يُحكي أن أول من أحضر الغربان إلى بورتسودان كان مفتش المركز الإنجليزي مستر جريفس من بلاد الهند، عند إنشاء حديقة بورتسودان – ربما في نهاية الأربعينيات – ومنذ ذلك الحين تكاثرت الغربان بشكل لافت، غراب بورتسودان ليس غراباً سودانياً بل جاء غازياً على ظهر السفن من الهند ومناطق من آسيا. وعندما وصل بورتسودان إستوطن وانتشر وطرد الغراب الأصلي إلى داخل السودان وهو يعرف بالغراب النوحي Sooty Crow أما الغراب المستوطن المسالم فيعرف بال Pied Crow، يتميز الغراب الهندي بأن حجمه أصغر من الغراب الجيفي والمشرقي والأبقع ويصل طول الغراب الهندي إلى 43 سم، و يمتلك الغراب الهندي منقار طويل وعميق، كما أنه يمتلك جناحين عريضين وذنب طويل، و يتميز الغراب الهندي بأنه رشيق في الطيران.
تتسم الغربان بهياكل اجتماعية معقدة تسلط الضوء على تطورها المعرفى؛ فهى تعيش فى مجموعات عائلية متماسكة وتظهر سلوكيات تشير إلى حياة عاطفية معقدة، كإقامة ما يشبه الجنازات لأفراد قطيعها المتوفين، ويشمل تواصلها تعبيرات صوتية وحتى لهجات إقليمية. ولا يقتصر هذا التواصل على التحذيرات بشأن التهديدات، فقد لوحظ أن الغربان تتبادل المعلومات حول مصادر الغذاء وتشكل تحالفات للدفاع عن نفسها. أحد الجوانب المثيرة للإعجاب فى سلوك الغربان هو قدرتها على تعليم بعضها البعض؛ فحين يتعلم الغراب ربط شخص أو شىء بالخطر، يمكنه نقل هذه المعلومات إلى أفراد آخرين فى مجتمعه، مما يُسرّع نشر الوعى. وتساهم هذه الشبكة المعقدة من التفاعلات الاجتماعية فى وضع الغربان ضمن فئة نادرة من الحيوانات القادرة على النقل الثقافى – نقل المعرفة عبر الأجيال.
تبدأ قصص لعنة الغربان في نهاية الأربعينات وفي صيفٍ ساخن ، بينما كان المهندس رالتسون كيندي، مؤسس مرفأ الشيخ برغوت، يرفع كأسه نخباً لزيارة الخديوي ونجت باشا من شرفة مبنى بلدية بورتسودان التي كان يحلم بتحويل شارعها إلى “برودواي أفريقي”، لاحظ – بدهشةٍ مُرعبة – دوداً ينبثق من الأرض السبخة تحت حديقة البلدية التي زرع فيها أشجار الدردار المتقصفة، فاستحضر غرباناً سوداء من سفن بريطانيا القادمة من الهند، لتبدأ رحلة المدينة مع طيورٍ حوّلت أشجار النيم إلى أعشاشٍ للسرقة والرعب، حيث سرقت الغربان حلي الذهب من بيوت المفتشين البريطانيين، فشكّل الحكمدار فرقاً ليليةً بقيادة الشرطة التي أطلقت النار لتصيب غرابين فقط، قبل أن تستيقظ بورتسودان المدينة المشيدة حول سرايا الانجليز على نعيقٍ هستيري يغزو أحياءها، ويهاجم الغربانُ المارةَ ويحاصرون بيت المعتمد – قبل أن تختفي الطيور الغاضبة فجأةً في أيام عيد الأضحي، تاركةً القططَ تتربّح بلحوم الأضاحي، كجزءٍ من معاهدة سرية مع “ملك القطط”.
لكن اللعنة لم تنتهِ: فبينما كان المعتمد البريطاني في طريقه إلى الخرطوم استجابةً لطلب اللورد كرومر، مات بــ”الحمى السوداء” – التي رأت فيها زوجة هربرت – نفسها مُحاطةً بغربانٍ في العزّاء – لتنطلق سلسلةٌ من الموت الغامض:
فمع استقلال السودان عام 1956، حاول مهندس صيانة أعمدة الكهرباء إزالة أعشاش الغربان بعرباتٍ متحركة، ليموت بجلطةٍ مفاجئة، بينما تنعق الطيور ثلاثة أيام بلا توقف في حي السكة حديد، مؤكدةً أن المدينة – التي أرادها كيندي نسخةً من برودواي – صارت سجناً لأسطورةٍ سوداء: غربانٌ لا تموت، تتربص بمن يحاول كسر “اتفاقية القِدم” التي تربط دماء البشر بجناحي اللعنة.
اترك تعليقاً