سيرة الخيارات المفقودة

·

·

الكاتب: محمد علي بيك

كنا اطفالا نتحّلق حول لمبة الفانوس في ليالي الشتاء، نُخيّر بين اليد اليمنى واليسرى، اين توجد نواة البلح ؟ ، خياران لا ثالث لهما، مع القليل من حديث خفيف الظل نقضي به ساعات من ليل الشتاء الطويل .

نُصيب في مرات قليلة  فنتسَيّد اللعبة، ونُخطيءفي كثير فتمَد لنا ألالسن عقوبة على الاخفاق، ثم تفسد اللعبة  عندما يترك احدهم  نواة البلح خلف ظهره فيكون الإخفاق حتمياً، فتنتهي اللعبة .

وعندما خرجنا مع الرفاق الى الربُوع الشاسعة، تعددت الخيارات والوجهات قليلاً ، دُروب  الى النيل الخالد ، واخرى الى  حقول القمح الممتدة حتى الافق، ودروب الى الرمال التي ترقد باطمئنان حذا البيوت الآيلة للسقوط ،ولكنها كانت دروب  مقيدة مع الكثير من الخطوط الحمراء التي كانت تنتظرنا في لائحة الخطايا المُقترفة آخر اليوم .

ومن ثم  توسعت الخيارات مع القليل من الحرية عندما رسمنا في ورقة الامتحان دائرة حول عبارة ( كل ما ذُكر خطأ ) والتي تتزيل خيارات كثيرة، في اول تمرد صريح وجرئ  على شكل الخيارات المعهودة سابقا.

ومع تعاقب الأيام والفصول توسعت هذه الدائرة بحجم الكون الفسيح بلا قيود ، وبلا خطوط حمراء ،وتدفقت  الخيارات ، وتعددت الدروب والوجهات، ابواب تُفضي إلى أبواب، وطرق تؤدي  الى مدن، ومحيطات إلى بلدان بعيدة ،الاف الخيارات التي تحرضنا على الحياة ، من  اصدقاء وكُتب وكُتّات وشعراء ،قصص وحكايات لا تنتهي ، وموسيقى عذبة  والحان لا تنضب ، حتى تلاشت الفواصل  بين العوالم .

ولان الحياة لاتسير كما المنشود ، وعطاءها  تنقطع وتبدأ في اخذ ديونها بقسوة ،تخلت عن لطفها الفياض و تكالبت علينا بمخالبها التي شحذتها في الظلام وايقظتنا من ذلك الحلم الطويل .

وجاءت تحمل معها أناس غرباء، لا يشبهون هذه الارض الطيبة في شئ، وكأنهم هربوا من قاع الجحيم لتوّهم، جاءوا بالحروب والصراعات وسدّوا الابواب والطرق وحوّلوا المدن الى أطلال، وبعثروا الرفاق في أصقاع بعيدة أحرقوا الأرض، وحولوا حقول القمح الشاسعة الى خرائب وسحبوا منا كل تلك الخيارات الواسعة، الواحدة تلو الأخرى، وبدلوا الضوء ب عتمة لن تنيرها شموس الكون .

لن نحيد عن الطريق، ولن نبدل الحياة بالخوف ولن تسمعوا منا زفرة استسلام ولا تحلموا بأيدينا فوق خياراتكم الضئيلة فقد تركتم نواة البلح خلف ظهوركم وكِلتا اليدين فارغتين .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *