“الرحمتات” أو عشاء الموتى، وهي وليمة تُعد في شهر رمضان، خاصة في المناطق الريفية. تتمثل هذه العادة في إقامة مأدبة طعام تقدم فيها أطباق خاصة مثل “الفتة” (مزيج من اللحم والخبز والأرز)، وذلك في يوم الخميس الأخير من رمضان، الذي يُعرف بـ”الرحمتات” وباللغة النوبية إِنْديَلِقي أرْهَمَيرنْ .
تقدم هذه الوجبات بنية التصدق على أرواح المتوفين من أفراد الأسرة، والصغار منهم، إذ يُعتقد أنهم يتحولون لطيور ملونة تُعرف بطيور الجنة..
تات .. تات الرحمتات
أدونا تلات بلحات
تين تين … أدونا لحم ميتين.
ربما نُحِت مصطلح “الرحمتات” من عبارة “الرحمة آتية”، ففي الثقافة النوبية كان يوضع الميت مع ما يفضله من أكل، ليُكمل رحلته، الرحلة ذاتها تكررت بشكل متجدد عندما إنتقل التراث النوبي مختلطاً بقيم إسلامية مثل الصدقات.

إعداد الطعام: تقوم الأسر بذبح الذبائح أو شراء اللحوم لتحضير وجبة “الفتة” وهي التي تسمى بالحارة – أي من حرارتها وهي ساخنة، التي تتكون من الخبز المغمور بالحساء، مغطى بالأرز وقطع اللحم. يُقدم أيضًا مشروب منقوع التمر في آنية فخارية تُسمى “القُلل” يتم توزيع الوجبات على الأطفال والفقراء وطلاب الخلاوي (مدارس تحفيظ القرآن)، حيث يتجول الأطفال في الأحياء، يطرقون الأبواب، ويغنون أهازيج تقليدية لاستعجال تقديم الطعام. وعند دخول الأطفال للبيت تسرع الأمهات بوضع العطر على روؤسهم ووضع قدور الأكل، ومنحهم الحلوى، فيخرج الأطفال وهم يغنون بفرح:
الحارة ما مرقت
ست الدوكة ما وقعت
قشاية قشاية
ست الدوكة نساية
كبريتة كبريتة
ست الدوكة عفريتة
ليمونة ليمونة
ست الدوكة مجنونة”
تشير “ست الدوكة” إلى المرأة التي تحضر الطعام، و”الدوكة” هي الصاج المستخدم لصنع الخبز التقليدي.
ويقصد بست الدوكة المرأة التي تقوم بتحضير الطعام، حيث يقصد الأطفال المنازل الوفيرة بالطعام، وعند تأخر تقديم الوجبة للأطفال يصدحون بكل براءة:
الحارة ما بردت.. ست الدوكة ما فركت
صابونة صابونة ست الدوكة مجنونة
أدونا الحارة ولا نفوت ولا نكسر البيوت.
يعرف الأطفال الذين يندفعون في الشوارع مغنيين، أنهم ومن خلال إطعامهم فستأتي الرحمة للأطفال الميتيين، فالموت هنا ليس نهاية رحلة الشخص، بل بدايتها.!
كما تمتد ظاهرة إطعام الموتى حيث كانت أُسَر المتوفىَّ تضع إلى جانبه عند دفنه بعض البلح والمأكولات التي كانت أثيرة عند حياته، فتجد زيارات العيد للمقابر حيث يوضع الحصى وجريد النخل والتمر.
اترك تعليقاً