للكاتب: محمد مصطفى النور
الإزاحة السكانية واللغوية والثقافية للعناصر الأصلية والتحول نحو العربية – الإسلامية في المنطقة الممتدة بين منصور كتي والدبة من خلال الروايات الشفاهية / فرضية الإزاحة الثقافية : المعتقدات الشعبية نموذجاً – عادات الدفن :
تعتبر التعاليم الإسلامية هي أساس عادات الدفن في المنطقة، تصاحبها بعض العادات الخاصة بالمنطقة: فبعد الوفاة يتم غسل الميت بماء السدر ، وتحنيطه وفق التعاليم الدينية الإسلامية ويقوم الغاسل بوضوء (الميت) الجثمان ومن ثم تكفينه ويخرج الصائح” على ظهر حماره وهو يصيح: الحي الله والدايم الله فلان الفلاني (اسم الميت) راح في حق الله”؛ وقد جرت العادة أن لا يتم دفن الجثمان ليلاً فإذا حدثت الوفاة وقت الغروب يقوم المادح بمدح الرسول بجانب الجثمان وحوله أهل الميت حتى شروق الشمس وبعدها يحمل الميت بواسطة العنقريب إلى المقابر ؛ ويتم الحفر حتى الوصول للأرض الصلبة وتسمى بالصندوق ثم يشق في جانبها الجنوبي حفرة تسمى ود اللحد ويوضع فيها، الجثمان بواسطة أحد أهل عصبته، على شقه الأيمن في اتجاه القبلة….يقوم البعض بوضع جريد نخل مع جثمان المتوفى في ود اللحد لاعتقاد أنها ستكون له أنيسة ما دامت رطبة؛ وتشير روايات أخرى إلى أنهم يضعون هذا الجريد فوق القبر وليس داخله، وتبرر الرواية الأخيرة ذلك بأن الغرض منها تمييز القبر ليتعرفوا عليه عند الزيارة.بعد انتهاء الدفن يتم وضع إناء مليء بالماء، ويمكن وضع إناء آخر مليء بالحبوب والغرض من ذلك أن يكون صدقة للميت عندما يأكل منه الطير أو يشرب، ويقوم أهل الميت، وهم غالباً من النساء، بزيارة القبر لمدة أربعين يوماً ويعدن ملا هذه الأواني. وقد تطورت هذه الأواني فقد كانت في السابق من الفخار ثم أصبح البعض الآن يستخدم أواني الألمونيوم وغيرها من المعادن، وتطور الأمر عند البعض لجعلها على شكل صبة مصاحبة للشاهد. وقد أشارت روايات أخرى إلى أنه يتم تشتيت التمور على القبر وذلك لتكون صدقة للميت لكن هذه المرة للطيور وللبشر.كان العزاء يستمر لمدة سبعة أيام في السابق، وتم اختصاره في الفترة الأخيرة لمدة ثلاثة أيام. في اليوم الثاني للوفاة يتم ذبح ذبيحة تسمى بالصدقة، وفي اليوم الخامس تذبح ذبيحة أخرى تسمى الكفية كما تسمى بـ “كفي القدح، وهي إشارة الانقطاع عيش الميت، ثم يتم تقديم صدقة في اليوم الخامس عشر قد تكون ذبيحة أو قد تكون زلابية وشاي، ثم تتكرر هذه الصدقة من الزلابية والشاي في اليوم الأربعين، ثم يتم ذبح صدقة جديدة بعد مرور سنة على الوفاة، وعلى المرأة التي توفي زوجها، بعد انتهاء عدتها، واجب أن تقوم بزيارة قبر زوجها حتى وإن كان قد دفن خارج المنطقة.ويتكرر تقديم الصدقة للمتوفي مرة كل سنة على الأقل في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، وتسمى هذه العادة بـ “الرحمتات” كما تسمى بـ “عشاء الميتين، وتكون عادة عبارة عن إدام باللحم. ويقدم جزء منه للأطفال في نهار رمضان، ويعتقد السكان المحليون أن من الواجبات الدينية عليهم أن يشبعوا أطفالهم في هذا اليوم وتسمى هذه الوجبة بـ “الحارة”، وينتقل الأطفال من بيت إلى آخر في القرية لتناول هذه الوجبة وهم يرددون الأهازيج، ويقومون باستعجال النساء اللاتي يتأخرن في تقديم هذه الوجبة عبر هجائهم في داخل الأهزوجة الحارة ما مرقت ” ” ست الدوكة ما ظرطت .. وقدت البيت وشردتوتشير بعض الروايات إلى أن الصدقات التي تقدم للميت تصاحبها عادة تسمى بـ ورد العتق وتتمثل في جلب أعداد من الحصى عادة ما تكون 12 ألف أو 40 ألف، وقد تكون أكثر من ذلك أو أقل، ويتحلق حولها الحيران أوأهل الميت وأصدقاؤه ويبدأون في جر هذه الحصى بالتسبيح: سبحان الله ولا إله إلا الله بعدد الحصى، ثم يحمل هذا الحصى للمقابر ويوضع بالقرب من رأس الميت ويكون ذلك صدقة له.إن ما يمكن أن نسميه بالأثاث الجنائزي هو جزء من عادات الدفن التي سادت في منطقة الدراسة منذ العصر الحجري الحديث وحتى بداية العصر المسيحي وقد حدث تحوير لهذه العادة في المنطقة أكسبها صبغة إسلامية مثل وضع آنية على رأس القبر من الخارج بها ماء أو حبوب كصدقة للطير؛ وقد شهدت حضارة نبتة نفس هذا المضمون باختلاف أن الآنية كانت توضع داخل القبر وتحولت بعد الإسلام إلى خارجه، كما حدثت بعض التطورات في نوع الآنية المستخدمة.أما عادة وضع الحصى أعلى القبور فقد انتشرت في فترة حضارة كرمة، وأخذت في منطقة الدراسة شكلاً إسلامياً كما ذكرنا وأطلق عليها اسم ورد العتق .
تعزز القباب من فرضية الإزاحة الثقافية فبعضها سابق للإسلام، وبعضها لا يعرف عنه السكان المحليون شيئاً مما يعني أنه سابق لوجودهم في المنطقة ومع ذلك اكتسبت صفة القداسة الإسلامية وأصبحت مزارات دينية تعبر عن روح التصوف السائدة في المنطقة.
* مجتزأ من ورقة تندرج ضمن توسيع قاعدة المصادر التاريخية التي أطلقها بروفسير يوسف فضل و هي استخدام الرواية الشفاهية كمصدر تاريخي.
اترك تعليقاً