تسمّى الوَلَّادَة في أرياف السودان الشمالي والأوسط ب “المتوجّعة” أو المرأة التي ستنجب” . وفي الماضي كانت تستعمل الداية حبلاً من سعف النخيل لتوليدها، ومنها جاء اسمها “داية الحبل”. تربطه ملفوفاً بقماش إلى عامود عرش، وهو دعامة للبيوت في منتصف الغرفة وتتفرع في أعلاها إلى شعبتين. فعندما يأتي المخاض وتقف الوَلَّادَة برجلين منفرجتين، تمسك بالحبل وتعتمد عليه كلما اشتد عليها الوجع، تتشبث بالحبل وتثني ركبتيها وتضغط إلى أسفل حتى يسقط المولود فتتلقاه الداية وتقطع سرّته وحينها يحقّ للنفساء أن تضجع على فراشها.
ويبدأ الطقس بمجاراة النساء منشدات ذلك اللحن الدائري الرتيب لذلك النشيد الاجرائي المعروف والذي يمهد لمجيء كبير الملائكة جبريل لاتمام مهمة الولادة، تنشده النساء وهن يتحلقن حول الحامل بمزيج من الخوف والترقب وشيء من الطرب، يشددن معها حبل الولادة، يقطعن حبل الخلاص، يخرجن التبيعة في جو مثقل برائحة الفنيك والمحلب والمحريب ، ينشدن:
يا حلال الحاملا
من غلاما جاهلا
جبرين ناجا ربو جا
حلاها وما بدور جزا.
كما عرفت الداياتُ بمعرفتهن التقليدية حقائقَ ومعلومات عن المشيمة مثل قولهن “اللحمة بتشيل المَرَة” أي أنها إذا لم تخرج كاملةً بعد الولادة، ستسبِّب بقاياها نزفاً والتهاباً قد يصل إلى التسمّم أو الوفاة.
وانتشرت في السودان طريقةٌ أُخرى بين القبائل الرُحّل. إذ يحفرون حفرةً في الأرض تحت عمود الحبل، يوضَع فيها نشارةٌ تمتصّ السوائل، وقماشةُ “توب الزراق” تحسّباً لاستقبال إفرازات الولادة من دمٍ وماءٍ ثم تَلَقّي الطفل الوليد. تضع الوَلَّادَة حجراً يسمّى “بنبر” تحت مَقعدَتها. حين يشتدّ الطلق، تشدّ بيديها على الحبل وتكبس حوضها، بينما الداية جالسةٌ مقابلها لاستقبال الوليد وسط الحفرة. ومن بعض الاعتقادات الطريفة في أرياف السودان أنّ المرأة في أواخر سنوات خصوبتها تتعمّد الحمل لتجديد شبابها بتجربة الولادة واختبار شدّ الحبل، والخروج منها فتيّةً وواثقةً من شبابها.
حياة وعمل قابلة “داية” حبل في دارفور
أما في دارفور وبحسب مذكرات داية تقليدية (حياة وعمل قابلة “داية” حبل في دارفور) للكاتبة رامونا دينك التي ترجمها بدر الدين حامد الهاشمي فعندما يحين موعد وضع امرأة لحملها تأتي الداية إستجابة لنداء أفراد عائلتها ليأخذنها لبيت الحامل، ويأتي لذلك البيت عدد كبير من الأهل والجيران لشهود الحدث أو للتعبير عن التضامن والمساندة. عادة ما تكون هذه فرصة مواتية لتدريب النساء على تقاليدنا. في ثقافتنا لا تبدي المرأة الكثير من الجزع والصراخ عند المخاض، وتجاهد كي تبدو صبورة متماسكة. أقوم بتعليق حبل في سقف القطية حتى تجد المرأة شيئا تمسك به عندما تجثو على ركبتيها في أثناء عملية التوليد. يفضل الناس إستدعاء “قابلة حبل” تقليدية حتى في القري التي توجد بها قابلات مدربات، وذلك لأن القابلة العصرية المدربة تقوم بتوليد المرأة وهي مستلقية على ظهرها، وشاع بين النساء أن ذلك يترك حفرة (أو فراغا) في الظهر! من طرق عمل القابلة التقليدية المهمة هو أنها تقوم بتكرار المسح بيدها اليمنى ثم اليسرى (بالتتابع) على ظهر المرأة حتى تصل لعضوها التناسلي في المقدمة. يعتقد أن هذا المسح يعجل بإخراج الجنين من رحم أمه. عندما يظهر رأس المولود أقوم بفتح موضع ختان المرأة على الجانبين بالموس. بعد خروج الجنين تضم المرأة ساقيها وأضع بعضا من ملح الطعام على الموضع لأعجل ببرء الجرح. عادة ما تقوم القابلة المدربة بخياطة الجرح، وأول من تمسك بالمولود بعد الولادة هي الأم..
بعد الولادة يتقاطر كل الأهل والجيران على بيت المرأة لتهنئتها وزوجها بالمولود. تظل النفساء في البيت لا تغادره أربعين يوميا ولا تفعل شيئا غير الاستلقاء على السرير وإطعام مولودها، بينما يقوم على خدمة بيتها في أيام النفاس هذه بعضا من أقرائها. عند قيامي بتوليد واحدة من النساء أظل بجانبها لعدة أيام من أجل تقديم العون والنصح. نعتني بغذاء النفساء فنسقيها مديدة دخن ولبن به كثير من السكر. عند إكمال المولود الأسبوع الأول من حياته تقام وليمة يشهدها الأهل والجيران احتفالا بتسمية المولود.
طقوس الولادة عند المحس
أما في مناطق المحس فمن طقوس الولادة: فمثلاً تحليق البوم فى رأس المرأة الحامل يعتبرونه نذير شؤم لإعتقادهم بأنه يؤدى إلى إسقاط الجنين ولذا نجد أن المرأة الحامل تحافظ على نفسها من شر طائر البوم ولذلك يجب عليها أن تضع معدنا «إبرة – دبوس» في شعر رأسها ليكون حاجباً لها. وبعد الولادة تقوم القابلة بعمل طوق صغير من سيقان القمح المربوطة ببعضها بسعف أخضر ثم تضع على هذا الطوق قليلاً من حبوب الذرة وقطعة من قراصة القمح وسبع بلحات وبعض القرض والكحل والعطر ثم تذهب نحو النيل ومعها ثلاث من النساء ويلقين بهذا الطوق في النيل يخاطبن به الملائكة كهدية لهم.. ثم يقمن بضرب الماء بالعصا فى شكل صليب وهذا يعتبر من العادات المسيحية ، ترافق أم الطفل النساء في سيرهن نحو النيل وهنالك معتقدات تصاحب هذه العادة منها أنه تضرب الأم على الصحن النحاسي الموجود بجوارها بالمكحل حتى يصدر رنيناً ثم بعد ذلك ترضع طفلها..
وفى حالة تعسر الولادة يطلبون من الزوج الإبتعاد عن المنزل، وعند ظهور الهلال لأول مرة تخرج المرأة النفساء لمشاهدته وتنثر نحوه حبات القمح مع الدعوات الطيبة ثم تتخطى بخوراً يتكون من سبعة رؤوس من الشوك والقرض وورق البصل والملح تتخطاه سبع مرات وهي تحمل المولود وتسمى الحجرة التي بها النفساء بـ «مارين نوق» ومعناه بيت مريم وهذه أيضاً من العادات المسيحية وهي في اعتقادهم مكان طاهر تجاب فيه الدعوات وكانوا يعلقون أوراق العشر في سقف الحجرة إن كان المولود ذكراً و إذا كانت بنتاً يضعون ماء في صحن نحاس بداخله قطعة حديد ويوضع في صحن النحاس بصل وكحل ومرود وثوم وقرض وبعض الحبوب وذلك بوضعه بجوار المرأة وكذلك يضعون مصحف مربوط بمنديل نظيف بجوار سرير المولود الجديد .

طقس المشاهرة
يعرف الشهران الأخيران من فترة الحمل بفترة (المشاهرة)، وهي فترة مهمة في حياة المرأة. والمشاهرة اسم يدل على الطقس وعلى الفترة وعلى المرض الذي يصيب المرأة جراء خرق قواعد اللعبة. في أقصى شمال السودان وفي مصر، المشاهرة عقد يلبس حول الرقبة.
في المشاهرة تحاط الحامل بطقوس معقدة لتحميها وتحمي الجنين في بطنها من كل مخاطر الحياة المحتملة. لا تنتهي طقوس (المشاهرة) بالولادة بل تتعداها لتغطي فترة النفاس حتى (الأربعين) أي الأربعين يوماً الأولى بعد الولادة. تكرر ورود الرقم (40) كثيراً في الطقوس الإسلامية واليهودية والمسيحية والهندوسية وفي الممارسات الطبية الشعبية في السودان. على سبيل المثال فترة علاج الصرع في مسيد حسن ود حسونة، وفترة طقوس )الخشبة(، وفترات النفاس. في فترة الحداد التي تستمر أيضاً 40 يوماً، يعتقدون أن قبر الميت يظل خلال هذه الفترة مفتوحاً حتى تكتمل.
في طقس المشاهرة، يحاط سرير الحامل بعدد لا يستهان به من الأحجبة والتعاويذ والمواد السحرية، وخرق طقوس (المشاهرة) وعدم الالتزام بقواعدها يمكن أن يصيب المرأة الحامل أو النفساء بـ (الكبسة). بالتالي، أسباب (الكبسة) عديدة، فيمكن أن تصاب المرأة بها إذا زارتها امرأة متزينة بحلي من الذهب أو مرت في طريقها بجنازة أو شاهدت ميتاً. فعلى كل شخص زار ميتاً أن يطهر نفسه بالنظر في بئر أو يقوم بزيارة أشخاص آخرين لم يشاهدوا جنازة أو يزوروا ميتاً. لعلاج (الكبسة) أو (المشاهرة) التي تنتج عن زيارة امرأة متزينة بذهب، تلبس الحامل عقداً أو سواراً من الذهب، وإذا لم تتوفر هذه المصوغات يمكنها أن تكتفي بلباس شلن إنجليزي. مهما كانت أسباب (الكبسة)، تبحث النساء حولهن عن عظام حمار مات قبل عام على أقل تقدير، يلففن العظام بخرق لتشبه الجنازة ثم يدعون نساء الحي للعويل والبكاء على الجنازة ويسرن بها لمثواها الأخير ويدفنها في حوش المنزل ويرششنها بالماء وهن يولولن ويبكين قائلات: “يا ود أم كيشونة نحن نبكي عليك”. أيضاً، لمنع (المشاهرة) و(الكبسة)، تحفر نساء الدناقلة والشايقية والرباطاب حفرة تحت (عنقريب) كل امرأة حامل ويملأنها قمحاً وتمراً منعاً للكبسة.
طقس الأربعين
الطقوس التي تعقب (الولادة) تحوي في باطنها بعضاً من الممارسات القديمة التي ما تزال تعلق بها، التي ورثها السودانيون عبر الأجيال المتعاقبة وقد سقط بعضها بتقادم الأيام، فيما ظل بعضها حاضراً .
ومن الأمور المصاحبة لبرنامج الولادة يوم (السماية) وهو ليس قاصراً على السودانيين فحسب، بل أن دولاً عربية كثيرة اهتمت بـ(السبوع) وهو يوم تسمية المولود وكل تحتفي بطريقتها الخاصة، وعن ذلك قالت الحاجة “زينب الهميم” إن الولادة تحديداً تتبعها كثير من المتلازمات التي لا استغناء عنها، وترى أن بعضها قد اختفى لأنه وحسب رأيها (أن بنات اليومين ديل ما بسمعن الكلام)، حكت كيف كانت تُعامل (النفساء) في الحقب الفائتة، وكيف كانت تُضرب عليها العزلة أسوة بالمحبوسة (الأرملة).
تطير ومحاذير
ومضت الحاجة “زينب” بقولها: تشابهت بعض الممارسات، فكانت توضع في مكان ساتر (الكجرة)، وهي عبارة عن قماش أشبه بالناموسية تحتجز داخله مدة أربعين يوماً حسوما، هي حد الحبس الإجباري خاصة في وجود ضيوف أو لحظة الرضاعة والأكل، فضلاً عن منعها كشف رأسها إذا خرجت في الهواء كي لا يتغلغل داخلها، إذ ربما كان مصحوباً بالشيطان على اعتبار أن مساماتها مفتوحة طيلة الأربعين مع ضرورة وجود (مصحف) في الغرفة أو قبالة رأسها، وبعضهن يضعن خاتم جنيه على أصابعهن حتى وأن اضطررن لاستعارته من الغير، كما أنه يمنع منعاً باتاً دخول شخص شاهد (جنازة)، وكل ذلك من باب (التطير)، واستدركت الحاجة “زينب” (هسي جزء كبير من الحاجات دي إنتهى، والنفاس ذاتو فقد قيمتو وهيبتو والبنات بقن يجقلبن ويحومن البيت كلو والرأس مكشوف والصوت عالي، مش كده كمان واحدات بقن يطلعن بره البيت قبل الأربعين).
وما بين اليوم الأول لـ(النفساء) واليوم الأربعين تتكدس المساحة بكثير من الممنوعات والتوجيهات، أما اليوم الختامي وهو الأربعيني فتعد له العدة باكراً، ليس أربعين (النفساء) فحسب إنما هناك أربعين البكاء وهو لا يقل حفاوة وإعدادا عن سابقه، ويشهد الاثنان تجمعاً للأهل والجيران باعتباره مناسبة إجتماعية غض النظر إن كانت سارة أو حزينة، وللوقوف على هذا الطقس بدأياته ومسيرته وكيفيته وأختلافه بين القبائل قالت الأستاذة “آيات مبارك” الباحثة في مجال الفلكلور: تعود الممارسات التي تتم بـ(فترة الأربعين) إلى بعض الشعائر الإسلامية باختلاطها مع الديانات الأخرى والفرعونية القديمة، وأخرى ترجع للطب الشعبي أو الجانب العلمي، مثلاً بعض القبائل تشرب (البربور) وهو ماء التمر المغلي ويخلط بالسمن واللبن (مديدة البلح)، وشرب حساء الحمام والدجاج وكل الطيبات التي تساعد على تقوية الجسم وتعويض الدم المفقود. و(الحلبة) تساعد على إيقاف الآلام التي تصاحب المخاض. كما أنها تحظى بعناية نساء كبيرات السن نسبة لضعفها وأيضاً لنقل الخبرات، والملاحظ هنا إختلاط بعض الشعائر مثل الآذان ووضع المصحف وهي دينية إسلامية، إلى جانب الطقوس التي تتصل بالسحر كالمعادن والنباتات والمصحف والسيف، صوت العنج، وتميمة يلبسها الوليد والمرواد وصحن النحاس، ويقال إنها تحرس من البوم ومن تبديل الجن. كما الحراسات تجعل جرح الأم يشفى في اليوم الأربعين، إذ يعتقد المجتمع أن لها وجوداً وقوة سحرية تطرد الأرواح والأشياء التي توضع بجوارها، وذلك لتأمين صحتها النفسية وحماية لطفلها.
العودة إلى دورة الحياة
وبعد الأربعين تقام وليمة عبارة عن (رز بلبن) (إعلاناً عن مباشرتها حياتها الطبيعية. أما في غرب السودان، فيجب أن يكون البيت في حالة إضاءة، وبعد الخروج من الأربعين تذهب (النفساء) لتغتسل في موضع ماء (خور أو غيره) وتحمل معها كمية من موقد النار (رماد) تنثره في الماء، وبعد الأربعين يتم غسلها بأربعين فنجان من النوع (أبونجمة).. أو تذهب إلى البحر وتدعو لأبنها (يا بركة البحر الجاري.. يا الفيك بنات الحواري.. تصلح حالك وترفع شانك).
الأصول القديمة لطقوس الولادة
طقوس الميلاد والحماية بحسب دراسة أجراها سيد حامد حريز في 1966م، عن طقوس العبور في وسط السودان، ورد فيها عن طقس الولادة أن الطفل حديث الولادة يحميه مجتمعه من كل ما يمكن أن يسبب له الضرر متوسلاً على ذلك بكل الإرث الديني المتراوح بين الوثني والمسيحي والإسلامي، يتمثل ذلك في قرع الجرس في أذن الطفل اليسرى ثم الأذان في اليمنى، ووضع المصحف بجانبه وكذلك الفضة التي يعتقد في قدرتها الخفية على حماية الطفل من الضرر والعين الشريرة.
طقوس اليوم هي بقايا الأمس
كذلك يكتب عبد الله الطيب في دراساته عن نفس الموضوع المنشور في مجلة السودان في رسائل ومدونات، يكتب ما ترجمته … في اليوم الثاني للولادة ترسم علامة الصليب على جبين الطفل وعلى راحتيه. وهنا يقرر عبد الله الطيب بأنها بقايا بلا شك من أثر المسيحية في السودان ويجتمع معها الأثر الإسلامي متمثلاً في الآذان ووضع المصحف بجانب الطفل.
طقوس الولادة عند البني عامر
كل ما استعرضناه آنفاً عن طقس الميلاد. تؤيده دراسة أخرى عن طقوس العبور في قبيلة البني عامر التي أعدها إبراهيم صلاح الدين إبراهيم آدم أتى فيها بنفس الممارسات. وقبيلة البني عامر قبيلة من قبائل شرق السودان بينما كتب سيد حريز وعبد الله الطيب عن وسط السودان. وقد يبرز تشابه كبير في الدراسة التي أعدها إبراهيم صلاح من وجود الأثر الوثني ثم المسيحي والإسلامي. بل أضاف أن البني عامر يستخدمون أيضاً رمز علامة الخلود الفرعونية زيادة في حماية مولودهم. وبحسب ما كتبه إبراهيم صلاح يستخدم البنو عامر علامة الخلود ويقرعون الجرس في طقوس الولادة وهذا رافد نصراني مسيحي… ولكن تختلف الممارسات في تفاصيلها فهناك من يعلق الجرس على بوابة المكان دون قرعه وهناك من يقوم بقرع الجرس… وذلك اعتقاداً بأن الجرس يدرأ العين الشريرة… فنجد البني عامر يعلقون الجرس دون إصدار صوت منه ولكن في وسط السودان يقومون بقرع الجرس على نحو ما ذكره سيد حريز في دراسته..
أما عن طقوس ما بعد الولادة عند البني عامر، من عادات قبائل البنى عامر عند الولادة أن تُزَغْرِد النساء سبع مرات إذا كان المولود ذكرًا، أما إذا كانت أنثى فلا تُزَغْرَد لها، ويُلبَس المولود أدوات زينة من الفضة عند المفاصل والعنق (يُعتقد أن الفضة معدن نبيل يقي من الجنون والأرواح الشريرة). وبعد أسبوع من ولادة المولود يُلقى له حجاب (السبوع) به آيات من القرآن الكريم، ويُعلَّق به أيضًا مادة خشبية قوية مُكسَّاة بالجلد، بداخلها مادة مطهرة ذات رائحة زكية تتكون من نبتتي (النقيع) والمحلب؛ والغرض منها أن يعضها المولود لتقوية لثته وأسنانه.
تُزيَّن المولودة بالخرز (السكسك) و(الديبيريت)، وبعد أن يرضع المولود أول رضعةٍ له، يُسقى مادةً شديدة المرارة مُستخلصة من نبات (جابر) لمساعدته على الهضم.
كان يُثَقَّب أُذُنَا الذكر سابقًا ويُلبَس حلقةً من الذهب بوزن شعره المحلوق، أما الأنثى فتُنْضَد لها عقدٌ من حجارة كريمة تُسمى (سوميت). أما الأم (النفساء) فتُدهَن ويُمشَّط شعرها، ويُكثَر لها من اللبن والسمن (والمديدة) والحساء تحت إشراف والدتها. وإن كانت النفساء لا تُرضع، تحل محلها الأخت أو إحدى قريباتها.
طقوس الحماية في فترة ما بعد الولادة مباشرةً (الحِرس)، فإن الأواني التي تستخدمها النفساء لا يستخدمها أو يمسها شخص آخر. هناك بعض الأصوات التي يتشاءمون منها في الأيام السبعة الأولى، مثل صوت الحمير والبوم، فإذا حدث هذا تقوم أم النفساء بأخذ عصا وتضرب بها جوانب البيت سبع ضربات. وفي الوقت نفسه، يتفاءلون ببعض الأصوات مثل صوت الديك. وفي بعض الأحيان، ترمي أم النفساء شيئًا من الجلد أو القماش كنوع من الحماية أو التفاؤل للمولود الجديد.
كان يُكوى المواليد سابقًا في صدورهم بعد أسبوع أو شهر من الولادة لمداواة السعال، اعتقادًا بأن المولود سيكون شجاعًا.
تسمية المولود:
تُتم تسمية المولود بمشاركة جماعية من أهل القرية. أول ما يُعمَل له هو حلاقة شعره بالموس (العقيقة) وهي سُنّة، وذلك بواسطة أحد الأطفال شريطة أن يكون والداه على قيد الحياة. فإن لم يستطع الطفل الحلاقة خوفًا أو اضطرابًا، يُوضَع الموس على رأس المولود ويُكمِل الحلاقة شخص موثوق بدينه ونقاء سريرته. ولا يُهمَل الشعر المحلوق، بل يُوضَع في قطعة جلد بها سعفة وعود (شنكي باي) ويُعلَّق على الخيمة أو البيت، مع نصب العصا إلى أعلى إذا كان المولود ذكرًا، أما للأنثى فيُكتفى بتعليق الشعر فقط.
أما إن لم يكن للأب أو الأم اسم معين: تُؤخَذ سبع أوراق من نبات العشر، ويُكتَب على كل منها اسم مختلف. ثم يُنادى على صبيٍ (يشترط أن يكون والداه أحياء) ليختار ورقةً منها، بينما الأطفال مجتمعون وأيديهم متشابكة. يُعطَون لبناً وماءً وذرةً وقشًا، ويُرَشُّونها على النار. وبعد اختيار الصبي للاسم، يجرى الأطفال في اتجاهات مختلفة مُعلِنين الاسم قائلين: (مثلًا إذا كان الاسم محمد يقولون: “محمد لَعَبيب” أي محمد كبر، أما للأنثى فيقولون مثلًا: “فاطمة تَعَبي” أي فاطمة كبرت). و تُذبَح ذبيحتان؛ إحداهما للتسمية والأخرى صدقة. يُذبَح خروف التسمية في حفرةٍ، وتُجمع كل مخلفاته وعظامه فيها ثم تُغطَّى. ويُوزَّع لحم خروف التسمية على النساء ويُطهَى منفصلًا، مع منع إلقاء أي عظمة منه خارج الحفرة حتى لا تأكلها الكلاب، اعتقادًا بأن حفظ العظام يحفظ سلامة المولود. لذا يُقدَّم خروف التسمية للنساء لحرصهن على العادات أكثر من الرجال.
الأنفاي واك عند في الصحراء الشرقية
أما عند العبابدة والبشاريين فهم يشعلون النار لمدة أربعين يوماً، وبعد الولادة تخرج القابلة المشيمة والقماش الملوث بالدم ويمشين مسافة حتى يجدن شجرة أو نبات في الصحراء فيلقين بها، أما بخصوص الحبل السري فيدفن بجوار المسجد أو ترمى في البحر إذا كان المولود ذكر ، وإذا كان أنثى فتدفن خلف البيت لتدل على الإستقرار، وقطع سرة الوليد يسمى (أنفاي واك) ويؤذن للطفل في أذنه اليمنى وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى، وطقس الأنفاي واك يتبعه ان يهب الأب ناقة من إبله للمولود.
طقس السبوع عند النوبة الشماليين
وعند النوبة يصبح طقس السبوع للمولود وكأنه مزيج إسلامي مسيحي فرعوني فيضم هذا الاحتفال مزيجًا من المعتقدات النوبية والإسلامية والمسيحية والمصرية القديمة في الوقت نفسه، وفي هذا الاحتفال تسير الجدة وهي تحمل المولود الجديد إلى شاطئ النيل، ويسير وراءها باقي الأسرة والأقرباء والأطفال أيضًا من العائلة، بينما تحمل النساء وعاء كبيرًا يحتوي على العصيدة، وهي وجبة نوبية تُصنع من القمح والدقيق والسكر، وتلك عادة نوبية في السبوع من وقت بعيد، وبعد الوصول لشاطئ النيل يأتي دور واحدة من سيدات الأسرة لترمي سبع كتل من العصيدة في نهر النيل، بغرض إطعام الملائكة والحصول على بركتهم، وهي عادة نوبية تعود أصولها إلى مصر القديمة، وبعد رمي اللقيمات السبعة، يأتي دور الجدة في الاقتراب من شاطئ النيل لغسل وجه الطفل بمياه النيل، مثلما يفعل المسيحيون في طقوس تعميد الطفل حديث الولادة، حينما يغطسونه في حوض مليء بالمياه داخل الكنيسة، وتلك العادة لدى النوبيين قبل دخول الإسلام إلى النوبة، ولم يستطيعوا التخلص منها بعد كل تلك السنوات، فمزجوها بالمعتقدات الإسلامية، والجدة تردد «الحمد لله رب العالمين» وهي تعمد الطفل في النيل

بعد ذلك تُمنح العصيدة للأطفال حتى يتناولوها، بينما يشعل رجال الأسرة النار في مركب صغير من الخشب، ويجعلونه يبحر في النيل وهو مشتعل بالنيران، وكلما استمرت الشعلة في الاحتراق تفاءلت الأسرة بمستقبل الطفل، وتعود أصول عادة المركب الخشبي المحروق إلى الثقافة النوبية، ومن الصعب تتبع أصلها ومعرفة إذا كانت تخص مصر القديمة أم المسيحية،
وفي مساء يوم السبوع يقيم اهل المولود بعمل العقيقة وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع، وهي سنة مؤكدة في الإسلام ،وتكون شكراً لله على المولود، ذكَراً كان أو أنثى وقد كانت العقيقة معروفة عند العرب في الجاهلية
https://www.facebook.com/watch/?v=446781439713780(1) فيديو | Facebook
اترك تعليقاً