يتأثر فيلم “A New York Story” (قصة من نيويورك) بشدة بأسلوبي وايت ستيلمان ووودي آلن. يسرد الفيلم حكاية عن الفوارق الطبقية في مدينة نيويورك بشكل سطحي، قصة قد تبدو في ظاهرها اكليشية متكرر، تتمحور حول عاشقين شابين غالباً ما يجدان نفسيهما يتجولان بين معالم نيويورك تزامناً مع تحول الخريف إلى شتاء. إنها بصمة جمالية رومانسية من ناحية السينماتوغرافيا. ومع ذلك، فهي تلائم تماماً النبرة العامة للفيلم وهاتين الشخصيتين وهما يشقان طريقهما نحو بعضهما البعض، عابرين الخطوط الطبقية.
إحدى المشاكل الشائعة في الأعمال الدرامية الرومانسية التي تدور أحداثها في نيويورك هي المقولة التي تُستخدم حد الابتذال: “إنه رسالة حب للمدينة”. ما أعجبني بشكل خاص في “A New York Story” هو كيف نجحت صانعتا الفيلم، في تحوير ذلك إلى نظرة تشوبها السخرية لمدينة نيويورك؛ كيف تحولت المدينة من ملاذ للفنانين إلى مكان تسيطر عليه الشخصيات الاجتماعية الثرية والمفلسة أخلاقياً، والتي تتمتع بنفوذ خفي أو غير ملحوظ على المدينة، بينما أصبح الفنانون الآن على الهامش.
تريدين الانضمام، لكن لا يمكنكِ الفوز ببساطة
لذا أنتِ باقية تحت الأضواء
أنتِ أنيقة جداً بأسلوب الآرت ديكو على حلبة الرقص
تتألقين كالمعدن المصقول، باردة وغير متأكدة من شئ.!
أغنية آرت ديكو – لانا ديل راي
يبدأ الفيلم بالممثل الأكثر شهرة – وهو يتمتع بجاذبية مصطنعة – جاذبية الآرت ديكو، بمعنى أنه قادر على جعل شخصية مخملية بغيضة تبدو محببة. إحدى السمات الرئيسية لهؤلاء الأرستقراطيين من الطبقة العليا فاحشة الثراء هي أنهم على درجة عالية من التعليم وقادرون على الحديث أو التفلسف حول أي موضوع. وويل كافري يفعل ذلك تماماً. بعد إحدى المناسبات الرسمية التي حضرها ويل وأنابيل (فيونا روبرت) وأصدقاؤهما، يلتقط لهما ثيو (بول كرميريان) صوراً، ليس كمصور فضائح، بل كمصور فني. يتحدث ويل وثيو عن كيف تشكلت نيويورك على يد فنانين مثله، لكنهم الآن لم يعد بمقدورهم تحمل تكاليف العيش في المدينة. يدعوه ويل للعودة إلى شقة أحد الأثرياء. يبدو ثيو مهذباً، لكنه بالتأكيد يشعر بالغربة وليس في بيئته المعتادة، حيث ينظر إليه الأصدقاء الأثرياء جميعاً كدخيل، شخص لا يفترض به أن يتواجد في عالمهم.
الشُلة – مأوى الضعفاء
نفس الشلة، يتبعون الروتين ذاته كل يوم. يذهب الرجال إلى نادٍ ما ويتظاهرون بلعب الجولف أو يتبادلون الثرثرة. بينما تذهب النساء لتناول طعام الغداء ويتظاهرن بتناول الطعام أو يتبادلن الثرثرة. ثم في المساء، يجتمعون جميعاً في إحدى شققهم ويجلسون على الأرائك يشربون ويتحدثون عن مدى كمال حياتهم. سيشعر معظم الناس بالملل، لكن هؤلاء ليسوا كمعظم الناس؛ فلم يضطروا يوماً لفعل أي شيء. معظم أفراد هذه المجموعة من المخمليين ينحدرون من ثروة متوارثة عبر الأجيال (مثل عائلة فاندربيلت على سبيل المثال). تختلف أنابيل قليلاً؛ فوالدها بدأ كممثل فقير من الطبقة العاملة وصعد إلى الشهرة كفائز بجائزة توني. يفصلها عن تلك البدايات جيل واحد فقط، لكنها لا تزال تدرك الزمن الذي كانت فيه نيويورك مكاناً مرحباً بالفنانين. هي أيضاً تريد أن تصبح ممثلة، ولكن عندما تولد غنياً ومشهوراً، فكل ما عليك فعله هو إيجاد شخص تعرفه ليسمح لك بالمشاركة في مسرحيته.
شرق نيويورك الغني مقابل وسط المدينة
يقع حادث في وقت مبكر جداً من الفيلم موت والدها (الممثل المشهور) بسبب جرعة زائدة من الهيروين يحدث بشكل غير متوقع، لكنه يكشف ببراعة لأنابيل الفوارق بين أصدقائها الأثرياء الذين ليسوا أصدقاء حقيقيين ويفتقرون للمشاعر الإنسانية، وبين ثيو، الشخص الذي بالكاد تعرفه ولكنه قادر على فهم ما تشعر به والتجاوب معه ومن ثم مواساتها.
قد يكون الفيلم قصة حب، نسخة مكررة من “الفتاة الغنية تقابل الفتى الفقير” التي رأيناها مراراً وتكراراً، من “روميو وجولييت” إلى “تايتانيك” مروراً بعشرات الأفلام الرومانسية للمراهقين. ولكنه يأخذنا في رحلة عبر تجربة نخبوية نيويوركية تشعر بالملل. إيقاعه يميل إلى البطء، وبعض الحوارات الفلسفية تبدو متكلفـة، لكنني انجذبت حقاً إلى معضلة أنابيل. إنها تدرك الامتيازات التي يوفرها التواجد في دائرة أثرياء نيويورك، ولكن، بأي ثمن؟
ربما يعاني الفيلم من ثنائية صارخة ومبسطة للغاية. فمن ناحية، يتم تصوير عالم “الأبر إيست سايد لنيويورك” على أنه بارد، سطحي، وخالٍ من أي قيمة حقيقية، مجرد واجهة براقة من الحفلات والمظاهر. ومن ناحية أخرى، يتم تصوير عالم “داون تاون” الفني على أنه المكان الوحيد الذي يوجد فيه الطموح الحقيقي والحب الصادق، الفيلم لا يقدم أي تحليل حقيقي للصراع الطبقي أو لهشاشة الثروة، بل يكتفي بتقديم صور نمطية: الأغنياء متعجرفون، والفقراء (أو الفنانون الطموحون) نبلاء وأصحاب قضية.
إمتلك الفيلم كل المكونات ليكون دراما اجتماعية رومانسية، لكن المخرجتين إخترن إتباع الوصفة الأكثر تقليدية. إنه يفتقر إلى الأصالة، والعمق، والشجاعة الفنية اللازمة ليبرز. بدلاً من أن يكون “قصة من نيويورك”، انتهى به الأمر ليكون مجرد “قصة” أخرى مكررة حدثت بالصدفة في نيويورك.


اترك تعليقاً