اللون الأبيض عند قبيلة شلو (الشلك)

سايمون أبرام أوضوك

لاشك أن للون الأبيض دلالات مختلفة ومتباينة وقد تكون متشابهة عند المكونات الإثنية والثقافية للشعوب في العالم بصفة عامة ولقبائل جمهورية جنوب السودان أكثر خصوصية ، وذلك مرده تعدد القبائل واختلافها وتباينها.

فإذا أردنا الحديث عن مدلولات اللون الأبيض عند قبيلة شلو (الشلك) على سبيل المثال كمحاولة منا لتقديم شيء قد يفيد المهتمين ، فلا بد من التسليم أن الباب سيظل موارباً أمام كل من يريد التصحيح أو التعديل أو الإضافة غرض إتاحة الفرصة للحوار بغية الفائدة.

اللون الأبيض عند شلو يقال له “أُوبَو” أو “بَويي” أو “تَرْ” فالكلمات الثلاث تتراوح ما بين الأبيض والبياض أي الصفة والمصدر، وعند قول:”قِينِنِي تر” فنقصد ذاك الشئ أبيض ، أو عند القول :”با أُوبَوْ” أعني هو أبيض .فاللون الأبيض يمثل لون الحياة والخير والصلاح عند شلو،

عندما يقول الشُّلُكِيُّ: ” فينج أتار” فحرفياً تعني الجملة “الأرضُ إبْيَضَّت” أي صارت الأرض بيضاء ، ولكن دلالياً يقصد قول “إنبلج الصبح” أي جاء الصباح.

وعندما يريد أحدهم مباركة شخص آخر أو تمنِي الخير في مسعاه، يقال له:”شياض كي تار” والتي تعني أسلك ببياض ولكن دلالياً لتسلك بالخير، وإذا أراد أحدهم أن يفاخر بسلوكه الحسن ونزاهته وأمانته أنه غير سرَّاق أو قاتل ، فهو يقول متفاخراً: “شينقا تَرْ” أي أياديَّ بيضاء ويقصد نزاهته، وهنا لابد من الملاحظة أن تلك العبارة قد تحمل دلالة أخرى خاصة إن أراد القائل إيصال معنًى عاطفياً ليس للمفاخرة كما أسلف ذاك بل لشحذ التعاطف وهو “إني مفلس أو ليس لي شيء” وثمة أمثال كثيرة كهذه غير التي ذكرتُ.

وللون الأبيض دلالات خاصة عندما يتعلق الأمر باللبس مثلاً: ف(المك) ملك شلو أو “رث” – وأفضل أن تكتب “رض” بالضاد عِوض الثاء لأنه أقرب إلى النطق الصحيح عند القبيلة – فهوعند التتويج يُلبَس الـ لاووه (الزَّي التقليدي لشلو) ذا اللون الأبيض ويكون اللبس الأبيض ملازماً له ولسائر “جياق شلو” أي أعيان القبيلة والذين يرأسون عموم عمديات أراضي شلو، وذلك دلالة على السلطة والتكليف.

ونادراً ما يلبس الشُّلُكِي العادي – غير المتوج – الـ لاووه الأبيض إلا في بعض الأحايين كالعرس، فالعريس يلبس اللون الأبيض إحتفاءً به لكأنما مناسبة تتويج له.ويقلد الشُّلُكِي بالخرز (السكسك) ذي اللون الأبيض قصد البركة وشحذاً للأمن والسلم وللزينة أيضاً ، كما يُربَط في أرجل المكرسين للآلهة ، ويمكنك ملاحظة ذلك في الجزء الأسفل من ساق الشُّلُكِي خاصة عند أولي الأمر والزوجين حديثي العهد عندما تنتقل الزوجة إلى بيت الزوجية.

وإذا عرجنا إلى الحديث عن الأبيض وعلاقته بالمعتقدات السماوية أو بالأرواح السامية فكلمة: “جوانق أبول تَرْ” أي الإله الذي جبهته – أمامه -أبيض. وتعني دلالياً تعني العبارة “الله القدوس الذي لاشبهة ولا شائبة فيه”، وهو بالطبع عند شلو (الشلك) هو الكائن الأعظم الصالح الذي أوجد الكون بكل ما فيه. وعندما يُقال: “وَيي آ تر ” يعني حرفيًا الروح الأبيض أما دلالياً فيقُصَدُ به الروح القدوس أو القدس.

وعندما يتوفى الشُّلُكِي يعتقد أفراد القبيلة أنه إنتقل إلى عالم آخر يدعى “فوض مُووض-و ” أي أرض الظلام ، ولكنهم يعتقدون أن الإله الأعظم (القدوس) ذاك الذي ذكرته آنفاً سيأخذ من كان صالحاً ولم يسع إلى الشر أو لم تتدنس أياديه إلى مكانٍ يطلق عليه:” كينج ميهْ تر” أي مقامٍ أبيض ويقصد بذلك دلالياً مقامٌ حسن حيث تستريح الأرواح جزاء سعيها بالتقوى والصلاح في “كومِلاب” أي الدنيا.

وتؤكد ذلك أغنية روحية لأتباع ديانة المسيح عليه السلام حين تصف ذلك المقام بجلاء قائلة:” فان أبا أوتونق أيه تر أيه ميير” أي البلد السامي الأبيض الساحر(الجميل) ، والأبيض هنا يُقْصَدُ به المقدس النظيف.

فالأبيض عند شلو عادة ينسب إلى كل ما هو إيجابي أو خير أو أمن أو سلم. فهو في إعتقادهم لون الحياة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *