كيف تُصنع الرجولة في السودان؟

·

·

,

تتشكل (الرجولة) عبر تقاطع معقد من العوامل الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية. بعيدًا عن كونها صفة بيولوجية ثابتة، تُبنى الرجولة كمفهوم ديناميكي يتغير باختلاف السياقات الزمنية والمكانية، متأثرًا بالتراث القبلي، الدين، الاستعمار، والتحولات الحديثة. يهدف هذا المقال إلى تحليل كيفية تصنيع الرجولة في السودان، مع التركيز على الآليات التي تُنتج الهوية الذكورية، من جندرة المشاعر إلى تمجيد الأجساد “القادرة” في سياقات الثورة والنزاع. بدلاً من تقديم حلول- يطرح المقال أسئلة تهدف إلى تعميق النقاش حول الرجولة في السياق السوداني، مع الأخذ في الاعتبار خصوصياته الاجتماعية والتاريخية.

وتمثل الرجولة مجموعة من السلوكيات، القيم، والتوقعات التي تُشكل عبر التنشئة الاجتماعية والممارسات الثقافية. في المجتمعات السودانية، غالبًا ما تُربط الرجولة بالقوة البدنية، الشرف، والقدرة على حماية الأسرة أو القبيلة. لكن هذه الصورة ليست محايدة، بل تُنتج من خلال مؤسسات مثل الأسرة، النظام التعليمي، والإعلام، بالإضافة إلى التقاليد القبلية والدينية.على سبيل المثال، يُتوقع من الرجل أن يكون “معيلًا” أو “حاميًا”، مما يضعه تحت ضغط اجتماعي واقتصادي هائل، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية. لكن، كيف تُشكل هذه التوقعات تصور الرجال لأنفسهم؟

 ماذا يحدث عندما يفشل الرجل في تلبية هذه التوقعات بسبب الفقر أو الحرب؟

 وكيف تؤثر هذه الضغوط على الرجال الذين يرفضون الالتزام بالصورة التقليدية للرجولة، مثل أولئك الذين يعبرون عن عواطفهم بطرق تُعتبر “غير ذكورية”؟

 هل يُنظر إليهم كـ”أقل رجولة”، وما هي العواقب الاجتماعية لذلك؟

ويشرع مصطلح-الرجولة السامة-مستوى آخر من النقاش،والذي يُستخدم لوصف الجوانب الضارة من الذكورة، مثل العنف، القمع العاطفي، والسيطرة والتي تتجلى في بعض الممارسات الثقافية والفنية التي تمجد الرجل كمحارب أو حامٍ. على سبيل المثال، الأغاني الشعبية مثل “الحقيبة” أو الشعر القبلي غالبًا ما تُبرز صورة الرجل كبطل يدافع عن الشرف أو الأرض. لكن هذه الصور تُغفل أحيانًا السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الرجال إلى هذه الأدوار.

كيف تُساهم الأغاني الشعبية والفنون البصرية في ترسيخ هذه الصورة للرجولة؟ هل تُعزز هذه الأعمال فكرة أن الرجولة مرتبطة بالعنف أو السيطرة؟

وماذا عن الرجال الذين لا يتناسبون مع هذا النموذج، مثل من يعبرون عن الضعف أو الحزن؟

 هل يُنظر إليهم كاستثناءات، أم أنهم يُواجهون تهميشًا اجتماعيًا؟

وكيف تُشكل هذه التمثيلات الثقافية توقعات الشباب السوداني في سياقات النزاع أو الهجرة؟

كما تُعد جندرة المشاعر التي أشارت إليها رؤيا،آلية أساسية في تصنيع الرجولة السودانية.ففي العديد من المجتمعات السودانية، يُنظر إلى الغضب الذكوري على أنه تعبير عن الشجاعة أو الدفاع عن الشرف، بينما يُوصف الغضب النسائي غالبًا بـ”الهستيريا” أو “عدم الاحترام”. هذا التمييز يعزز فكرة أن الرجال هم العقلانيون والنساء عاطفيات، مما يؤدي إلى ترسيخ التسلسل الهرمي الجنسي.كما يحدث في سياقات النزاعات القبلية أو المجتمعية،التي يُشجع فيها الغضب الذكوري كوسيلة لتأكيد السلطة أو حماية الشرف على سبيل المثال. لكن، كيف يُنظر إلى النساء اللواتي يعبرن عن الغضب في هذه السياقات؟

 هل يُعتبرن متمردات على الأعراف الاجتماعية، وما هي العواقب التي يواجهنها؟حيث يرتبط مفهوم الحماية ارتباطًا وثيقًا بالرجولة، سواء من خلال القوة البدنية، القدرة الاقتصادية، أو المشاركة في الأنشطة المسلحة. في المقابل، تُغفل أشكال الحماية التي تقدمها النساء، مثل رعاية الأطفال، الحفاظ على تماسك الأسرة، أو العمل المجتمعي. لماذا تُعتبر هذه الأدوار النسائية “ثانوية” في الخطابات السودانية حول الشرف والمسؤولية؟

 وكيف تؤثر الأزمات الاقتصادية على قدرة الرجال على الوفاء بدور “المعيل”، وما تأثير ذلك على هويتهم الذكورية؟

ولقد وفرت الثورة السودانية (2018-2019) عدسة فريدة لتحليل إعادة إنتاج الرجولة.كحالة صور الشباب الذين يواجهون قوات الأمن، غالبًا بصدور عارية، رموزًا للشجاعة والمقاومة. هذه الصور تُعزز فكرة أن “الثائر المثالي” هو رجل قوي جسديًا، مستعد للمخاطرة بحياته. لكن هذه الرواية تميل إلى تهميش مساهمات النساء والرجال الذين لا يتناسبون مع هذا النموذج البدني أو البطولي.على سبيل المثال، لعبت النساء السودانيات دورًا حاسمًا في الثورة، من قيادة الاحتجاجات إلى تنظيم شبكات الدعم اللوجستي. ومع ذلك، فإن ظهورهن في الروايات التاريخية والإعلامية محدود.

لماذا تُعطي روايات الثورة السودانية الأولوية لأشكال معينة من الرجولة على غيرها؟

كيف تُساهم هذه الصور في إنتاج تراتبية بين الثوار، حيث يُعتبر الرجل القوي جسديًا هو النموذج الأمثل؟

وكيف تؤثر هذه التمثيلات على الرجال الذين، بسبب الإعاقة، العمر، أو الاختيار الشخصي، لا يشاركون في أعمال المواجهة البدنية؟

ما هو دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في تضخيم هذه الصور للرجولة “البطولية”؟

كما يمكننا تتبع سياق النزاعات المسلحة، من دارفور إلى الصراع الأخير بين الجيش وواجهاته والدعم السريع وواجهاته،الذي يوفر عدسة أخرى لفحص تصنيع الرجولة. في هذه السياقات، غالبًا ما تُربط الرجولة بالمشاركة في القتال، سواء كجندي، ميليشيا، أو مدافع عن المجتمع.حيث تُصبح حيازة السلاح والاستعداد لاستخدامه علامات على المكانة والسلطة الذكورية.لكن هذه الصلة تثير أسئلة نقدية. كيف تؤثر عسكرة الرجولة على الرجال الذين يختارون عدم المشاركة في العنف المسلح؟

ما هي الضغوط التي يواجهها الشباب السوداني للانضمام إلى الجماعات المسلحة لإثبات “رجولتهم”؟

 كيف تُشكل الرجولة في المجتمعات النازحة/اللاجئة، حيث قد يفقد الرجال دورهم التقليدي كمعيلين بسبب انعدام الأمن الاقتصادي؟

وكيف تتحدى صدمات النزاع، مثل فقدان الأحباء أو التعرض للعنف، توقعات القمع العاطفي المفروضة على الرجال؟

على الرغم من التقدم في الدراسات الجندرية عالميًا، تظل دراسات الذكورة في السياق السوداني نادرة. هذه الفجوة ملحوظة بشكل خاص نظرًا لتأثير مفاهيم الرجولة على ديناميكيات السلطة، النزاع، والتغيير الاجتماعي في السودان

كما أن غياب الترجمات، التأملات المحلية، والتحليلات النقدية حول الرجولة يحد من فهمنا لكيفية تأثير هذه الأعراف على الرجال، النساء، والأشخاص غير النمطيين.

ما هي الأسئلة التي يجب أن نركز عليها في دراسات الذكورة السودانية؟

 كيف يمكننا دمج المنظورات المحلية، مثل الروايات الشفوية أو الممارسات الثقافية، في تحليل الرجولة؟

 ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات التعليمية السودانية في تعزيز النقاش حول الرجولة وتداعياتها؟

 وكيف يمكننا معالجة تقاطعات الرجولة مع أشكال أخرى من القمع، مثل الطبقية، العنصرية، أو القبلية، في بلد متنوع مثل السودان؟

دفعني منشور رؤيا،لتأمل ظاهرة الرجولة في سياقنا السوداني، التي تتطلب منا استيعابها كبناء يتشكل عبر قوى تاريخية، ثقافية، وسياسية من جندرة المشاعر إلى تمجيد الأجساد “القادرة” في سياقات الثورة والنزاع،و تكشف عملية تصنيعها عن توترات بين التوقعات الاجتماعية والواقع المعاش.وبدلاً من تقديم إجابات، نسعى إلى طرح أسئلة تهدف إلى تعميق فهمنا لكيفية إنتاج الرجولة وإعادة إنتاجها،وتفكيك تعقيدات الهوية الذكورية، بل إلى فتح المجال لتخيل أشكال أكثر شمولية وعدالة للرجولة في سياق التحولات الاجتماعية والسياسية في السودان..

(مجتزأ من حوارات نسوية مع رؤيا)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *