ماضغو الرصاص

صدر عن دار الريس الطبعة الأولى من المجموعة القصصية “ماضغو الرصاص” لأيمـن هاشم 2025م وهي المجموعة القصصية الحائزة على منحة المورد الثقافي، وهي كعمل أدبي يتجاوز حدود السرد التقليدي نحو بناء ملحمي يمزج بين التاريخ والأسطورة والكوابيس الجماعية. النصوص هنا ليست قصصاً بالمعنى البسيط، بل شظايا ذاكرة، وثقوب في الزمن، وأصوات مقهورة تتجاور مع الأرواح والجنّ والضحايا.

الكاتب يستحضر لحظات مأساوية من تاريخ السودان: حروب المهدية، الاستعمار، المجاعات، الانقلابات، المعتقلات، مجزرة عنبر جُودة، وحتى انتفاضات الشارع الحديث. لكنه لا يرويها ببرود المؤرخ، بل يعيد خلقها ككابوس جماعي يقطر دماً وعرقاً وصرخات مكتومة. الشخصيات في هذه النصوص ليست أبطالاً بقدر ما هي أشباح، أجساد محطمة، وأرواح تمضغها الأرض كما يمضغ الرصاص اللحم.

تتميز لغة السرد بأنها غنية بالصور الكثيفة والرموز: الأرض التي تبتلع أبناءها، الخرزة الحمراء، البيوت الممحوة، الجثث التي تنهض لتبحث عن آذانها، والأطفال الذين يتحولون إلى كلمات. النصوص تسير على الحد الفاصل بين الواقعية السحرية والتاريخ الدموي، في مزيج يجعل القارئ حائراً بين ما هو واقعة وما هو رؤيا.

ما يميز المجموعة هو قدرتها على ربط الماضي بالحاضر، بحيث يبدو التاريخ السوداني سلسلة من المآسي المتكررة: جوع، عطش، حرب، استبداد، ومحو. ومع ذلك، يظل في النصوص أثر مقاومة: أصوات الشعراء، الأمهات، المسحوقين الذين يحاولون عبر الحكاية إبقاء ذاكرتهم حيّة.

تجربة قراءة صادمة، عنيفة، ومؤلمة، لكنها في الوقت نفسه مدهشة من حيث البناء الجمالي واللغة الشعرية. إنها نصوص تفتح جرحاً، لكنها أيضاً تحاول أن تحفظ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة وطن تمضغه الحروب ولا يكفّ عن إنجاب الحكايات.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *