سَحابةُ أُمدرمان – أشباح الحرب غير المرئية

·

·

, ,

تبعد منطقة الجيلي التي تقع شمال الخرطوم حوالي 50 كيلومترًا، تحتوي المستودعات على صهاريج تخزين ضخمة، بسعات مختلفة، تُمكنها من استيعاب كميات كبيرة من النفط الخام والمشتقات البترولية.

قبل الحرب كانت المصفاة تنتج نحو 100 ألف برميل يوميا وتلبي معظم احتياجات البلاد من النفط المكرر، ويتم تصدير الفائض منها عبر ميناء بشير على البحر الأحمر عبر خط أنابيب بطول 1610 كيلومترات. وتغطي 50% من استهلاك غاز الطبخ في السودان و60% من استهلاك السودان بالنسبة للبنزين ووقود الطائرات. وكانت تنتج نحو 90 ألف برميل، وتلبي نحو نصف احتياجات البلاد من مشتقات البترول خلال فترات الاستهلاك العالي.

وتعرضت المصفاة للتخريب بسبب الحرب، خصوصا في مستودعات النفط ومكاتب الشركات، وطال تبادل القصف جانبا من مركز التحكم ومستودعات المشتقات الإستراتيجية، وجزءا من خط الأنابيب، وتقدر خسائر التوقف بنحو 5 ملايين دولار يوميا.

تشكل انفجارات محطات الوقود أحداثًا كارثية لا تشكل خطرًا فوريًا على حياة البشر والبنية التحتية فحسب، بل لها أيضًا آثار بيئية كبيرة. أحد أكثر النتائج وضوحًا وضررًا هو تكوين سحب الدخان، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات بعيدة المدى على جودة الهواء والنظم البيئية والصحة العامة.

تؤدي هذه الحوادث إلى إطلاق كميات كبيرة من الهيدروكربونات والجسيمات الدقيقة والغازات السامة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تكوين سحب دخان كثيفة. يمكن أن تنتقل هذه السحب لمسافات طويلة، مما يؤثر على مناطق بعيدة عن موقع الانفجار.

مكونات سحب الدخان

تحتوي سحب الدخان الناتجة عن انفجارات محطات الوقود عادة على:

الجسيمات الدقيقة (PM2.5 و PM10): جسيمات صغيرة يمكن أن تخترق الرئتين ومجرى الدم.

المركبات العضوية المتطايرة (VOCs): مثل البنزين والتولوين والزيلين، وهي مواد مسرطنة.

الغازات السامة: بما في ذلك أول أكسيد الكربون (CO) وأكاسيد النيتروجين (NOx) وثاني أكسيد الكبريت (SO₂).

المعادن الثقيلة: مثل الرصاص والزئبق، والتي يمكن أن تتراكم في البيئة.

الآثار البيئية

1. تلوث الهواء

تؤدي سحب الدخان إلى تدهور جودة الهواء بشكل كبير. يمكن أن تسبب الجسيمات الدقيقة والغازات السامة أمراضًا تنفسية وقلبية لدى البشر والحيوانات. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يرتبط التعرض للجسيمات الدقيقة PM2.5 بملايين الوفيات المبكرة سنويًا (WHO, 2021). كما يساهم إطلاق المركبات العضوية المتطايرة في تكوين الأوزون على مستوى الأرض، وهو مكون رئيسي للضباب الدخاني.

يمكن أن تستقر المواد السامة من سحب الدخان على الأرض، مما يؤدي إلى تلوث التربة ومصادر المياه. يمكن أن تتسرب المعادن الثقيلة والهيدروكربونات إلى المياه الجوفية، مما يؤثر على إمدادات مياه الشرب والنظم البيئية المائية. وجدت دراسة أجرتها وكالة حماية البيئة (EPA) أن البنزين والمركبات العضوية المتطايرة الأخرى يمكن أن تبقى في التربة لسنوات، مما يشكل مخاطر طويلة الأجل على الزراعة والحياة البرية (EPA, 2019).

يمكن أن يؤدي ترسب الملوثات إلى الإضرار بالحياة النباتية، مما يقلل من التمثيل الضوئي والنمو. تعد النظم البيئية المائية معرضة بشكل خاص، حيث يمكن أن تتراكم المواد السامة في الأسماك والكائنات الأخرى، مما يعطل السلاسل الغذائية. على سبيل المثال، تسبب انفجار مستودع نفط “بونسفيلد” في المملكة المتحدة عام 2005 في أضرار بيئية كبيرة، مع تأثيرات طويلة الأجل على التنوع البيولوجي المحلي (Environment Agency, 2006).

تساهم سحب الدخان في الاحتباس الحراري من خلال إطلاق غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والميثان (CH₄). بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تغير الجسيمات الدقيقة تكوين السحب وأنماط هطول الأمطار، مما يؤثر على المناخ الإقليمي.

المراجع

منظمة الصحة العالمية (WHO). (2021). تلوث الهواء الخارجي. https://www.who.int

وكالة حماية البيئة (EPA). (2019). تأثير المركبات العضوية المتطايرة على جودة الهواء الداخلي. تم الاسترجاع من https://www.epa.gov

وكالة البيئة. (2006). انفجار بونسفيلد: تقييم الأثر البيئي. تم الاسترجاع من https://www.gov.uk

برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP). (2020). انفجار مرفأ بيروت: التقييم البيئي السريع. تم الاسترجاع من https://www.unep.org


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *