تم تأسيس مدينة ملكال الحالية، بعد ان تم تحويل عاصمة المديرية من مدينة التوفيقية الواقعة جنوبي ملكال في العام 1916، والتي لاتزال بعض مبانيها قائمة حتى اليوم، وتشير الروايات أن نقل العاصمة إلى ملكال كان لتعرض مدينة توفيقية للفيضانات والسيول وهي منطقة هشة عرضة للكوارث ما جعل الحكومة تفكر في نقل العاصمة إلى المقر الحالي (أوو، 2021).
يقول بيتر أدوك نيابا في مذكراته: “وملكال هي تحوير قام به الأتراك لكلمة “ماكال” وهو اسم لإحدى قرى الشلك الواقعة شمالي موقع المطار الحالي، فقد كان مقر الاستعمارية بداية في ميناء التوفيقية الذي يبعد حوالي ثمانية كيلومترات جنوباً. وقد تم تحويلها بعد انتقال رئاسة مديرية أعالي النيل والتي كانت موطنا للرقيق الذين تم تحريرهم بعد هزيمة المهدية الذين اعتادوا على الحياة الحضرية، هذا إلى جانب كونها مركزاً ادارياً”(Nyaba,2021:45).

وتشير عدة روايات إلى أنّ ملكال الحالية قامت في موضع قرية أنشأها المك(كوديت أوكون توغو) في القرن الثامن عشر وهي جزء من قرية ماكال التي جاء منه اسم المدينة الحالية.
ويرى رمضان أوو إنّ المنطقة الحالية والتي تُسمّى ملكال، كانت عبارة عن قرى متبعثرة يقطنها أفراد من الشلك، حتى حي المديرية لم يكن سوى حلة من حلال منطقة (وارجوك) واد باجوك التي كان يقطنها رجل يدعى أكول أدونق، تعود أصوله إلى مجموعة الفونج، وتأسست مدينة ملكال الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى على يد الإنجليز، وترجع أهميتها لقربها من الشمال حيث مقر الحاكم العام، إلى جانب كونها ميناء رئيسي يربط الشمال بالجنوب.
وكانت اولى المنشآت الرسمية التي تمّ بناؤها في مدينة ملكال هي المديرية التي تعتبر مقراً للإدارة ومحيط سكن الموظفين الإنجليز، وقد بدأ العمل فيها في العشرينيات واكتمل في الأربعينات، ومن المنشآت الخدمية الحكومية أيضاً مستشفى ملكال الذي بنى في الثلاثينيات وتوسع المستشفى بعد ذلك وكان في الأصل مباني لسكن الجيش البريطاني وتتبع لها مستشفى متحركة في باخرة تسمى (ليدى بيكر) كانت تتحرك بين ملكال وبور لعلاج المواطنين في تلك المناطق وبها عنابر للمرضى.

Malakal, South Sudan, 1946
وبالنسبة لمنطقة سكن الأهالي فقد كانت تضم قرية الملكية التي أنشئت في العام 1916م في نفس التاريخ نقل العاصمة من التوفيقية، يقول بشرى محمد ادريس عن نشأة و تأسيس حي الملكية انه “عندما ازداد عدد العمال بالري المصري، إضافةً إلى نهاية الخدمة العسكرية للعديد من منسوبي الإرط خاصة الأورطة 9 و 12، قررت الحكومة المصرية إيجاد مكانا ليكون مقرا لسكن أولئك العمال فوقع الإختيار علي حي الشاطئ ليصبح بعد الري المصري أول حي بالملكية وثاني أحياء ملكال، استمر عدد السكان بالملكية يزداد ويقوي ترابطهم ويظهر نشاطهم الإجتماعي الإيجابي الأمر الذي أثار حفيظة المستعمر الإنجليزي فلجأ الى تمزيق هذا النسيج السكاني إمعانا في سياسة(فرق تسد) فقسمت الملكية إلى عدة أحيآء صغيرة علي نسق جهوي وقبلي حي الدينكا/النوبة/الشلك/الزاندي” (إدريس، 2014م).
كما أنشأت الحكومة منطقة جديدة أطلقت عليها اسم حي الجلابة غالبية سكأنّها من التجار الشماليين الذين كانوا يعملون في أسواق المدينة. وأنشأت الحكومة في الجزء الشمالي من المدينة حي البيطرة والمطار والدايات وحديقة الحيوانات.
ويعتبر حي أصوصا من الأحياء القديمة الواقعة جنوبي المدينة وكان عبارة عن ثكنات لأسرى الجيش الإيطالي، (وأصوصا كلمة إيطالية معناها الثكنات كان يقطنها جنود الشرطة وقوات دفاع السودان الذين كانوا يقومون بحراسة الأسرى).
وقام الإنجليز ببناء ثكنات للجيش في الموقع الحالي(الحامية) أوكل تنفيذها لمقاول إيطالي. وفي الجزء الشرقي قامت الحكومة بتنفيذ مشروع أحمد الجاك وذلك بزراعة أشجار البان والطلح، وجاء اسم أحمد الجاك من اسم الملاحظ الذي كان يشرف على المشروع وهو اويور أحمد الجاك. والذي كان جندياً بقوات دفاع السودان برتبة شاويش. (أوو، 2021م)
أمّا منطقة الري المصري في ملكال فهي تعتبر علامة فارقة في تحول ملكال من قرية صغيرة إلى مدينة تعج بالحيوية، وذلك عندما وقع عليها الإختيار بواسطة المصريين لتكون مركزا للأبحاث وقياس مناسيب النيل الأبيض. بعدما غمرت الفيضانات منطقة التوفيقية نسبة للخديوي توفيق باشا، وقد تمّ إختيار الموقع نسبة لارتفاعه النسبي، في مساحة تقدر بحوالي تسعة كيلومترات مربعة، وقد بدأت التحضيرات المبكرة لتأسيسه في الأعوام 1903م-1904م، حيث تم إنشاء المكاتب والمنازل، وفي الأعوام 1905م-1906م، تمّ بناء نمرة 8،9،10 إلى جانب المكاتب ومرسى البواخر والورشة، وشملت المنشآت أيضاً النادي العربي والمدرسة المصرية، وقد غلب الطابع المصري على كل المنشآت، إلى جانب السفلتة الداخلية للطرق، وقد شيدت أغلب المباني من الطوب الأحمر والحجارة التي كانت تستجلب من منطقة جبل أولياء في الشمال، وقد لعب الري المصري دوراً كبيرا في تطور مدينة ملكال ونقلتها التي ميزتها عن بقية المدن الأخرى في جنوب السودان.

وفي العام 1945م تم تخطيط سوق مدينة ملكال وبنائه، وكان ينشط به عدد من التجار الشماليين(الجلابة) بالإضافة للأغاريق (إدريس ب.، 2020م)، وكان الأغاريق يديرون أعمالاً صناعية صغيرة في تلك الفترة من بينها مصانع المشروبات الغازية مثل البيبسي كولا (Nyaba,2021:50)، والسوق الكبير كان يسمى بسوق (كال وارجوك) لأنّ معظم الخضراوات التي تباع فيه كانت تأتي من تلك القرية.
هذا وكان سكان مدينة ملكال منذ البداية خليطا من مختلف المجموعات السكانية المقيمة في أعالي النيل وبقية أنحاء جنوب السودان والسودان، حيث يوجد الشلك والدينكا والنوير والزاندي الذين تم تجنيدهم في المهدية وخليط من النوبة والفور إلى جانب بعض الموظفين والعمال الشماليين الذين عملوا بالري المصري.
المراجع والمصادر:
Johnson, D. (2008). Recruitment and entrapment in private slaves’ armies: The structure of the zaraib in the southern Sudan. Journal of slave and post slave studies, 162-173.
Johnson, D. H. (2000). Conquest and colonizers: soldier settlers in the Sudan and Uganda. Sudan notes and Records, NS 4, 59-79.
Johnson, D. H. (2015). SOUTH SUDAN PAST NOTES& RECORDS. Wanneroo: Africa World Books Pty Ltd.
Mosel, E. M. (2011). City limits: urbanization and vulnerability in Sudan, Juba case study. London: Humanitarian Policy Group.
Nyaba, P. A. (2021). Up from The Village an Autobiography. Juba: Willows house printing and publishing.
Santandrea, s. (1977). A popular History of wau (Bahr el Ghazal) From its foundation to about 1940. Rome: Manuscript.
Shuchiro, N. (2013). A history from above, Malakia in Juba, South Sudan c,1927-1954. The Journal of Sophia Ashian Studies No31.
Tuttle, B. (2022). To the juba wharf. Juba: juba in the making.
USAID. (2007). JUBA, WAU AND MALAKAL COOMUNITY PLANNING FOR RESETTELMENT. USAID.
أحمد، سيد أحمد. (د.ت). تاريخ مدينة الخرطوم تحت الحكم المصري (182م-1885م). القاهرة.
إدريس، بشرى، أحمد: (2020م). الري المصري بملكال، شاهد صامت. ناس ملكال، مدونة.
إدريس، بشرى. أحمد. (2014م). حي الملكية النشأة والتأسيس، مدونة ناس ملكال
اسماعيل، أحمد، علي: (1988م). دراسات في جغرافية المدن. القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
أشويل، سلفاتور، أتير: (2018م). تاريخ مملكة الشلك، دراسة تاريخية للنظم الإقتصادية والإجتماعية في الفترة من 1956م-1821م. شندي: رسالة ماجستير غير منشور.
الحسيني، السيد: (1981م). المدينة دراسة في علم الإجتماع الحضري. القاهرة: دار المعارف.
محي الدين، البشير، أحمد: (2020م). تاريخ أقاليم جنوب السودان 1900م-1820م. جوبا: رفيقي للطباعة والنشر.
الزين، قيصر، موسى،(د.ت)، الحركة التاريخية: المدينة والدين في افريقيا والشرق الأوسط حالة الخرطوم الكبرى(1945م-1990م)، مع مقارنات دراسة في تحليل الواقع الحضري المعاصر. الخرطوم: هيئة الاعمال الفكرية.
السريع، عبد الله،(2008م). سنوات في جنوب السودان. الكويت.
القدال، محمد، سعيدL1992م)، الإنتمآء والإغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث. بيروت: دار الجيل.
القدال، محمد، سعيدL2018م)، تاريخ السودان الحديث 1955م-1820م، الخرطوم، مطبعة جامعة الخرطوم.
المالكي، عبد الرحمنL2015م)، الثقافة والمجال، دراسة في سيسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. فاس: جامعة سيدي محمد بن عبد الله.
أوو، رمضانL2021م)، ملكال(مال باكال) الأصالة والتاريخ، مقال منشور في الفيس بوك.
بيساما، إستانسلاوس مذكرات غير منشورة(د.ت)، واو.
دينق، جيمس، ألالاL2005م)، التراث الشعبي لقبيلة الشلك. الخرطوم، مطبعة جامعة الخرطوم.
سايمون أتيمL2020م)، زريبة ديم زبير.. من عمق تاريخ العبودية المهمل إلى قآئمة التراث العالمي. الدوحة: موقع الترا سودان.
سكينجة، أحمد. العوضL1994م)، ميراث العبودية، تجارة الرق في غرب بحر الغزال. كتابات سودانية.
سمية، هادفيL2014م). سيسيولوجيا المدينة وأنماط التنظيم الحضري. مجلة العلوم الإجتماعية والإنسانية.
شول، بول، دينقL2005م). لهجة جوبا العربية. الخرطوم: الدار السودانية للكتب.
طوسون، عمرL1937م)، تاريخ مديرية خط الاستوآء من فتحها حتى ضياعها من سنة 1869م-1889م، ج1. الإسكندرية، مطبعة العدل.
على، حسين، اسماعيل،(د.ت). المؤشرات الحضرية لمدينة كلارا، دراسة في علم الإجتماع الحضري. مجلة كلية الآداب.
أبو قرجة، مكيL2000م). صولة بني عثمان في ملاحم الثورة المهدية. مطبعة ضفاف.
لاقو، جوزيفL2005م)، مذكرات الفريق جوزيف لاقو، أمدرمان، مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية.
ناصف، سعيد.(2009م). علم الإجتماع الحضري، المفاهيم، القضايا، المشكلات. القاهرة.
يوه، جون، قاي.(2009). جنوب السودان آفاق وتحديات. الخرطوم: دار عزة للنشر.
اترك تعليقاً