في الجزء الثاني من مقاله (في ذكرى السلطان دينق مجوك، زعامة المجد والمأساة) للكاتب أتيم سايمون يقدم قراءة حول ما كتبه الدكتور فرانسيس دينق عن الفترة التاريخية لحكم والده السلطان دينق مجول (زعامة المجد والمأساة).
قدم الدكتور(فرانسيس) إستعراضاً مُفصلاً، بحسب شهادات الحضور، الذين شاركوا في مسالة تولى (دينق مجوك) لزعامة القبيلة، والطريقة التي حُسم فيها الصراع لصالحه، بحُكم مقدراته القيادية، التي أبرزها في سني حياته الباكرة. إلى جانب بقية العوامل الأخرى، التي ساهمت في وصوله للسلطة، بتلك الطريقة. إلّا أنّ الدكتور (لوكا بيونق دينق كوال أروب)، يرى أن ضياع فرص (دينق أبوت)، وعدم حصوله على الزعامة، كانت بسبب عدم رغبته في التحالف مع المسيرية، وبدلاً عن ذلك، قام أحد أبناء الزعيم (كوال أروب)، وهو (دينق مجوك)، بتدبير انقلاب سياسي على والده في العام(1942م) بمُساعدة (الإدارة الإنجليزية) المدعومة من ناظر المسيرية (بابو نمر)، وترقيته لناظر عموم(دينكا نقوك).
ويعتبر(بيونق) أن موقف(دينق مجوك) الداعم للشمال، هو الذي عزز من صعوده السياسي على حساب اخيه المعارض للشمال (دينق أبوت).(Francis deng,luka boing, Daniel jok,2020:24)، أمّا (فرانسيس دينق) فيرى أنّ ما قام به (دينق مجوك)، لا يخرج عن كونه مؤامرة ضد والده الزعيم (كوال أروب)، من أجل تولي الزعامة، معتبراً (إن نجاح “دينق مجوك” في التآمر على والده، وإجباره على التقاعد، يجب أن يعتبر دليلاً على طموحه الكبير، وقوة شخصيته، وإدارته الممتازة كزعيم بمعايير جديدة للقيادة، والتي يتطلبها العالم الحديث، وليس انعكاسا لمقدرات “كوال أروب” كقآئدٍ لشعبه).(دينق 2004م:131).
مُبيناً أنّ من كانوا يُفضلون “دينق مجوك”، كانوا يرون فيه الأكثر قدرة بين الأخوين.
كانت أكثر المسائل إثارة للجدل في حياة السلطان (دينق مجوك)، هي الجوانب المتعلقة بالقضايا السياسية والدبلوماسية، وما اتخذه من قرارات حيال مصير ومستقبل شعبه خاصة خلال الفترة التي قرر فيها الإنجليز مغادرة السودان، والدعوة التي قدموها لزعيم (دينكا نقوك)، للانضمام لمُديرية (بحر الغزال) في جنوب السودان، والتي كانوا قد نقلوهم منها في العام(1905م). فبعد أن بدأت بعض المجموعات التي كان قد تم نقلها إلى كردفان بالعودة في العام(1936م)، ومنهم بالتحديد قبيلة (تويج)، ومجموعة (الدينكا رووينق)، وافق الإنجليز على ذلك الانفصال، بحُجة أنّ المنطقة كانت أكبر من أن تُدار بواسطة زعيم واحد، لذلك دفعت الإدارة البريطانية ببعض الزعماء الجنوبيين لإقناع (كوال أروب)، والد السلطان (دينق مجوك)، الذي فضل البقاء في الشمال للالتحاق بهم. إلّا أنّه رفض الإنضمام للجنوب، وقال للزعيم “قير ثيك”:
( يا ابن أبي، ما قلته لي لم يكن جديداً، العربي لص، برغم وجودي بينهم أعرف إنّه لص، وإذا ما انسحبت منه سوف يُحطم ممتلكاتي، وحتى الأرض التي هي ملكي، ربما يدعي بأنّها أرضه). (دينق 2004،256)
إن الأسباب التي دفع بها (كوال أروب) في حُجته للإبقاء على منطقة (أبيي) داخل حدود مُديرية كردفان، كانت استراتيجية قائمة في تقديراته على الحفاظ على المصلحة الإستراتيجية لشعبه، خاصة في الجانب المتعلق بالأرض، لكن الحقيقة الأخرى هي أنّه اختار ذلك القرار، من أجل تعزيز مكانته وسُلطته كناظر عموم لـ(دينكا نقوك)، وبعد اتخاذه لقرار البقاء في كردفان، عانى (كوال أروب) من العُزلة السياسية، بعد عودة مجموعات الدينكا الأخرى لجنوب السودان، ووهنت سُلطته بدرجة كبيرة.(Francisdeng, lukaboing,Daniel jok,2020:24)
استمر الابن (دينق مجوك) في ذات الخطوات التي اتخذها والده السلطان (كوال أروب) في ترسيخ وضع (أبيي) في كردفان، حيث إعتبر نفسه بمثابة الإبرة والخيط لرتق جزئي السودان، بالإضافة لتحقيق طموحاته الشخصية مع حلفآئه من الشمال.
وفي عام(1951م)، أعطت الحكومة (دينكا نقوك) مرة أُخرى خيار الإنضمام إلى مديرية(بحر الغزال)، أو مديرية(أعالي النيل)، وقال البريطانيون إنّهم يقدمون ذلك البديل، لأنّ الـ(نقوك) يختلفون عرقياً وثقافياً عن الغالبية العُظمى من السُكان، الذين يشاركونهم المركز والمُديرية، ورأوا أنّه من الأجدى للـ(نقوك)، أن ينضموا لأقربآئهم في الجنوب).(دينق، 2001:260). وذهب إليه بعض الزُعمآء من مجتمعات الدينكا المجاورة، لإقناعه بالموافقة على العودة إلى بحر الغزال.
عقد (دينق مجوك) بعض المشاورات مع العرب، وغادر في جولة إلى عدة مناطق في إقليم بحر الغزال، وعندما عاد إلى (أبيي)، أعلن عن رفضه الإنضمام إلى الجنوب، وذلك بحجة أنّهم إذا انضموا للجنوب، فإنّ قبآئل السود سيتم غزوها، وستتضآءل إلى كيان أصغر، ويوماً ما ستحل الكارثة بهذا البلد(دينق2004م،250).
حاول (دينق مجوك) الحفاظ على إستقلاليته داخل مديرية كردفان كزعيم لدينكا نقوك، حيث رفض ابتداء أن تكون محكمته تابعة للدائرة القضائية الخاصة بالمسيرية بقيادة (بابو نمر)، وصارت له محكمته الخاصة التي تذهب استئنافاتها لمفتش المركز مباشرة. وكان يُصر دآئماً على وضعيته الخاصة تلك، ففي أي وقت كان يشعر فيه بالإختراق، كان يلفت انتباه المسئولين إلى حقيقة أنّه لا يُعتبر عرقياً ولا ثقافياً جزءً من إدارة كردفان، وكان يقوم بلفت نظر الإدارة إلّا أنّه لا يجب أن يُعامل باعتباره من نفس المجموعة الثقافية مثل القبآئل الأخرى، وألّا يكون مطلوباً منه الإلتزام بثقافة الآخرين.
لقد كان حازماً في مثل تلك الإمور، ولا يتنازل عن جوهر الهوية الثقافية للدينكا، ولا قيمهم.
ومع بداية اندلاع الحرب الأهلية الأولى في السودان(1955م-1972م)، بدأت نظرة السلطان (دينق مجوك) للأشياء تتغير بشكل تدريجي، حتى صارت عدائية تجاه جيرانه الشماليين. وبرزت في هذا السياق هويته كجنوبي، وهي الفترة التي يطلق عليها(إدوارد لينو) في كتابه الأخير عن(دينكا نقوك والمسيرية)، بفترة العودة إلى الذات(LINO.2020:27).
فعندما اشتدت الحرب، بدأ أبناء (دينكا نقوك) في الالتحاق بحركة (الأنيانيا)، واحتلوا فيها مواقعاً قيادية مُتقدمة، ومع تسارع وتيرة الحرب بدأت الإحتكاكات بين المسيرية والدينكا، حتى وصلت ذروتها في أحداث (نغول 1965م)، حيث اندلعت الحرب في أرض نقوك الذين ثاروا لمقتل أحد شباب الدينكا بصورة مُهينة، ونتيجة لذلك عانى الدينكا من الموت في مناطق بابنوسة والميرم بطريقة بشعة.
وفي إحدى مؤتمرات الصُلح التي أقيمت في المنطقة، بحضور وزير العدل الذي حكم على الدينكا بالتحرك جنوباً إلى منطقة كير، رد عليه دينق مجوك بغضب، قآئلاً:
( إذا حدث صراع بين صاحب الأرض والضيف، فمن عليه أن يغادر المكان، صاحب الأرض أم الضيف؟)
وقد أنهى سؤال (دينق مجوك) البليغ هذا الموضوع، فنقوك هم أصحاب الأرض بلا شك، وعرب المسيرية يرعون فيها.
ظل قرار الإبقاء على أبيي ضمن حدود مديرية كردفان يمثل واحدة من أوجه النقد الرئيسية الموجهة للسلطان (دينق مجوك)، وقد اعتبر عدد من الكتاب والمثقفين الجنوبيين أن (فرانسيس دينق) كان ميّالاً للاحتفاء بتلك الحجج التي كان يسوقها جده ووالده في علاقتهما مع المسيرية، كقيادات وزعماء لدينكا نقوك، وتحديداً في إشاراته المتكررة إلى أنّ الأدوار التي لعبوها قد ساهمت في تجسير العلاقات بين الشمال والجنوب. وفي أحايين كثيرة بين العالمين العربي والأفريقي.
ويرى (بونا ملوال) أن الزعيم (أروب بيونق) من وجهة نظره، قد تصرف بذكاء بالغ، فبدلاً من إذكاء الحرب بين الدينكا والمسيرية، خاصة إنّ مسالة توغلهم في أراضيه لا مهرب منها، فإنّه فضل أن يكون في حدود إدارية واحدة مع المسيرية(MALWAL,2017:4)، والنظر إلى تلك المواقف التي تم إتّخاذها في الماضي على ضوء المواقف السياسية والتطورات الحالية، يتطلب تبيان السياقات والمُعطيات التي قادت إلى ذلك، ولكل جيل طريقته في التعامل مع المشكلات، لكن العديد من القادة السياسيين يلقون باللوم على القيادة التقليدية لمنطقة(أبيي)، متناسين القرارات التي سبق وأن اتخذها الساسة والإدارات الأهلية من جنوب السودان في مؤتمر(1947م)، حينما قرروا الوحدة مع الشمال. فقرار القيادات الأهلية لـ(دينكا نقوك)، كان مبرراً أكثر من الذين قرروا الوحدة مع الشمال، ذلك لأنّ قيادات(نقوك) التقليديين، كانوا يتخوفون من فقدان أراضيهم، وتعرض شعبهم لأعمال عدائية، إذا ما قرروا الالتحاق بالجنوب وقتها.
وتأسيساً على تلك العلاقة التي نشأت بين السلطان (كوال أروب)، وابنه (دينق مجوك)، مع أسرة ناظر المسيرية الحمر(نمر على الجلة)، وضع الدكتور(فرانسيس دينق) أطروحاته الأكاديمية في بحوثه ودراساته المتعلقة بقضايا الهوية، والوحدة، والتكامل القومي، ونزاعاتها المستمرة في السودان.
يقول (فضيلي جماع) في مقال له عن كتاب (رجل يدعى دينق مجوك): ( يأخذ المؤلف فكرة عن أبيه “دينق مجوك”، حين يقدم لنا قبيلة “نقوك” على أنّها القنطرة التي تربط بين ثنائيتي الشمال و الجنوب في السودان، فهم قبيلة نيلية من الجنوب السوداني، إلّا أنّ زعمائها الذين تؤول اليهم السلطة عن طريق التوارث “الحراب المقدسة”، أقاموا ولعدة قرون علاقات دبلوماسية مع زعماء القبائل العربية في الشمال وتعاونوا معهم لتأكيد السلام والأمن في حدودهم القبلية شديدة الحساسية. ويؤكد المؤلف ما أثبته الرواة والوثائق من أن السلطان “دينق مجوك”، لعب الدور الأكبر في تأكيد هذا التعايش السلمي). (جماع، 2020م:109).
وقد صدرت معظم أعمال(فرانسيس دينق) خلال تلك الفترة التي أعقبت مأساة رحيل والده السلطان (دينق مجوك)، وبداية تراجع العلاقات بين مجموعتي الدينكا والمسيرية، والتي تزامنت مع إشتداد أوار الحرب الأهلية التي شارك فيها ابنآء(دينكا نقوك)، وفي مقدمتهم ابنآء(دينق مجوك)، مما جعل كتابات(فرانسيس) عن علاقات التواصل والتعايش السلمي بين الدينكا والمسيرية محصورة في التاريخ الشخصي لأولئك القادة و الزعمآء دون سواهم، وحتى أطروحة الوحدة و التكامل التي قدمها على ضوء تلك العلآئق تعرضت لاهتزازات كبيرة جداً بسبب الأبعاد السياسية التي اكتسبها النزاع ما بين(دينكا نقوك) و(عرب المسيرية)، والذي أصبح جزءً من الأزمة السياسية بين الشمال والجنوب في الفترات اللاحقة.
وقد بدأ واضحاً إن حالة التقارب التاريخي بين الأُسر الزعامية في (دينكا نقوك) و(المسيرية الحمر)، لم تكن لتسري على بقية مكونات مجتمعات المنطقتين، بنآءً على التغيرات الكبيرة التي حدثت على صعيد السياسة، والتطور الإجتماعي الكبير الذي أحدثه التعليم الحديث، تحديدا في مجتمع (دينكا نقوك).
في جميع كتاباته عن (الدينكا) و(المسيرية) دأب (فرانسيس دينق) على إفراد مساحة مُقدرة للدور الذي لعبته عائلته من أجل تعزيز السلام والإستقرار في المنطقة، منذ أيام الجد الأكبر (أروب بيونق). ففي كتابه الأخير عن ذكرى السلطان (دينق مجوك)، خصص جزءً كبيراً منه بعنوان (جسر للتواصل بين الشمال والجنوب)، وفي كتابه (دينامية الهوية أسس للتكامل الوطني في السودان)، أفرد الفصل الرابع الذي حمل عنوان (علاقات الدينكا نقوك والمسيرية الحمر، تجربة في التوافق وصراع المصالح)، لمُناقشة العلاقة التي تجمع بين المجموعتين المتجاورتين منذ الفترات التي سبقت الاستعمار البريطاني، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الإستقلال، وخروج المستعمر. وفي القسم الرابع من كتاب (صراع الرؤي، نزاع الهويات في السودان)، والذي جاء تحت عنوان (شمال جنوب عالم مصغر)، تحدث الدكتور (فرانسيس دينق) عن (زعامة الخيط والابرة)، وعن الدور الكبير الذي لعبه كلاً من الزعيم (كوال أروب)، وابنه الناظر (دينق مجوك) في ترسيخ وضع أبيي في كردفان، وجعلها رمزاً للوحدة الوطنية، مُعتبراً أن منطقة(نقوك)، قد أصبحت مثالاً مصغراً للسودان، بنفس القدر الذي يعتبر به السودان مثالاً مُصغراً لأفريقيا.
أما في كتاب (رجل يدعى دينق مجوك، سيرة زعيم ومجدد)، والذي خصصه الدكتور (فرانسيس دينق) لتوثيق السيرة الذاتية لوالده، فنجد أنه قد ناقش في الجزء الرابع الذي حمل عنوان(الدبلوماسية)، الدور الذي لعبه السلطان دينق مجوك في (ربط الشمال والجنوب)، والحفاظ على التوازن ما بين الجنوب الأفريقي والشمال العربي. ويعزي فرانسيس دينق السلام الذي كانت تنعم به هذه المنطقة الحدودية الصعبة إلى علاقات دينق مجوك النزيهة مع الطرفين (دينق2004م:247). وفي الكتاب الذي وضعه الدكتور (فرانسيس دينق) لتوثيق سيرة زعيم المسيرية الحمر الناظر (بأبو نمر على الجلة)، فقد أفرد فرانسيس الجزء الثالث من الكتاب، والذي حمل عنوان (دينق مجوك.. الجار الصديق)، لشهادة الصديق الشخصي والحليف الرئيسي لوالده عن شخصية الناظر دينق مجوك، وطبيعة الخصوصية التي امتازت بها العلاقة بينهما (دينق 2019م:79).
لقد حاول فرانسيس دينق تعزيز تصوراته بناء على تلك العلاقات التاريخية كحقائق برزت خلال فترة حياة أولئك الزعماء التقليديين، ولم تتجاوزهم إلى مجتمعاتهم الكبيرة في السودان وجنوب السودان، مثلما أن التجربة لم تمتد إلى الفترات التي أعقبت غيابهم، والذي ترتبت عليه العديد من الماسي بعد فترات المجد في أجياله الأربعة بين الدينكا والمسيرية تقريبا. والأدهى في الأمر هو أن النظرية التي حاول الدكتور (فرانسيس) أن يضعها في تحليل وتفسير العلاقة بين الدينكا والمسيرية، والتي برزت في سياقها مصطلحات مثل (التعايش السلمي)، كان ينظر إليها كما لو أنّها تمثل عبارة خاصة بالدينكا دون سواهم، وتم توظيفها لاحقاً بوعي سياسي كسردية تعني التسليم بالواقع، في مقابل عدم مناقشة القضية الرئيسية المتعلقة بوضعية شعب (نقوك)، وملكية الأرض التي يقصدها المسيرية لرعي قطعانهم بشكل موسمي في فصل الجفاف. كون الشعوب تتعايش دآئماً على أراضيها، مثلما أن خصوصية أي شعب تحدد بانتمائه للأرض كوجود سابق للجغرافيا التي تأتي لاحقاً.
ختاماً: اتسمت كتابة (الدكتور فرانسيس دينق) عن والده السلطان دينق مجوك، بقدر كبير من الإلتزام العلمي والمنهجي كما أسلفنا، فهو لم يهتم فقط بالكتابة عن الجوانب الإيجابية والمُشرقة، وتعداد الإنجازات التي حققها خلال فترة حياته وأثنآء توليه السلطة المركزية للقبيلة وكممثل للسلطات الرسمية، وفقاً للنظام الذي اتبعه الإنجليز. حيث تطرق بالتفصيل للشبهات التي تحوم حوله، والمشكلات التي ظل يعاني منها بسببه والنقد الموجه له في طريقة إدارة شئون القبيلة والأسرة. كما أحاط بالجوانب الخاصة بالتحديثات التي أدخلها على المنطقة، وتحويل أبيي إلى مركز حضري ينعم بالخدمات الحكومية الحديثة في مجال الصحة والتعليم والإقتصاد. والذي يتابع كتابات فرانسيس دينق يعرف كيف أنّها ظلت ملتزمة بالموضوعية والطابع الدبلوماسي. وفي إعتقادي لو أن شخصا آخر هو الذي قام بإعداد ذات المادة، لتعرض لهجوم كبير في مجتمع يكاد يقدس شخصيات الزُعمآء والقيادات الإجتماعية والروحية، بدرجة تفوق التصور، وقد استطاع(فرانسيس دينق) أيضاً في الكتابة عن والده، أن يضع حداً فاصلاً للسيرة الرسمية والسيرة الشعبية المتداولة عنه شفاهياً، باعتماد دآئرة كبيرة من الشهادات التي ضمت مفتشين إنجليز أيّام الإستعمار الأولى، وشهادات أُخرى لخصوم (دينق مجوك) من أهله(نقوك)، وشهادات معاصريه من زعمآء جيرانه وشركآئه في المرعى من قبيلة المسيرية، وعلى راسهم زعيم المسيرية الشهير( بابو نمر)، والمربي الكبير (التجاني محمد زين)، وغيرهما.(جماع2020:111).
مثلما أنّ تلك السيرة التي كتبها (فرانسيس) عن والده السلطان (دينق مجوك) كانت ستكون أكثر دقة لو أنّها إحتوت على شهادات شخصية من (دينق مجوك) نفسه، وخاصة آرائه في القضايا الجدلية والتاريخية باستخدام عباراته وقرآءاته هو نفسه، كما حدث مع الناظر (بابو نمر) الذي أجرى معه الكاتب مقابلات شخصية مثلت المادة الأساسية للكتاب الذي حوى ذكرياته، فهي قد قدمت صورة واضحة عن شخصية الناظر (بابو نمر)، ساعدت على تشكيلها طريقة نظرته للإمور وتفسيره لها. يظل الزعيم (دينق كوال أروب)، أحد الشخصيات الخالدة التي سيذكرها التاريخ من حيث الأدوار التي لعبها في تولى شئون ومسئوليات شعبه، الذي تركه في وضع قلق وغير مستقر. يقول( فرانسيس دينق) في توضيح ذلك: (إن “دينكا نقوك” يستدعون ذكرى “دينق مجوك” بشكل متضارب، فبعضهم يرى أّنه أعطى الكثير، ولم يأخذ إلّا القليل في علاقته بالشمال، ولكن هناك نظرة أُخرى ترى في إنجازات(دينق مجوك) أنّها لم تجلب فقط الخير لأهله، وإنّما وضعتهم في مكانة أكثر تقدماً مما كان عليه الحال قبل زعامته، ومع ذلك، وربما لنفس السبب، كان (دينق مجوك) أيضاً قد ترك أهله في وضع قلق وغير مستقر، وكان بإمكان أكثر الزعماء تواضعاً أن يتجنبه).(دينق2004م:302)
المراجع:
Arop. Madut. (2018). THE NGOK DINKA OF ABYEI, SOUTH SUDAN, IM HISTORICAL PRESPECTIVE. Grosvenor House publishing Ltd.
Deng, Francis. Mading. (2021). Remembering chief deng Majok A leadership of glory and tragedy. Nairobi: Detcro Research and advisory.
*Deng, Francis. Mading, Luka biong deng koul, Daniel Jok M Deng. (2020). ABYEI BETWEEN THE TWO SUDANS. Nairobi: Detcro Research and Advisory.
Lino, Edward. Abyei. (2020). NGOK PEOPLE VERSUS MISSIYA. juba: Rafiki for printing.
Malwal, Bona. (2017). ABYEI OF NGOK DINKA Not Yet South Sudan. London: BOURCHIER.
فضيلي جماع.(2020ن). الوجه والقناع في الثقافة السودانية. جوبا: دار رفيقي للنشر.
فرانسيس دينق.(2001م). صراع الرؤي، نزاع الهويات في السودان، ترجمة عوض حسن. القاهرة، مركز الدراسات السودانية.
فرانسيس دينق(2004م). رجل يدعى دينق مجوك، سيرة زعيم ومجدد. القاهرة: مركز الدراسات السودانية.
فرانسيس دينق(2019م). ذكريات بابو نمر. أمدرمان: مركز عبد الكريم يمرغني الثقافي.
اترك تعليقاً