الميلاد الثاني لمملكة الأزاندي -1

(لن تكون هذه المملكة مثل تلك التي كانت في عهد غودوي)    

حول الميلاد الثاني لمملكة الأزاندي

الكاتب: ايزاك وانزي هيلاري

ترجمة: أتيم سايمون

  غيّرت السلطة الاستعمارية في السودان شكل الملكية وأنهت وجود المملكة بين الأزاندي والمجموعات المجاورة. ومع ذلك، استمر النفوذ العائلي لسلالة آفونغارا وسلالة ملوك ورؤساء الأزاندي قبل الاستعمار، مرّ قرن كامل قبل أن تولد مؤسسة جديدة، متمثلة في مملكة الأزاندي، برأس ملك جديد يقودها.

يستند هذا المقال إلى بحث إثنوغرافي ومقابلات أجريت في يامبيو، جنوب السودان، ليُظهر أن مملكة الأزاندي في القرن الحادي والعشرين، التي تأسست عام 2022، هي ملكية مُعاد ابتكارها وليست نسخة طبق الأصل من أسلافها في القرن التاسع عشر، ويخلص المقال إلى أن المؤسسة تشكّلت من خلال دمج أربع ممالك قبل استعماريّة في اختراع يهدف إلى استحضار وحدة وتقاليد الأزاندي ضمن حدود الدولة الوطنية الحديثة في جنوب السودان، وعلى عكس أسلافها، تُعد مملكة الأزاندي إبداعًا حديثًا نموذجًا للحكومات الحديثة بوزرائها وإداراتها.

بتاريخ 9 فبراير 2022، تمت ولادة مملكة الأزاندي من جديد في يامبيو، مقر الملك غودوي قبل الاستعمار ومحكمته، في ما يُعرف اليوم بدولة جنوب السودان، تزامن هذا الحدث التاريخي مع الاحتفال السنوي بـيوم غودوي، حيث اجتمع العديد من الجنوبيين، وخصوصًا المنحدرين من قومية الأزاندي، للاحتفاء بإرث الملك غودوي، كان الملك غودوي آخر زعيم للأزاندي قاوم القوى الأجنبية حتى وفاته عام 1905، مما جعله رمزًا لقضية السيادة المحلية، إن إعادة ابتكار مملكة الأزاندي تثير آمال العديد من سكان جنوب السودان بأن تصبح وسيلة لنوع جديد من السيادة، لكن الكيانات والديناميات السياسية في أواخر القرن التاسع عشر تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة في دولة جنوب السودان الحديثة والمتأثرة بالحروب، لذا فإن المملكة، رغم اعتمادها على تقاليد الأزاندي، تُعد في جوهرها إبداعًا حديثًا.

عندما استقليت آخر رحلة إلى المناسبة من مطار جوبا الدولي، تنفّس أحد الركاب الأزاندي الصعداء عندما تغيّر موعد إقلاع رحلتنا فجأة من الساعة 12:15 ظهرًا إلى 11:15 صباحًا، قائلًا: «أخيرًا، لقد تدخلت أرواح غودوي»، لاحقًا، علمت أنه في ساحة الحرية في يامبيو، حيث أقيمت المناسبة، شوهدت دوامة من الغبار، والتي تشير في عرف الأزاندي إلى وجود أرواح الموتى، وقد فسّر العديد من الأزاندي هذه الظواهر على أنها إشارات بموافقة إلهية من الملك الراحل غودوي، فهل يمكن أن يشير هذا الحدث إلى عودة الأيام السابقة التي تحدث عنها العديد من الأزاندي؟

في هذا المقال، أرى أن بعث المملكة من جديد جعلها رمزًا للمقاومة ضد الحداثة، إذ يُتصوَّر التقليد في مقابل الحداثة، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، بالنسبة للشيوخ والآباء، يبدو أن المملكة توفّر وسيلة لإعادة تأسيس سلطتهم على الأجيال الشابة من خلال إحياء المؤسسات والثقافات التقليدية، لكن المؤسسة التي يُنظر إليها على أنها تمارس التقليد هي في جوهرها إبداع حديث للغاية، وقد صُممت على نموذج الحكومات الحديثة بما فيها من وزراء وإدارات.

لقد أنهى الحكم الأنجلو-مصري، قبل أكثر من مئة عام، وجود آخر مملكة مستقلة  للأزاندي  تحت قيادة الملك غودوي، وأدخل تغييرات شكلت الأساس الضروري لولادة مملكة الأزاندي عام 2022.

تحوّل مشهد أرض الأزاندي قبل الاستعمار إلى مستعمرة أوروبية، ومن ثم إلى دولة جنوب السودان المستقلة، وسط تاريخ حديث من تسييس الإثنيات، مما أوجد ظروفًا تسمح بتكوين مملكة أزاندي موحدة يمكن أن تشكّل قاعدة للسيادة الإقليمية، لقد جعلت مقاومة الملك غودوي للقوى الاستعمارية منه رمزًا بطوليًا للجهود المستمرة لمواجهة سلطات الدولة المركزية، ومع أن إعادة ابتكار الملكية الجديدة أسفرت عن فقدان السلطات السياسية والعسكرية التي كانت تشكل جوهر قوة ملوك ورؤساء الأزاندي السابقين كقادة محاربين، فإن المملكة الحديثة لم يكن من الممكن تأسيسها رسميًا إلا بفضل العلاقات الإيجابية التي أقامها الملك مع الدولة المركزية.

    في القرن التاسع عشر، عاش الأزاندي ضمن مجموعة من الممالك المترابطة، لكنها كانت تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية، بالقرب من مركز القارة الإفريقية الجغرافي. كانت هذه الممالك تُدار وتُحكم وتتوسع بقيادة زعماء سلالة آفونغارا الحاكمة، وهي السلالة التي قادت الغزوات وفرضت السيطرة، وكان مجتمع الأزاندي متدرجًا اجتماعيًا، على عكس ما كانت تعيش فيه العديد من شعوب ما يُعرف اليوم بجنوب السودان، الذين لم يكن لهم حاكم واحد موحد.

     في أرض الأزاندي، كان هناك مسؤولون متخصصون قادرون على الفصل في قضايا السحر وأضرار الغيب الأخرى، وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أصبح الإقليم متورطًا بشكل متزايد في تجارة الرقيق والعاج وغير ذلك من الكنوز مع العثمانيين والمصريين ، وكان على ملوك ونبلاء الأزاندي أن يجدوا طريقة لتحديد مواقعهم وعلاقاتهم ضمن هذه التيارات السياسية والاقتصادية المتغيرة.

    قدّم إيفانز-بريتشارد أول دراسة توثيقية لتاريخ مؤسسات الأزاندي السابقة، وقد أجرى بحثه الميداني بعد اثنين وعشرين عامًا من انهيار مملكة غودوي. جمع إيفانز-بريتشارد بيانات وأنتج أعمالًا أكاديمية حول مواضيع متعددة، بما في ذلك أشكال الدين، القرابة، المؤسسات السياسية، الملوك، وغيرها من جوانب حياة الأزاندي.

وفي دراسته للمؤسسات السياسية وملوك الأزاندي كتب إيفانز-بريتشارد:

“عند محاولة القيام بعملية إعادة بناء تاريخية لشعب مثل الأزاندي، حيث المصادر الأدبية قليلة، ورغم أنها ليست بالضرورة غير موثوقة، إلا أنها محدودة النطاق، وغير كافية، وفي بعض الجوانب يصعب فهمها، فإننا كثيرًا ما نضطر إلى تفسير الماضي بناءً على ما نعرفه عن الحاضر، في ضوء البحوث الميدانية الأنثروبولوجية.”

يُعدّ العمل الرئيس لإيفانز-بريتشارد حول تاريخ الأزاندي ومؤسساتهم السياسية تاريخًا مُعاد بناؤه استمده من الحاضر، ومع ذلك، من الضروري تقدير مدى اختلاف الحاضر الذي عاشه إيفانز-بريتشارد (1926–1930) عن الماضي قبل الاستعمار. فقد ألغت القوى الاستعمارية الملوك والممالك، وأدخلت زعامات جديدة، ودمجت سلالة آفونغارا ضمن سياستها في الحكم غير المباشر في عام 1914، بعد عقد من سقوط مملكة غودوي، حاول عدد من أمراء الأزاندي التحرك ضد الإدارة الاستعمارية لاستعادة مملكتهم، إلا أن الذين قادوا ذلك الحراك تعرضوا للاعتقال.

   وبحلول عام 1926، عندما بدأ إيفانز-بريتشارد عمله الميداني، كان أمراء ورؤساء الأزاندي قد فقدوا الكثير من نفوذهم، وكانت حياة الأزاندي تخضع لتحولات استعمارية عميقة؛ فقد تغيّر نمط الاستيطان التقليدي، وأُدخلت المحاصيل النقدية، والمال، والحدود الدولية، وفي خضم هذه التغيرات الجذرية، سعى إيفانز-بريتشارد إلى فهم عصر غودوي وسواه من ملوك الأزاندي من خلال التواريخ الشفوية والتجارب التي رواها من عاصروا تلك الحقبة. وفي هذا السياق، كان الأزاندي يروون تاريخهم من موقع الحزن والحداد على الماضي.

وصف إيفانز-بريتشارد ممالك الأزاندي قبل الاستعمار بأنها لامركزية، حيث كان ملك كل إقليم يعيّن حكّامًا أو رؤساء لإدارة المناطق الأصغر، ورغم أن الملك كان يرشّح خليفة ليحل محله، إلا أن الأمراء—أبناء الملك المتوفّى—كانوا عادةً يتصارعون فيما بينهم على عرش والدهم. ولم تشر اعمال إيفانز-بريتشارد إلى ما إذا كانت تُقام طقوس محددة قبل صعود الملك الجديد إلى العرش.

خاض جنوب السودان حربًا طويلة من أجل الاستقلال عن الدولة الموحدة في السودان، التي كان يهيمن عليها الشمال، وانتهت هذه الحرب بـاتفاقية السلام الشامل عام 2005. وبموجب بنود الاتفاقية، أُجري استفتاء على الاستقلال، فظهرت دولة جنوب السودان الجديدة عام 2011، غير أن الحرب اندلعت من جديد في ديسمبر 2013، لتثبت أن الاستقلال حل بعض المشكلات لكنه خلق أخرى.

في الدولة الوليدة، أعيد تشكيل السلطات الإدارية والاقتصادية، على مستوى الحكومة الوطنية وفي العاصمة الجديدة جوبا، تصارع السياسيون وقادة المتمردين للسيطرة على المناصب وما يمكن انتزاعه من موارد، أما على مستوى الولايات والمدن الأصغر، فكان القادة يخشون التهميش، فكانوا يسعون إلى عقد تحالفات جديدة ومواجهة أعداء جدد في صراع دائم للهيمنة والتمثيل. وفي ظل هذه الحالة من عدم اليقين والتقلب المستمر، لجأ الكثيرون إلى الاثنية كمصدر مفترض للتماسك والدعم، لتصبح الأراضي والتنظيم السياسي أكثر إثنية من أي وقت مضى .

  يُعد الأزاندي ثالث أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان، إلا أنهم لطالما كانوا على هامش السياسة القومية، حيث كانت الفاعلون الرئيسيون فيها غالبًا من النوير والدينكا والشلك، في الواقع، بعد اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 1972 التي أنهت الحرب الأهلية السودانية الأولى، شغل بعض قادة الأزاندي مناصب رئيسية في الحكومة الإقليمية في جوبا، ومع ذلك، ظل الأزاندي في الغالب لاعبين مهمين لكن على الهامش ضمن الجيش الشعبي لتحرير السودان ومنظماته الاخرى.

وعند اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان للمرة الثانية عام 2016، تم اعتقال الملك المعيّن لمملكة الأزاندي، الزعيم أتوروبا ويلسون بيني، في يامبيو وسُجن في جوبا، بسبب انتقاده للحزب الحاكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان-في الحكومة ، إن احتجاز الزعيم أتوروبا، ووضعه تحت الاقامة الجبرية في جوبا، وموافقته في عام 2022 على ان يكون رئيسا لمملكة الأزاندي، يمثل جسرًا للرئيس كير لاستعادة النفوذ السياسي والثقة في منطقة غرب الاستوائية، التي كانت بحسب اتفاقية السلام لعام 2018 مخصّصة لحركة تحرير شعب السودان-في المعارضة.

وقد ارتبطت الرغبة في إحياء المملكة التقليدية ارتباطًا وثيقًا بالإحباط الذي عانى منه شيوخ وأهالي الأزاندي مع مظاهر العصر الحديث، فقد اشتكوا من أن جيل الأزاندي الذي نشأ في حقبة الحرب—منذ الستينيات وحتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تقريبًا—كان عاصيًا وانحرف عن التقاليد والعادات الزانداوية، لا سيما خلال الحرب الأهلية السودانية الثانية بين القوات المسلحة السودانية والحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان (1983–2005)، والتي أدت إلى تجنيد واسع للشباب وطردهم للمخيمات، وقد أشارت الدراسات السابقة إلى أن تلك الحرب أضعفت سيطرة الجيل الأكبر على الشباب.

ولتعليم جيل الأزاندي الضال طرق الحياة التقليدية، تطلع شيوخ الأزاندي إلى إحياء المؤسسات التقليدية كما كانت في “أيام غودوي”، وشرح الأمير باداغبو دانيال ريمباسا، العضو البارز والمتحدث باسم سلالة آفونغارا الحاكمة، كيف استجابت مملكة الأزاندي لإحباط الشيوخ:

“السبب في أننا اليوم نعيد إحياء هذه المملكة هو لتعزيز ثقافتنا، والحفاظ عليها، وتعزيز تلك التقاليد التي كانت لدينا، فقد فقد أطفالنا القيم، واللغات، والأساليب الطيبة التي كان الأزاندي يستخدمها في تربية أبناءهم.”

بينما لا يزال من غير الواضح أي التقاليد والقيم الأزانديّة سيتم إحياؤها، وكيف سيكون رد فعل شباب الأزاندي، هناك نقاشات حول إعادة استخدام الأوراكل في القضايا القضائية، وسلطة الزعيم في العقاب، والزواج المتعدد، وتربية الأطفال وفق القيم الأزانديّة ، ومع ذلك، يجب التوفيق بين الحفاظ على هذه التقاليد وبين العديد من القوى الحديثة، فقد أشار أحد زعماء الأزاندي البارزين إلى بعض هذه القوى وكيف يمكن أن تعرقل أهداف المملكة، موضحًا:

“هذه المملكة التي أعيد إحياؤها تواجه العديد من القوى، فإذا جاءت المملكة بشيء مختلف، ستأتي الكنيسة بشيء آخر، وحقوق الإنسان [الأمم المتحدة] بشيء آخر، والحكومة بشيء آخر.”

   بمعنى آخر، ما قد يراه قادة المملكة تقاليد صائبة أو خاطئة قد يتعارض مع مبادئ الكنيسة والحكومة. فكيف ستتعامل المملكة مع كل هذه الجهات والأطر الأخلاقية المختلفة أثناء سعيها لتطبيق ما يعتبرونه التقاليد الأزانديّة؟ ومن يملك السلطة لتقرير ما هو “التقليد”؟ وبما أن مملكة الأزاندي لا تزال في عامها الثاني فقط، سيكون من المبكر الإجابة عن هذا السؤال، لكنه من القضايا التي ستظل قيد المتابعة مع ترسخ المملكة.

   ولم يلقَ إحياء المؤسسة الملكية التقليدية، المعروفة تاريخيًا بقوتها العسكرية، ترحيبًا من جميع المجموعات العرقية في ولاية غرب الاستوائية، إحدى الولايات العشر في جنوب السودان، فاستذكارًا لتاريخ تفوق الممالك الأزانديّة قبل الاستعمار، رأت المجموعات العرقية المجاورة للأزاندي أن المطالب بإقامة مملكة أزاندي جديدة تشكل تهديدًا، ودعت الحكومتين الولائية والقومية لوقف إعادة تشكيل المملكة، وكان التوتر واضحًا بشكل خاص بين البلندا، وهم مجموعة يتركزون أساسًا في مقاطعة طمبرة وفيام ناديانجيري، والفيام هو أصغر وحدة إدارية، وفي رسالة موجهة إلى رئيس جنوب السودان في فبراير 2022، تم تداولها على العديد من منصات التواصل الاجتماعي، اتهم شيوخ البلندا أعضاء سلالة آفونغارا بالتحريض على العنف بين البلندا والأزاندي في 2021، والذي أدى إلى نزوح نحو ثمانين ألف شخص، وحذروا من أن استعادة مملكة الأزاندي ستزيد من اضطراب السلام الهش في جنوب السودان . ومع ذلك، شدد قادة الأزاندي منذ البداية على أن المملكة الجديدة، على عكس الممالك السابقة، ستعيش في تعايش سلمي مع المجتمعات من غير الأزاندي. ففي خطاب علني، أوضح الملك أتوروبا:

“لقد جاءت المملكة لتوحيد الأزاندي مع جميع القبائل الأخرى المحيطة بهم، وللتعايش بسلام، ولمنحهم مساحة لممارسة رقصاتهم التقليدية.”

   يعتمد هذا المقال على مقابلات وملاحظات أجريت في عامي 2022 و2023. في البداية، كنت في أوغندا عندما دعا معهد وادي الاخدود في جوبا للمشاركة ضمن الفريق الذي شهد الإحياء التاريخي لمملكة الأزاندي. ومع فريق المعهد، راقبتُ العملية والطقوس التي أحاطت بتتويج أتوروبا ملكًا للأزاندي . وبصفتي أزانديًّا وأنثروبولوجيًا، حرصت على التواجد عند قبر الملك غودوي، حيث بدأت الطقوس الملكية. هناك التقيت كومبونياكي أليكس أومباغبيا، زميلي الجامعي السابق وعضو من سلالة آفونغارا الحاكمة. وكان أومباغبيا من بين القلائل الذين لديهم حق الوصول الخاص إلى محيط القبر، الذي كان محاطًا بحراسة مشددة من رجال أعادوا تمثيل دور محاربي الأزاندي في العصور السابقة، بالإضافة إلى جنود حكوميين.

   على الرغم من أنني لست من سلالة آفونغارا، فقد تمكنت مع ذلك من فهم بعض الطقوس بفضل معرفتي المسبقة بعادات الأزاندي، فبصفتي قد نشأت في عائلة أزاندي وتفاعلت اجتماعيًا مع العديد من الأزاندي، اكتسبت معرفة بجوانب عديدة من ممارساتهم، بما في ذلك الطقوس التي أُقيمت لاحقًا عند قبر الملك غودوي، علاوة على ذلك، أثرت معرفتي بالأدبيات الأكاديمية حول ثقافة الأزاندي على فهمي لثقافتي الخاصة، وقد شكك إيفانز-بريتشارد، الذي نُشرت العديد من أعماله عن تاريخ الأزاندي وثقافتهم في نهاية الحقبة الاستعمارية، في أن الأزاندي سيطلعون يومًا على كتبه. وكتب:

“أعرب أيضًا عن خالص شكري للعديد من الأزاندي الذين ساهموا بالمعلومات المسجلة في هذا المجلد، رغم أنهم لن يروا هذه المعلومات منشورة أبدًا”

  وبينما لم يعش الأزاندي في زمن إيفانز-بريتشارد لرؤية كتبه، فقد كنت محظوظًا بقراءة معظم أعماله بالإضافة إلى الدراسات الحديثة عن الأزاندي، ما وضعني في موقع أفضل للوصول إلى جوانب الثقافة الأزانديّة التي قد لا تتاح للباحثين من الخارج مشاهدتها مباشرة.

    أتوجه الآن إلى مراجعة التاريخ المكتوب والشفوي للملك غودوي عن نهاية حكمه. يتناول القسم التالي تطور مملكة الأزاندي وتاريخ الملك الجديد، ثم يناقش عناصر الابتكار التي تميّز مملكة الأزاندي عن الممالك السابقة في عصر غودوي، أما القسم الأخير فيبحث الهيكل المقترح للمملكة وحالة عدم اليقين المصاحبة لتأسيس مؤسسة تقليدية جديدة في دولة حديثة.


*ايزاك وانزي هيلاري: باحث أنثروبولوجي من جنوب السودان، مهتم بقضايا الهوية والسلطة والتقاليد في مملكة الأزاندي.

* أتيم سايمون:  باحث وكاتب ومترجم من جنوب السودان، متخصص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *