رواية ريفزالت

·

·

, , ,

الرواية الفائزة بجائزة الخطلاء للرواية العربية والصادرة حديثا عن دار الريس للنشر والتوزيع والترجمة _ الشارقة.

«ريفزالت» للكاتب الجزائري عبد الكريم قادري، من خلال معسكر “ريفزالت” الذي شكّل في زمن الحرب العالمية الثانية نقطة تلاقٍ بين المقهورين والمنفيين واللاجئين. الرواية لا تكتفي باستحضار الحدث التاريخي، بل تنفذ إلى أعماق التجربة الإنسانية الممزقة بين الوطن والمنفى، بين الجسد المحبوس والروح التي تبحث عن المعنى.

يكتب قادري الرواية بلغة مشبعة بالشعر، دقيقة الإيقاع، يوازن فيها بين التوثيق والتأمل. لا يكتفي بنقل المأساة كما هي، بل يحولها إلى مادة فلسفية تتناول الذاكرة، الحرية، والخلاص. في أحد المقاطع يقول الراوي:

“كان المخيم يمتدّ كجرح مفتوح على الرمل، كل خيمة تحكي سيرة حياة انتهت ولم تُدفن بعد.”

هذا المشهد يلخص جوهر الرواية: لا جثث هنا، بل حيوات معلّقة، تنتظر اعترافًا أو نسيانًا.
الشخصيات تتحرك داخل هذا الفراغ الوجودي كأنها تبحث عن مبرر للبقاء. كل صوت فيها يعكس جانبًا من الإنسان حين يُجرد من كل شيء إلا وعيه بالعذاب. وفي موضع آخر يقول السارد:

“لم نعد نحلم بالخروج، فقط أردنا أن يتوقف هذا الزمن، أن يرحمنا من تكراره البطيء.”

لغة قادري تنبض بنزعة سينمائية واضحة — ليست غريبة على خلفيته النقدية والسينمائية — حيث تُكتب المشاهد كأنها لقطات طويلة تمزج الضوء بالظل، والسكوت بالصرخة. المكان في الرواية ليس مجرد مسرح للأحداث، بل ذاكرة قائمة بذاتها، تحفظ وجوه الذين عبروا ثم اختفوا.

ما يمنح «ريفزالت» فرادتها هو قدرتها على أن تكون رواية عن التاريخ دون أن تتحول إلى درس، وعن الألم دون أن تنزلق إلى العاطفية. إنها رواية عن الإنسان حين يُنزَع من سياقه، ويُترك وحيدًا أمام مصيره.
في النهاية، يقدّم عبد الكريم قادري عملًا يذكّر بأن الكتابة يمكن أن تكون مقاومة ضد النسيان، وأن الأدب ما يزال أصدق وسيلة لفهم ما لم يفهمه التاريخ بعد.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *