للكاتب: أيمن هاشم
لم أكنْ أعرفُ ما أُريده من الحياة، فقد كُنا مثل المخلوق الذي ورثه ف كافكا، كنتُ بالكاد أنمو و تتدرج الأيام في ملامحي بين القطة و الحمَل، قضيتُ طفولتي وأنا أتوق للحصة الأخيرة هارباً بقميص متسخ بالأيسكريم و في جيبي كيس شطة كما قضيتها وأنا كبير هارباً بكلمة في سقف حلقي، و هو من كانت تجري الأحداث في خانته، ثمة صفرٌ صغير يفصلنا في الخانة العددية للحيوات، فعندما أعود لم يكن ثمة شئ يبعدني عن التلفاز، توحدت، توهمت بأنني كابتن ماجد و فشلت في إحراز هدف، قلدتُ تلك الأشياء بحذافيرها، لم أكن أخاف من أصير مجرد رسمة. كانت لدي رؤاي الخاصة، فمثلاً عندما أغمض عيني و أفتح الأخرى أرى البكتريا العصوية في الهواء و عندما أغمضهما الإثنتين أرى أطفال الجن و أراه بوضوح.
كبرتُ و رأيت أنني القط، كُنت أُعاني من التبغ و بجدية أجلسته بجواري و لتعرفوه جيداً لم يكن سوى المعكوس الأدنى لإسمي، يُدعى (نميا ) ليس عرض من أعراض الشيزوفرونيا و لم يكن قرين، كما لم يكن أخر بورخيس، لم يكن مزحة فيزيائية لإختيارات شرودينغر عندما يفتح القطة التي في الصندوق – إحتمال وجود حَمَل وارد.
عدَلتُ مِقعدي، وضعت كيس التمباك وعلبة السيجائر، جعلته يُحدق فيها، فتحتُ علبة السيجائر مزقت أحشاءها من الداخل، لما رأيت نظرة الخوف في عينيه عرضت عليه هدنة
– أن تخرج من دماغي بسلام، لمحت التعنت من شبيهي وهو يمد يده ناحية كيس التمباك قائلاً لي : إلا هذا، ضحكت.
رأيتُ في عينيه نظرة ذلك الحَمَل الكريه، فكرتُ في أن الرب يرعى من يضل من خرافه، قلت له مهدداً، في هذه الحالة لم يعد ثمة مهرب في أن أحرقك، أفرغت محتويات التمباك في الأرض ثم وعدته بالثبور، الشئ الوحيد الذي أحسسته و أنا أمضي في قراري الإقلاع عنهما، هو أنني أشتعل.
لم نكن تؤام أو أي شئ من هذا القبيل، كل ما في الأمر أنه كان أكبر مني سناً بشعر يخالطه الشيب، و بذاكرة جيدة فقد كنت أُفوت بعض الأحداث في حقل الماضي، و هو ك – حَمل جيد الإجترار، سألت (نميا ) ماذا فعلت لما وقفت أمام خيارين، في زاوية الغرفة و أنا أمد ورقة بها رقم هاتفي.
– كانت الأمطار تهطل بتؤدة، و لم يكن ثمة أحد غيرنا في الغرفة و مزيج رائحة الطين، أخرجت من جيبك ثمرة جوافة، لم نستطيع الهبوط من التحديق في ذلك البؤبو الأسود، قلت و أنت تمشط بنظراتك عينيها ذات الحاجبين المقترنين: دا رقم تلفوني، لم تكد الكلمة تخرج، غالبتها، خضت معي في داخلي معارك عديدة، مرة قاتلتني بالسيوف، أهرقت دماء الشكوك، فصدتها من عروقك الداخلية ، قلت لك قُلها يا أيمن، وحُوصرت كقطة في كرتونة.
-ما هي الإحتمالات الأن؟
– أنت عشت لحظتك تلك منقوصة.
لكنني كنت أعلم تماماً أن السمكة تعيش حياتها كاملة، ولا تعيش حياة إنعكاسها الذي يراه الصياد، تفر السمكة ومعكوسها من الرمح الذي لو كان ضلَ طريقه لأصابها، فلو كانت لكلمتي تلك ” أنا أحبك ” فائدة، لكنت لتوي فريسة.
-أعرف أنك تود عيش الخيارين،
قاطعته : بلى.
فكل طريق كان يمكن أن يكون أي شئ – طريق أخر، و يحتفظ بنفس القدر من المعنى .
– لا أعتقد، فهنالك نقطة عمياء في كل حرف كنت ستقوله، إذا أخذت المترادفات الحرفية لكلمة ( أنا أحبك ) فهل كانت ستحتوي على معنى للقتل ؟.
لقد كان على حق، لقد قتلتها، محوت النقاط التي كانت ستصلنا، فالزمن بخاصيته المموهة تلك جعلنا صيادين بأعين واحدة.
في اللحظة التي أفرغت فيها كوب القهوة في جوفي، نظرتُ إلى عُلبة السيجائر بشهية، أخرجت واحدة ضربت عقبها جيداً، بللت مقدمتها حتى إن التبغ كان يحترق ببطء و برودة، إنقطع الحوار بيننا و ظللنا نحدق في المارة، إنتابتني الشكوك حينما رنَ هاتفي، كان صوتها قادماً من غابة قديمة، إلتفت ( نميا ) فلم يجدني، لقد حلم الأخر بي، لكن دون صرامة وذلك ما أُدركه الأن، بالخيارات المستحيلة.
اترك تعليقاً