النصف المظلم للقمر، عولمة القرن الحادي والعشرين

·

·

, ,
النصف المظلم للقمر : عولمة القرن الحادي والعشرين : اعادة قراءة لكتاب الإمبريالية في القرن الحادي والعشرين .

يقدم جون سميث تشريحاً لاذعاً لجوهر العولمة الرأسمالية المعاصرة، مُصوِّباً سهام نقده نحو آلية النهب المنهجية التي تمارسها دول الشمال الإمبريالية ضد شعوب وجماهير دول الجنوب. لا يعتمد هذا النهب، كما يُظهر سميث، على الاحتلال العسكري المباشر بقدر ما يستند إلى استغلال مفرط وهيكلي لقوة العمل في الجنوب، أصبح هو السمة المحددة لهذه المرحلة.

قلب مركز الثقل: الجنوب مصنع العالم

أبرز تحول تشهده الرأسمالية المعاصرة هو نقل هائل لمراكز الإنتاج الصناعي من دول الشمال إلى دول الجنوب ذات الأجور المتدنية فبحلول عام 2010، كان 79% من العمال الصناعيين في العالم (541 مليون عامل) يعيشون في المناطق الأقل نمواً مقارنة بـ 34% فقط في عام 1950 لقد أصبح الجنوب بحق مركز ثقل طبقة العمال الصناعيين في العالم.

آلية الاستغلال المفرط وقمع دول الجنوب يُجادل سميث بأن الربح الأساسي للإمبريالية الحديثة لا يأتي فقط من زيادة الإنتاجية (القيمة النسبية) أو طول يوم العمل (القيمة المطلقة)، بل من دفع الأجور تحت قيمة قوة العمل نفسها ، وهي حالة يصفها بـ الاستغلال المفرط . هذه الأجور البائسة، كما يُظهر في أمثلة صادمة عن عمال النسيج في بنغلادش أو عمال التجميع في مصانع فوكسكون بالصين، لا تعكس انخفاض الإنتاجية ، بل هي نتاج قمع منهجي: قيود صارمة على حركة العمال عبر الحدود، وفائض سكاني نسبي هائل، وهيمنة شركات الشمال عبر سلاسل القيمة العالمية. إنها مراجحة عمالية عالمية ممنهجة، حيث تنتقل المصانع بحرية عبر الحدود بحثاً عن الأجور الأرخص، بينما يُحرم العمال أنفسهم من نفس حق الحركة.

سرقة القيمة: وهم الناتج المحلي الإجمالي

يكشف سميث واحدة من أعظم الخدع الإحصائية للعولمة: أن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) هو مقياس للقيمة التي تملكها دولة ما، وليس بالضرورة ما تنتجه . فالقيمة الهائلة التي يخلقها عامل في بنغلادش أو الصين عند صنع قميص أو هاتف ذكي، تُحتسب في الناتج المحلي لدولة الشمال التي تملك العلامة التجارية وتبيع المنتج النهائي. وهكذا، يُخفي مؤشر الناتج المحلي الإجمالي التدفق الهائل للقيمة والثروة من عمال الجنوب إلى جيوب الرأسماليين ومجتمعات الاستهلاك في الشمال، مما يعزز السلام الاجتماعي هناك.

يخلص سميث إلى أن الاعتماد المتزايد للإمبريالية على الاستغلال المفرط لعمال الجنوب ليس علامة على قوة الرأسمالية، بل هو تعبير عن أزمتها العميقة. إنه نظام يغذي نفسه من خلال إفقار ممنهج للأغلبية العالمية، مما يخلق تناقضاته الخاصة ويقرب النظام من أزمته النهائية. يظل كتاب سميث، في جوهره، نداءً لإعادة مركزية النضال ضد الإمبريالية إلى قلب الصراع الطبقي العالمي مؤكداً أن معركة تحرر الإنسانية ستُخاض ويجب أن تُخاض على أرضية التضامن الأممي ضد هذا النظام الاستغلالي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *