الـرَّب يجـود

·

·

للكاتب: أيمن هاشم

عندما ستخرج من بيوتكم التي قُربَ النَّهَر، ستجد بيتَها في الجبال، ستجد البابَ مواربًا، لكن عليك أن تخرجَ في وقتٍ متأخر. ستخرُج مغالبًا نُعاسك، خائفًا ترتعد أوصالُك في ذلك اليوم الشِّتوي، ومن أن تعرف واحدةً من الصبيات أو الجيران أنك قد مضيت إلى بيتها.

كلُّ الخيولِ التي تعلفُ أسفل الوادي، التي تفاخر بفحولتها، رُوِضت هُناك، عند الزهرة البرية، “الربيجود” التي علمتهم. حتى زوجاتهم تعرفن ذلك، وما إن يصير الرجل خائبًا في أدائه؛ فإن زوجتَه تطلب منه أن يذهب إلى غابة السّمار، ليأتيها في اليوم التالي بآلةٍ لا تلين.

عليك ألَّا تخاف، فهي تجرِبتك الأولى، الخالة تعرف عندما تلمس يدك المرتعشة، تقودك -من بين شتول النخيل المُنتصبة- إلى الداخل، تجتاز وهي ممسكة بشمعة طريقًا طويلًا. تسمع دقاتِ قلبك، وتحسُّ بالدم يغلي تحتَ سروالك، لكنك خائف، اطمئنْ، لن تأكلك الخالة؛ ستروضك.

تمدُّ يدك لتمسكها تُتمتم: “الرب يجود”. بصوتٍ منخفض، تقودك إلى غرفة ينيرها فانوس، ترى لونها الأسمر اللامع، وتتسرب إلى أنفك رائحة الدِّلكة والدُّخَان. تتذكر مرورَك بشوارع القرية، في موسم المطر، عندما استرقت السمع حيثُ جذبتك رائحة الدُّخَان، سمعت جارتك تصرخ وتتأوه، كنت طفلًا، تسلقت الحائط لتجدَ -رجلًا ضخمة الجثة- فوقَها، أُصبت بالدوار لكن دمًا حارًّا تدفق من قلبك، وأنت ملتصقٌ بحائط الطين، فسقطت وجرحت يدك، كان هذا الشيء جميلًا ومرعبًا.

“الرب يجود” التي روضت أولاد الحِلة جميعهم، كلُّ القرية بعجائزها، وشبابها وأطفالها، في ونستهم السِّرية الداعرة، عندما يحكي الواحد عن كسره سريرَ الغرفة، كانوا يحولِقُون: الرب يجود.

تتذكر عندما راودك أوَّلُ حلم، تتذكر عندما حلمت بـ”الرب يجود”، جاءتك بجسدِها البرونزي، بسوقها العتيقة، وبرقبة تتمايل كالأوزة، وبخصر كالنيل في الصَّيف، شيء ما عندما لمسته، تدفق ماءَك، تتذكر عندما تبلل العرَّاقي في تلك الليلة الشتوية، لم تتذوق شفاهها، لم تفعل شيئًا في ذلك الحلم، سوى أنك تحسست صدرَها، وانفجرت، أيُّها اللغم المشاغب.

أنت الآنَ بيد الرب يجود، تسري الرعدة الكهربائية من طرفِ يدك، تتحسسك بأصابعٍ سوداء محمرة كتمر الجاوة، سوف تشعر بالنبض في كلِّ أجزاء جسمك، تستحيل طبلًا، ويستعر جسدك بالسخونة، اترك نفسَك حينها للنمرة، الرب يجود.

تهمس لك بغنج: عايزاك!

السيدة التي لا يصيبها الكبر، يدور الهمسُ في الحِلَّة أنَّها تشرب الشباب، تشرب ماءَهم، تقتات على حيويتهم. جسمها مشدود لأنها تمسحه بماءِ الرجال، الرب يجود بئرُ القرية السِّري، كل الرجال سُحب، حتى أنت!

ما الذي تفعله السحابة كي تنزل؟ تسخن، أنت في يد الرب يجود، وهي تنزل الثياب عنها كالمطر، ينزل ثوب الهزاز، تزيح القماش الذي يغطي صدرها، تُنزل عيناك إلى أسفلها، إلى وردتها، تُمسك النمرة ذَقَنك وترفعه، انظرْ إلى عينيها، مائِها الزجاجي وأنفِها الغاطس في وجهها يتشبث به زمامٌ لامع، انظرْ إلى شفاهها السوداء الكبيرة، تخرج الرب يجود لسانَها كهرٍّ شبق، ثم تُمسك رباطَ سروالك وتفتكه، وأنت لا حولَ لك ولا قوة، ترفع يدك فتترك لك بكل كرم صدرها، كانت ملآى بالحليب، بيديك الصغيرة تمسح ببطءٍ، لن يكونَ لك وقت، فالنمرة أمسكت بشيئك، ثم بللته بلعابها، وصارت تعالجه بيدها، حتى كادت عروقه تتفجر بالدم، ترميك بيديها على سرير العنقريب، رائحة الدِّلكة والبخور تتفجر، تنزل النمرةُ بوجهها على وجهك، تلتقم شفتك السفلية فتغرق في العرق، يتصبب من أذنك وعلى خديك، يطفو جسمُك، تفقد السيطرة على نفسك، تستلم تمامًا كطريدة في قبضة نمرة، تترك الرب يجود على طريقتها.

تخبرك بهمسة: أنها تريده، فتتحسس وردتي صدرها، تعتصره تحتَ يدك، تدعكه، وتمسك سؤددها وقتًا طويلًا، تشدها، وكطفل صغير تلتقِمه.

لن تنسى كيف أغرقتك في جسدها، كما لن تنسى كيف امتطت حصانك، شهقت حينما مرت بكامل وردتها، ضعت مرَّة أخرى تحتَ النمرة، مرَّة في العناق، ومرةً في العراك. كنت تردد بصوت متهدج: الرب يجود! كصوفي في حضرة، كنت سكرانَ تمامًا ومبتهجًا بفقدان جسدك، كلُّ جسمك يتلذذ:  يدُك، وشفاهك وأنفك، وعيناك، وشيئك.

كانت تهبط في تأوهٍ بالغ، وكنت أنت تتقد كغابةٍ محترقة. لم تحترق كلك، احترقت يداك فأضاءت، فزادت سُمرة الرب يجود، حلقّ طائرا عينيك إلى بِركة عيني الرب يجود، وارتفع حاجباك في جبينك ولم ينزلا، غيرَ أن الهواء لم يكن كالهواء الذي تتنفسه، كان أنفاسًا وصراخًا، والحق بأن نَهَرًا كاملًا فاض من أيرك. أحسست بأنك أفقدت النمرة توازنها، كنت كلّ مرة تحاول الإفلات، فأدنيتها تحتك بالكامل، فتحتْ لك كنزها، وكانت تتلوى كسمك الفيضان.

عندما سيسألونك أين كنت في هذا الوقت المتأخر، لن تجيب، لأن قصة مثلَ هذه لن تروى إلا في وقتٍ متأخر، لتتفاخر بها وسط أولاد الحِلَّة، ولأن حقولك قد عُلِفت، لأنه دائمًا عندما تترك الباب مواربًا، ستأتي الرب يجود، لأنك أخبرتها أنك مستعدٌ أن تؤكل، أنت أيُّها الصبيٌّ المسكين، المسرنم في خياله، في كل مرة يظهر فيها خنجرك من تحت السروال، ستتسلل إلى البيوت في عِلية الجبل، إلى بيت أعلى التل، حاملًا عمرًا جديدًا لتنحره، تاركًا أولادَك الألف يملأون الوادي، وتظن أن الرب يجود؟


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *