فاطمة بت ود خير – شاعرات الشايقية

في مقدمة كتاب زاد المبدعين عن محجوب كرار التي دونها سيدأحمد بلال (في شعر الشايقية): حقيقة الأمر أن الشايقية ( عند الكلام عن الشايقية لا أعني الشايقية بي شلوخهم وبالمعني القديم الضيق). حقيقة الأمر ليس هناك شايقي بهذا المعنى الكلاسيكي. فن الشايقية وشعرهم يدخل في إطار ما يسمى بوحدة ثقافية. أعني أنها وحدة مكان ووحدة تنوع عناصر. على الصعيد الفني تبدأ بلاد الشايقية جنوبا من الشلال الرابع ( منطقة اسمها أمري) وتمتد حتى مشارف الدبة مع دنقلا، أي في بلدة الغابة.

وهذه تعتبر وحدة ثقافية . أعني أن هؤلاء ناس ذوي شعور واحد والشعر عندهم يتشابه، ويتذوقوه بطريقة متشابهة وتعتبر مقومات حياتهم الاقتصادية واحدة، يضاف إلى ذلك نشوءهم في منطقة واحدة وبالتالي فإنهم مرتبطون على مستوى المشاعر بما يعني أنهم صاروا وحدة ثقافية والثقافة هي التي تبني الناس. فبصرف النظر عن الأماكن التي انحدر منها هؤلاء، سواء من جبال النوبة حيث أتى أهلهم في أزمنة

الأسر، أو أتوا من أماكن أخرى أو جاءوا من اليمن أو من غيره. المهم ان وحدة الشعور اتخلقت بيناتهم وصاروا ينتجوا هذا الأدب والفن ويستهلكوه ويقدموه للخارج. هؤلاء هم الشايقية في دراسات التراث الشعبي. وعندما نقول الشايقية لا نقصد المهنى الذي يتبادر إلى الأذهان بمسميات كالعصبية وغيرها.

فقد كان في أزمنة ماضية كان للشعراء سلطة خفية، خرجت كلمات الشاعرة (فاطمة بت ود خير ) لتقطع كلماتها خيوط المكان والزمان فتتخلد نصوصها وتحفظ إلى الأن، في زمن كانت فيه المرأة تتوارى خلف الأسوار امتثالا لعادات ذلك الزمان،  أبعد مشوار كان مسموح لهن الذهاب إليه ” بلد بي تحت ” والمقصود بها غابات النخيل وبساتين البرتقال والمانجو والقريب في ذلك الشريط النيلي أقصى شمال السودان .

في عام 1900م ولدت بت ود خير في قرية مقاشي ريفي كريمة-والدتها الروضة محمد صالح شاويش من حذيمة (الشاويشاب-العدنلاب)- وهي بنت عم المناضل الوطني الكبير المحامى / أحمد خير مقاشي مسقط رأس الراحل عثمان حسين والعديد من النوابغ في مجالات شتى أعطوا السودان وما بخلوا من فيض علمهم وحياتهم . لم تتلقى من التعليم شيئا لكن رغم ذلك تبهرك بشعر موزون بشكل مذهل وتمنحك معلومات جغرافية عن مناطق وتدوين لمعلومات تشك أنها قد تكون عاصرتها ولكنها القدرة على كتابة الكلمات وترتيبها، وسحرية تحويل اللغة العادية المسموعة في الونس والحكايات إلى نصوص وإلى رسائل.

شاعرة الرسائل

تتميز رسائل الشاعرة فاطمة بت ادْ خير بمهارة فريدة في روح النص وجودة الصياغة من تلك الرسائل المعنونة إلى إبنها محمد الحُسين صالح، الذي كان عسكرياً بجمهورية مصر العربية. تتلخص الأدوات والمُعينات التي كان ضرورية لتجهيز الرسالة البريدية في الكاتب، المُرسال (البُوستة)، إفتتاحية الأشواق، نص الرسالة، بعض الطلبات، ثم خاتمتها…

من المُلاحظ أن شاعرتنا في هذه الرسالة تجاوزت الكاتب وبدأت بالمِريسِيل مُباشرةً ليس إهمالاً منها ولا تنقيصاً من قيمته، بل لأن كاتبها الأساسي معروف على الشيوع، فهُو المشهور وذائع الصيت في أشعارها، (الكتَبْ: ورَّاق حسن أُوسطَى تاجر في الدكاكين) لذلك تعدَّته وبدأت بالمِريسل قائلة:

مريسيلي الهميم قُوم بي سَخِيِّي..

قُوم مِنِّي العِصِير ونزِّل عَشِيِّي..

وللتوثيق فقد بدأت حركة هذه الرسالة من بوستة (بريد منطقة مقاشي ريفي كريمة) إلى منطقة (قِنا العسكرية بجمهورية مصر العربية).

واغشالَيْ (قِنَا) وُرُد التحِيِّي..

وسلِّمْلَي على صَمد السِركيِّي..

و استهلَّت رسالتها بجميلِ أشواق ومشاعر الأمومة الجياشة، وهُنا ليلحظ القارئ الحصيف تواريخ الحفظ والتدوين في ذلكم الزمان الجميل…

دا الحابُّو القلب وراضاهُو النِيِّي..

قُولُّو خمسة سنين كُتار يشوِنِّي شيِّي..

وتتِم الساتِّي في (شهر الضحيِّي)..

إن شاء الله آ جِنَاتْ عافْةً مريِّي..

وان شاء الله آ جِنَات تجُو للشايقيِّي..

وجناح جبرين يفِر فُوقكُن شمشيِّي..

ثمَّ عدَّدت من يهمها أمرهم بالسلام والتحية، فبدأت بإبنها الأصغر عبد المنعم بمنطقة السويس العسكرية ولم تبخل بتحياتها وأشواقها لكل عسكري من أبناء بلدتها (مقاشي) وقد كانُوا كُثر بالجيش المصري، ولم تنسى حتى أدواتهم ومعيناتهم في مكاتب النبطشية وعنابر الضابطية…

سلامِي انا من (قِنَا) ولا اسكندريِّي..

السلام للفِي (السويس) (مُنعِم) نقليِّي..

السلام للعسكري الفُوقُو الدورِيِّي..

السلام للسِنجة حتى البُندقيِّي..

السلام للبردلُوبة ولي جلاليب الشاهِيِّي..

السلام للجزمة وفي إيدُو البطارِيِّي..

السلام طربُوش وُزِرَّتُو أحمديِّي..

السلام يغري السرير والبطانيِّي..

والسلام للعِمِّي لا قُرص الطاقِيِّي..

وعرَّجت على ذكر أحوال أُسرتها لبعث رسالة تطمينية لإبنها بأن وضعهم المعيشي على أحسن حال فالحمد لله والشكر له على جزيل العطايا وكذلك من باب التحدُّث بالنِعم فقالت:

حمدتَ الله (علي) الدخَل الكُلِيِّي..

دا المَعَ تعليمُو صارْفِينلُو الماهِيِّي..

إنت ما شُفت الشتِل دِفِّيق تِرَيِّي..

ومن درب الجمل حدُّو الرمزِيِّي..

وكمان جبت (الفواكِي) الأعجمِيِّي..

البركاوي جَلْ قُول تُلتُمِيِّي..

وان قُلت الكُرُش والقندُوليِّي..

إن شاء الله راحة الشيب عليك آ خيرابِيِّي..

وختاماً توسَّلت بأولياء الله الصالحين، وبرب العرش الكريم بأن يعود كل غائب إلى أهله سالماً غانماً ويجد من انتظره على جمر الشوق وهُو في سنين غربته بصحة وعافية..

نَدَهْتَ الصالحين لابوَات رِقيِّي..

انت يا جدي اب قرِن تُور البَنِيِّي..

ويابا الشيخ علي انا ليْ فيك لحِيِّي..

ويا سيدي الحسن ريْس الختميِّي..

ولي رب العباد برفع قضيِّي..

إن شاء الله يجمعُوا بالغياب وانا أبقى حيِّي.

مساجلات خط الشرق بين اسماعيل حسن و بت ودخير

استمع الشاعر اسماعيل حسن للخطاب وتخيل انه معنون له وهو الذي عاش نفس الغربه في مصر حين درس الزراعة وعليه فقد رد علي صاحبة الجواب دون سبق معرفه بها:

الليله في درب البنات يا يمه انا اتبهدلت واتغربت دابي

وانا اتوكرت في بلدا بنات بلا الخيول الجامحي فوق الريح تشابي

وجوهن يمه اكان شفتي القمر لجلج يضاحك في الروابي

وعيونن يمه زي بحر المحيط والموج يولول والعرق لافحني فايت واخرابي

وسنيناتن بلا شخب الحليب الصافي يرهج في الكبابي

ورقابن زي رقاب الريل وما خبير بشق التيه علي بلد الدوابي

ومهورن غالي ما بقدر عليهن

وكمان شوف المصيبه نفيستي فيهن

ومنو البقدر يمد ايدنو لي كيس المرابي دحين يا يمه راجع لي دريبك

انا الغرقان وفي الموجات اشابي اصارع في الهلاك يا يمه اقاسي

وكت قربت لي قيف الشرق تلفحني شيمه كاسحي مغرباب

وقعد زي فاقدا مزوزو اجرجر في التراب ودر حجابي

حينما سمعت الحاجه بت ودخيري برد اسماعيل حسن علي جوابها لابنها وهي التي طلبت من ابنها الجنييهن لم يرضها القول وانها كانت تعاتب ابنها في طول الغياب لكنها تعرف أن أبنها لم يكن في يوم من الأيام طمباري وأنه يجري وراء البنات فأرادت أن تهجو إسماعيل ولكنا تراجعت فذهبت له في منزله بالسجانة وقابلها عند الباب مسلما داعيا لها الدخول وتمنعت في البداية وكان ردها عليه

إسماعيل حسن بقلب شكورو

وإسماعيل حسن ثابتات عقولوا

سال من بيتو قالو لي ساكن في قصوروا

دخلت البيت قلته كدي الازورو

عاد لقيت اب ذوق يولف في سطورو

قال ادخلي احاجي شوف السور ونورو

عاد انا الحرقاني السور كيف دخولو

إسماعيل انا الحاسبالو زي ولدي البدورو

وإسماعيل انا الحاسبالو زي منعم في دورو

وما شفنا الزول عديل يصغر بي زولو

ويلبس ولدي توبا ماهو هولو

ويقول فرطاقه ما وفره لا حولو

وفي درب البنات خارش طنبورو

وهو عاد ناس ودصليليح شن ببقولو

عاد هو ولدي الظابط الصول بي دبورو

خرجت كلمات الشاعرة فاطمة بت ود خير في زمن كانت فيه المرأة تتوارى خلف الأسوار امتثالا لعادات ذلك الزمان , أبعد مشوار كان مسموح لهن الذهاب إليه ” بلد بي تحت ” والمقصود بها غابات النخيل وبساتين البرتقال والمانجو والقريب في ذلك الشريط النيلي أقصى شمال السودان . وكانت فاطمة تذهب مع رفيقاتها يجمعن ” الواقود ” ذلك الحطب المتساقط من شجر النخيل الذي يستخدم في طهي الطعام وصناعة ” القراصة ” ثم يدلفن تجاه النيل يداعبن موجاته يتآنسن ويروحن عن أنفسهن في حياة بسيطة مليئة بالخير والسعادة

و في إحدى مناسبات أبنائها قالت شفقت لما الخلق دخلت البيت وخافت أنه الأكل المجهز للمناسبة لا يكفي الضيوف فكتبت قصيدتها المشهورة التي تخاطب فيها نفسها ومطلعها :

أركزي يا أم نعيم ساعة العرض جات

والكلام ستر العرض مالا الريالات

تستر عرضها أمام ضيوفها أهم عندها من كنز الريالات زمن الريال أبوعشرة.

الشاعرة كانت تنتظر الرسائل من إبنها تصف حالتها عند إستلام رسالة بأنها تصبح أطول من طولها بشبرين:

بنبسط لي إنبساطة زايدة على القوانين

بعد جوابك أنا بطول لي شبرين

المصادر:

من الشاعرة فاطمة بت اد خير إلى السيد وزير التربية والتعليم – جمال أحمد الحسن – ديسمبر، 2019م

زاد المبدعين : محجوب كرار وشعر الشايقية : سيدأحمد بلال 2012م


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *