مسلسل “Adolescence”عندما تتلاشى الطفولة!

·

·

, , ,

باسل خُدر

قبل عدة شهور، عندما كنت أتبادل الحديث مع طفلٍ يصغرني بأكثر من عشر سنوات، انتبهت لخيطٍ رقيق يتسلل من لحظات الصمت بيننا، كان ذلك الخيط يمثل الفروقات بين عوالمنا الخاصة، فكرت لوهلة أن هذا الإحساس يتعلق بمعضلة الأجيال المعروفة بطبيعة الحال، وأن التباين يعني أن الأشياء تتغير، لكنني مؤخرًا، عندما شاهدت مسلسل “Adolescence”، انتبهت لعدة أشياء ربما من الأجدر أن نعيد النظر تجاهها.

عن كثب:

بأربع حلقات فقط، مصورة بأسلوب اللقطة الواحدة المتصلة، يناقش مسلسل “Adolescence” قضية الطفل جيمي صاحب الثلاثة عشر عامًا، الذي وضع حدًا لحياة زميلته كيتي في إحدى الليالي الباردة بالمملكة المتحدة. يبدأ المسلسل بمشهد اقتحام الشرطة لاعتقال جيمي الذي كان جالسًا في غرفته وسط هلع وخوف والده، ووالدته وأخته الكبرى، وقبل أن تقتاده الشرطة، طلب المحقق من والده أن يأتي ليساعد ابنه جيمي في تغيير بنطاله الذي بلله بالفعل، ليعكس هذا المشهد أن جيمي ما زال طفلاً.

ومع مضي المشاهد، نرى الوالد وهو يقع حبيسًا داخل نظرات ابنه البريئة، هو يعرف أن طفله مسالم، أو هكذا كان يعتقد حتى قام المحقق بعرض مقطع فيديو من إحدى كاميرات المراقبة، يوضح جيمي الصغير وهو يطعن تلك الفتاة عدة مرات، وعندما بدأ الوالد يجهش في البكاء، قام جيمي بمد يده نحو والده الذي دفعه برفق وأشاح بوجهه بعيدًا، كأنه يريد رؤية أي شيء سوى الحقيقة.

الانحدار:

ونحن نتابع مجريات المسلسل، ندرك عبر المشاهد المتواصلة أن أسرة جيمي غاية في البساطة، في الحقيقة هي عادية للدرجة التي تجعلهم غير مرئيين في حدثٍ آخر غير هذه المصيبة، يجعلنا هذا الأمر نتساءل عن المصدر الذي جعل قاتلًا ينمو بداخل جيمي صاحب الثلاثة عشر عامًا، والذي نعرف فيما بعد أنه متفوق في المدرسة وأنه يحمل قدرًا من الذكاء.

هذا التساؤل لا يطرأ على المشاهدين فحسب، بل حتى والد ووالدة جيمي اللذان كانا يتحدثان عن حياة ابنهما قبل الحادثة، يقولان أن الفتى كان يأتي من المدرسة ويهرع صوب غرفته ليجلس أمام الحاسوب لعدة ساعات، كانا يعتقدان أنه هكذا بخير؛ لأن مفهوم الأمان لديهما يعني أن يكون معهم في المنزل، لكن المكوث شيء والحضور شيءٌ آخر، وأمام تلك الشاشة بالذات، بدأت العديد من الأفكار تجري في عقل جيمي الذي كان من المفترض أنه بأمان في البيت.

نكتشف بعد ذلك من عدة شخصيات في المسلسل أن جيمي كان عرضة للتنمر الإلكتروني من الفتاة التي قام بقتلها، وأنه كان يستمع لبعض النظريات التي تتحدث عن العزوبية القسرية، وهو مفهوم يعني عدم قدرة الذكر على إيجاد شريكه الأنثوي، وعدة أفكار أخرى تناقش هذه القضية، والغريب في الأمر أن هذا التنمر كان يستخدم بلغة “الإيموجيز” فقط دون كتابة أي حرف؛ مما يعني أن هؤلاء الأطفال قد بنوا عالمًا موازيًا بالفعل، عالم لا تستطيع العيون الناضجة العادية أن تلتقطه، لكنه موجود ويتسرب رويدًا رويدًا داخل عقول الأطفال.

الذروة:

بعد مرور سبعة شهور على فتح التحقيق مع جيمي، تتصاعد الأحداث في الحلقة الثالثة عندما نشاهد المعالجة النفسية “د. بريوني” تسأله عن مواضيع تحمل في مضمونها مفاهيم عن هويته الذكورية ورأي الفتيات فيه، نشعر كذلك أن جيمي لا يعرف كيف يتعامل مع الرفض ومع كيتي التي قتلها، والتي رفضته هي الأخرى. وبينما يتواصل الحديث بين جيمي والمعالجة، تتبادل أحاسيسه من العجز إلى البراءة ثم الرعب حين يصرخ فيها بألا تطلب منه الجلوس، وأنه لا يمكنها أن تتحكم فيه على الإطلاق.

وفي نهاية الحلقة، عندما قررت “د. بريوني” إنهاء الجلسة بسبب العصبية المفرطة لجيمي، نشاهده وهو يسألها بإلحاح إذا ما كانت معجبة به، في الحقيقة كان صراخه هو دلالة على الحاجة المفرطة للشعور بالحب، للشعور بأنه كافٍ بما يجب، حتى يستطيع أن يتجاوز إحباط والده منه لأنه لم يستطع أن يصبح لاعب كرة قدم، وكان يشيح بنظره بعيدًا عنه عندما يرتكب خطأ، بالظبط كما فعل ذلك اليوم عندما شاهد ذلك الفيديو لابنه وهو يعتدي على كيتي.

أكثر من مجرد دمية:

في الحلقة الرابعة الأخيرة، نرى حياة أسرة جيمي في عيد ميلاد الأب الخمسين، نشاهد لمحات من حياتهم التي تبدلت بعد جريمة جيمي، ونتعرف على الصعوبات التي تواجهها الأسرة في حياتهم اليومية من المجتمع؛ فالأخت تتعرض للمضايقة باستمرار في المدرسة، وسيارة الأب يتم تخريبها بين الفينة والأخرى.
وفي المشهد الأخير بالمسلسل، يصعد الأب إلى غرفة ابنه ويجلس في سريره، نشاهد عالم جيمي الذي يبدو طبيعيًا لفتىً في عمره، نشاهد الأب وهو يجهش في البكاء، في دموعٍ تترجم رغبته في أنه كان يجدر به أن يفعل المزيد من أجل فتاه، اكتشف الأب في تلك الأثناء أن تواجد ابنه في البيت لم يكن يعني أنه في أمان، تلك الدموع لم تكن حزنًا فقط على حياتهم التي تبدلت، أو على مستقبل ابنه الذي أصبح ضبابيًا؛ بل هي دموع تحكي شعوره بفشله كوالدٍ لجيمي؛ لذلك يأخذ دمية الدب ويغطيها في لحاف ابنه؛ فعل أبويّ لن يتمكن من القيام به مجددًا لجسد ابنه الذي رحل بعيدًا، الذي ابتلعته المنصات الرقمية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *