُرْسِ..
ذي الليلةِ الواحِدهْ!أمل دنقل
الفيلم يقدم رؤيتين:
الأولى حول ازدراء الثقافة للنساء بمجرد تقدمهن في السن، حيث يقرر رجال مثل هارفي قيمتهن بناءً على الجاذبية الجسدية.
الثانية تتعلق بصراع الأجيال، حيث تحتقر النسخة الشابة من الإنسان نسخته الأكبر سنًا، فيما تكره النسخة الأكبر نفسها بسبب ضياع شبابها.
لكن الفيلم في جوهره هو حكاية عن الإدمان والمتعة العابرة، أشبه بإعادة تصور معاصرة لقصة “د. جيكل والسيد هايد” أو “صورة دوريان غراي”، حيث كلما استمتعت سو بحياتها، تدهور جسد إليزابيث أكثر. ليس هناك تناقض بين هذه الثيمات، بل تداخل ذكي، مما يجعل الفيلم متماسكًا رغم كثافة أفكاره.
رغم فرط المشاهد الدموية والتأثيرات الجسدية الفظيعة، فإن كل ذلك يخدم القصة والشخصيات. الفيلم يتعامل مع الإكراه البصري بإحكام نادر، مما يجعله أحد أفضل أفلام التي تتناول الجمال كرُعب حتى الآن.
اترك تعليقاً