حُلم السبعة ألوانThe Trance of Seven colors

·

·

للكاتب: بكري التاج

في الصويرة مدينة السحر ، البوابة المفضية الى عالم الماورائيات و في ليلة النصف من شعبان حسب ما يقتضيه التقويم الروحاني تبدأ مهرجانات و طقوس استرضاء و استحضار ملوك الجنّ و الأولياء الصالحين و حتى صحابة النبي و آل بيته في مزج صوفيّ استثنائي شامل لا يعفى منه الا من خالطت قلبه تساؤلات الريبة و لعبت في عبّه الظنون ، بموسيقى جنونية لا شرقية و لا غربية ، مزيج من هواجس و الآم السُّود الذين جلبتهم القوافل الى بلاط السلطان و كلفتهم بحبّ غير

مشروط و ايمان بالله و الرسل و مردة الجبال و البحار ، متجولا كالعادة في يوتيوب لا الوي على شيء وقع في يدي فيديو نشرته الدكتورة ناهد محمد الحسن يوثق لحقبة درست منذ عقود فيها لمحة عن حياة المرأة السودانية و الأساليب التي ابتكرتها للتنفيس عن تراكمات و تراكمات من ضغوط الحياة ، فيلم يوثق لظاهرة الزار في السودان لسيدة من السيدات السودانيات الكثيرات اللاتي طرقن هذا الباب طلباً للتداوي من علة ما او الراحه النفسية ربما ، و درجة الشبه الكبير بينه و بين موسيقى قناوة المغرب و حلم السبعة الوان، ذلك الاسم المثير للتساؤل و الدهشة الذي سمى به محمود غينيا ألبومه الرائع لهو العنوان الانسب و الامثل لهذا التراث الانساني الممتليء بالمعنى و الحياة ، فالسبعة الوان هي محلات و مقامات خُصّت بها الارواح و الاولياء الصالحين ، الكوحل و الموساوي و الشرفاء …الخ ، هي بالاحرى خيوط الزار السوداني بشير الحبشي و سيدي عبدالقادر الجيلاني و شاكر و غيره من الارواح في المغرب أسس القناوة الرجال و أمسكوا بقوامتها و في السودان قام الزار على أكتاف النساء الشيخات صاحبات الحلّ و العقد في مجتمعاتهنّ الصغيرة ، اللاتي خلالهن سيتمّ الاتصال بالعوالم المخفية عن الانظار و التي لها يد في مجرى الامور بحسب ما يُعتقد، في الصويرة تلك المدينة الساحلية لا تزال فيها أساطير البحر الابيض المتوسط حيّة في اغنية التراث و أهازيج السحرة و الدراويش مع الانبياء و الصالحين هذا اللغز الذي توصلتُ الى حلّه قبل فترة من الزمن عندما كنتُ استمع مرارا و تكرارا الى طرح الموساويين الذين لهم اللون الازرق من حلم السبعة الوان ، لون البحر الباذخ الذي في جبروته و زخم حضوره لا يقوى عليه الرجل الا بالاستعانة بالله ، أو بوسايدون صاحب الرمح الثلاثي الذي يلفى البحارة التائهين الحيارى و يرشد امواجهم ، و ما الموساوي و سيدي موسى مولى الماء سوى بوسايدون سيد البحار في الميثولوجيا الاغريقية ، تخيّل معي انه لا يزال حاضراً في ثقافة عربية اسلامية ؟؟

ربما كانت ألحان القناوة هي أجمل و أرهف من الحان الزار السودانية، لماذا؟ هل لأنها أحزان و انفعالات اجترحها الرّجال ؟ او اكثر تطوراً بحكم عامل الزمن لاقدميتها ؟ او لأنها مزيج بين ثقافات افريقية زنجية و اخرى عربية لا نعلم ، لكن ما نعرفه جيداً هو درجة الشبه الذي لا تخطئه العين أو الاذن اذا اردنا ان نكون اكثر تخصيصاً ، ف ميمون الغمامي صاحب اللثام و العباءة السوداء الذي لا يتنزل و لا يُستحضر الا بعد أن تُعزف له القراقب و الكمبري بقوة و شدة ، الحاناً متتابعة سريعة كزخات المطر الاستوائي ساخنة قوية لانه أحد الملوك أصحاب الكبرياء و الأنفة لا يتنزل الا بالرهق ، ميمون الغمامي هو “شاكر” الزنجي الذي ترتدي له شيخة الزار الاسود و تكون ذبيحته شاة سوداء ، لأنه كما تقول النسوة انه من النوبة و جن الجبال الذين أوحشت امزجتهم العُزلة فصاروا لا يتنزلون الا بالايقاع المتقد ، كذلك اذا رأيت النسوة في نزول “شاكر “فانّهن شرسات ايما شراسة في الرقص و الضرب على الدلوكة .. في أول وصف يقول من استمع الى قناوة الصويرة : لا بدّ انها موسيقى الاستحضار ، فقط هي موسيقى الاستحضار


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *