بُيوت

·

·

,

للكاتب: أيمن هاشم

عندما نقل صاحب المنزل الذي نستأجره لوالدي رغبته في أن نخلي المنزل لأنه يريد بيعه بدأت تلك الكوابيس تنتابني .

*

أعتقد أنه ثمة شيء إستيقظ بينما كنت نائماً بسبب الإرهاق الذي إنتابني بسبب توضيب الحاجيات ، لقد ساقت الحكايا برجليها المتعبة في الليل كل ما له علاقة بالكوابيس ، كانت حكاية صغيرة عن شئ وجدته في بيتنا بعد أن سافرنا مدة و هجرناه .

*

غرفتي المربعة المطلية بالطين الجاف الرمادي الخشن و التي صنعت فيها الأمطار مجاري تقع عند نهاية البيت و تجاور الخرابة ، و من ثم تتراكم الغرف في

حياء ثم تتجمع البيوت متزاحمة بجوار الخور، تلك الأورام النامية على جنبات الأزقة كعروق كثيفة دقيقة لم تجد من يسكنها سوى الحصى بسبب تدرجها المتسارع كثنيات نهد عند المفصل . عند الأفق السرابي يزداد غموض الحي بحيث يبدو كجسد فاتن ، عندما تبتعد قليلا يبدأ الشكل المنتظم بالإحتجاج و يتغير تركيب المباني إلى الخشب تتخللها شبكة الأعمدة الكهربائية و أشجار النيم .

*

كانت أمي تحكي عن رؤيتها لنصف طفل ، قدماه مغروستان في البلاط و هي بين النوم و الصحو و سقط أخي بطوله عندما كان يسرح شعره ، سقط على الكوميدنو و شج رأسه فصارت حلاقته المضحكة بعد أعوام موضة ، و أخي الأصغر رأى رجل أبيض يشبه الموتى البيض ، يسير في زقاقنا الخلفي المؤدي للحمام ثم صرخ فسقطت لهاة حلقه و كاد يفقد صوته الذي خرج كله في تلك البغتة المهولة ، فهرعت والدتي إحتضنته و رفعت حلقه لأعلي و حركت حنكه لكيلا يستفرغ مفزوعاً كل ذلك البكاء و يصير صامتاً كوالدي ، و حكت أختى عن شخص تحدث معها من وراء الحائط و صارت تبكي ، و خرج ذات مرة إعصار من المطبخ .

*

كل هذا حدث بينما كانت لي حكاية مختلفة ، لقد تحدثت مع البيت و أخبرني بالبيوت التي سنسافر و نسكنها ، و عرض عليَ حلماً ، قال لي : هذا شرطي الوحيد ، لقد رحلت و سكنت بعده في بيوت إيجار ، و لكنني كلما أسكن في بيت كان عليَ نسيان الذي قبله و هكذا صرت كالبدو الرحل ، ذاكرتي المكانية ضعيفة عدا كابوس قديم كان يروادني ، كنت أحتلم بشكل يومي .

*

الحكاية قديمة جداً ، و الباب الذي تركته موارباً كان لي ، و لذلك إلى الأن أترك باب الغرفة مفتوحاً لتدخل الحكاية القديمة حتى لو سبب الأمر سرقة مقتنياتي . كنت في السابعة عشر ، ليلتها إحتلمت بها فقد كنت أستحم ، أدفق المياه و أتحسس شعر إبطي ، لو لم يكن الباب غير مغلق سوى بمسمار معقوف لقلت أن حلمي غير منطقي ، فكل شئ حصل بحقيقته الفجة ، كانت بجمال فتيات أفلام الجنس ، كنت أشعر بالفزع الطفولي و لكن لمسة واحدة فقط كانت كفيلة بأن تجعل صدري كطبلة عزف ، تحسست مكامن الشئ كتلامس غير مقصود في عربة عامة جعلتني أتوه في منطقة بين القصد و البراءة و كنت خائفاً من أن يكشف أمري ، كنت مرعوباً من جمالها الجانبي لدرجة أن تصوراتي الفانتازيه حول معلمات المدرسة تلاشت ، و إرتفع الدم في عروقي تسللت رائحتها البخورية عندما كنت أتنفس تحت رقبتها ثم إحترقت النشوة الليلية ، التي كانت في فترة المراهقة ، لكن ذلك الحلم لم ينتهي أبداَ ، بل أصبح قصة جديدة ، قصة البيت نفسه .

*

يقول الشيخ الذي أحضروه ليقرأ لي ، بعد أن إنتكست حالتي و إنمحى ماء وجهي و أتعبت حالات هيجاني الجميع – هنالك جنية تتلبس إبنكم ، تسكنه . و لكنني الأدرى بحالي و الغاضب من صاحب اللحية الذي ما إنفك يهددني ، أخبرتهم بأنها لا تسكنني ، نحن من جئنا لهم . أنا أترك الباب موارباً و هي تحضر كمن لا يحدها باب ، يهتز الحليب في صدرها الغير مروض و ترمي عليَ بثقلها ، لأيام كانت الحمى الخفيفة تصيبني ، فأنام و علي ملاءة و أصحو بدونها . كان الغضب يصيبني عندما لا نصل لشئ ، ففي بعض الأحيان يبدو عذاباً غير منتهي من الحركات الرياضية ، حمل أجساد لبعضها و البدء في الركض ، أصيب بلعناتي الجميع ، لم يكن لي رغبة في العمل ، و أخاف النوم ظهراً لأنه قد يراني الأخرين إلا في أيام ظهور نجم التريا كان التعب ينتابني كموجات تضرب جسدي اليابس بينما يعوي جسمي كله عند الليالي المقمرة .

*

أخذ منظري في التحول لبرهان عملي للجفاف ، و عروقي تبرز ككائن شجري فلم يكن الأمر يقتصر علي الإلتحام في الحلم ، شيئاً فشيئاً صارت تكسبني ملمحاً من شكلها ، فشعري القرقدي تجعد و صوتها يغزو حلقي ، لم يكن مفر من أن ملامحها تلجني بإستمرار و صرت معجباً بنفسي لست ذلك الشخص الذي يرونه متهالكاً ، عندما نقل صاحب المنزل الذي نستأجره لوالدي رغبته في أن نخلي المكان لأنه يريد بيعه بدأت تلك الكوابيس تنتابني و كنت أتعمد ترك الأبواب مواربة لرغبة قديمة في التسلل لفتاة في السابعة عشر تستحم ، تتحسس صدرها الفائر بيد و بالأخرى تسد الباب بالمسمار المعقوف و بفزع برئ لمحتني و حاولت إغلاق الباب إلا أنه لا باب بإمكانه أن يحد رغبتي ، عندما فرغت منها أخبرتها ، و عرضت عليها حلماً : هذا شرطي الوحيد ، لن تنسيني .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *