الغراب في الميثولوجيا البجاوية

يتمتع شعب البجا بمعتقدات راسخة في القوى الخارقة للحيوانات. تلعب هذه المخلوقات المهيبة دورًا بارزًا ليس فقط في أساطيرهم، بل أيضًا في حياتهم اليومية. يُعتقد أن الحيوانات تمتلك قدرة على التواصل مع العالم الروحي وتعمل كرسل بين العالمين. يُعد الأسد، المعروف بقوته وشجاعته، رمزًا للقوة في ميثولوجيا البجا، وغالبًا ما يرتبط بالملكية، حيث تُستخدم صورته لتمثيل قوة البجا وعظمتهم. وبالمثل، يحتل الفيل مكانة مهمة في أساطيرهم، مع اعتقاد بأنه قادر على جلب المطر. يرتبط هذا الاعتقاد بأهمية الماء البالغة لبقاء شعب البجا وماشيتهم، مما يجعل تبجيل الحيوان جزءًا لا يتجزأ من نمط حياتهم.

في رحلات الى القُنب والبحث عن وديان الماء يُعتقد أن الغراب (كِيكآي) طائرٌ “يعرف أسرار الأرض”، فقد لاحظ البجا قدرته الفائقة على تحمل الظروف القاسية، والتنبؤ بتغيرات الطقس، بل وإرشاد المسافرين الضالين في الصحراء بصراخه المميز. تقول إحدى الأساطير إن الغراب كان يُستخدم كـ”مرشد” لقوافل الرعاة الذين يبحثون عن مراعي لماشيتهم في مواسم الجفاف، حيث يُعتقد أن تحليقه في اتجاه معين يشير إلى وجود الماء.

تحكي الجدات البجاويات للأطفال أن الغراب “ابن الصحراء الأكبر”، وأنه كان ذات يومٍ طائرًا ملونًا، لكن الشمس احترقت ريشه أثناء محاولته إنقاذ إنسانٍ ضل الطريق، فتحول إلى اللون الأسود، لكنه اكتسب حكمةَ الأرض.

تُحاك حوله الأساطير التي تجمع بين الغموض والإعجاب. يُروى أن هذا الطائر هو الوحيد القادر على الوصول إلى نبات نادر يُعرف باسم “أوكسير”، الذي يُعتقد بأنه علاجٌ سحري للعمى، وفقًا للموروثات القديمة. ينمو هذا النبات في أعالي الجبال، بين الصخور الوعرة التي تعجز عنها أقدام البشر، مما يضفي على الغراب هالةً من القوة والدهاء، كونه الكائن الوحيد الذي يستطيع اجتياز تلك التضاريس ليجمع “أوكسير” ويستخدمه لعلاج صغاره المولودين حديثًا، فيُعيد إليهم البصر بلمسة أسطورية.

لكن الغراب، وبسبب عشه المُشيد من فروع نباتات متشابكة، يُخفي هذا النبات السحري بين طياته، مما يجعل تمييزه مهمةً مستحيلةً حتى لأكثر العيون خبرة. ولا تتوقف الأساطير عند هذا الحد، بل تُضيف أن وضع “أوكسير” في اللبن يحوِّله إلى ذهب خالص، مما يجعله رمزًا للثراء المستحيل، الذي لا يُدرك إلا بمعرفة أسرار الطبيعة التي لا يملكها سوى هذا المخلوق الحكيم.

ولا ينتهي دور الغراب في التراث عند كونه حامل الدواء النادر، بل يمتد إلى الاعتقاد بأن الماء الذي يشرب منه يُشفي من التمتمة واضطرابات الكلام، حيث يُروى أن من يتجرع قطراتٍ من نفس المصدر الذي ارتوى منه الغراب، تزول عنه عقدة اللسان، فينطق بطلاقةٍ كأنما نال بركةً من دهائه.

حكاية الطائر الغريب:

حكاية فلكلورية عن طائر الغراب والذي تزوج  طائرا ليس من نوعه هو الكركي. عقب الزواج طلبت الزوجة (طائر الكركي) من زوجها الغراب أن يطيرا بعيدا عن بلادهما عبر محيطات عديدة. ولما كان الغراب لا يجيد الطيران لمسافات طويلة فقد طلب من زوجته الكركي المساعدة. أقنع أهل الزوجة ابنتهم بمساعدة الزوج في المرة الأولى، ولكن مع مرور الوقت بدأت الزوجة تضج من مساعدة زوجها وهجرته في نهاية المطاف وتركته غريبا عن دياره.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *