الدمزوقة – الجِن الحارس عند قبيلة الفور

في جبال ووديان منطقة مرة السحرية التي يسكنها التورا وهي تعني العمالقة الذين يسكنون في بيوت دائرية، حيث تتداخل عوالم البشر مع الغيبيات، تُحاك حكاياتٌ عن كائناتٍ خفية تُدعى الدمزوقة، وهي كائنات روحانية حارسة (جنٌّ) يتخذون شكل حراسٍ للماشية والثروات، وفقًا لمعتقدات قبائل الفور العريقة. يُروى أن رعاة جبل مرة يتركون مواشيهم ترعى في الكلأ دون راعٍ مرئي، ويثقون بأن الجن هي من تحرسها. ومن جرَّب الطمع وأقدم على سرقة شاةٍ أو بقرةٍ من تلك القطعان، يُقال إن يده تلتصق بالسكين عند الذبح، عاجزًا عن فكاكها حتى يُضبط ويُغرم ثمنها بأعلى قيمة، بعد أن يتلقى ضربًا موجعًا مهينًا.

حيث يروي عبدالله حسين في كتابه السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية أنه حين زار جبل مرة، ذهبت إلى دار رجلٍ من الفور في منطقة “غلية”، فلم أجد أحدًا، لكن صوتًا غليظًا ارتجف له قلبي انبعث من داخل الدار يُخبرني: أكبا (أي: ليس هنا). حاولت التقدم لاستفسار، فجذبني رجلٌ محذرًا: ارجع! الذي يُخاطبك ليس آدميًّا.. إنه الدمزوقة. وأخبرني أن لكل إنسانٍ حارسًا من الجن يُدعى بلغة الفور دمزوقة، يُمكن شراؤه وترويضه لحماية المال من السرقة.

تحكي الأسطورة أن الحصول على “دمزوقة” يتطلب طقسًا غريبًا: وهي أنه حين تشتري قرعةً مملوءةً لبنًا، تقدمها لبائع الجن الذي بدوره يقدمها للجن في مكانٍٍ سري، فيتوسل إليهن قائلًا: صاحبي يملك مالًا كثيرًا وخائفٌ عليه.. من تريد الذهاب لحراسته؟. تتردد الجن أولًا، ثم توافق إحداهن، فتُغطى القرعة وتُعلق في بيت المشتري. كل صباح، تُغسل القرعة وتُملأ بلبنٍ جديد، وفي المقابل، يُصبح المال محروسًا بقوة خارقة. من يجرؤ على سرقة شيءٍ، تُكسر رقبته فورًا!

لكن هذه القوة السحرية تحمل ثمنًا باهظًا. يروي الشريف أحمد بدوي – عن أنه اشترى “دمزوقة” لحماية ثروته بعد أن عجز عن منع السرقة. تحول بيته إلى حصنٍ منيع، حتى إنه كان يتركه مفتوحًا دون خوف. لكن ابنه محمد، حين حاول سرقة حُليٍّ ليهديها لفتاةٍ أعجب بها، كسرت “الدمزوقة” رقبته في الحال. غمرته الحيرة بين حب ابنه ورعب القوة التي استدعاها، فقرر التخلص منها. نصحه أحدهم بتنظيم وليمةٍ يكون فيها كل واحد من المدعويين يحمل بندقية بارود، حيث يُطلق فيها المدعوون الأعيرة النارية ويصرخون:  دمزوقة أيئيه!” (أي: أين الشيطان؟)، حتى يهرب الجن خوفًا.

المصدر

كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية للكاتب عبدالله حسين


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *