محمد أزرق – الرجلُ الذي يشم رائحةُ المطر

وكان ممن برعوا في معرفة الأنواء وبلغوا منها الغاية العظمى -محمد علي أزرق – من ضواحي رفاعة بالنيل الأزرق، بلغ من أمره أنه يشيم البرق ويخبر قومه بأن المطر يصلهم في وقت كذا فيكون الأمر كما قال وكثيراً ما يعين المنطقة التي بها المطر من الأرض إذا رأى برقاً بل يوضح الكمية من الماء في تلك المنطقة فيقول من محلة كذا لكذا عميق ومن مكان كذا لكذا متوسط وفي مكان كذا ضحل..

و في أواخر خريف سنة ١٣١٧ توجهت لأبي شام لزراعة أرض في تلك الليلة في نحو الساعة العاشرة قابلت  (محمد أزرق) وأرانا برقاً شرقياً وقال ألا ترون ذلك البرق ان المطر هاطل بالبويضة وود عركي وهاتان حلتان شرقي أبي شام على مسيرة أربع ساعات للراكب، وبناءً على ذلك ذهبنا في الغداة ومعنا أزرق فألفينا ذلك الوادي في ري عظيم كما قال فأقمنا نزرع يومين ففي ليلة اليوم الثالث بينما نحن نائمون إذا بأزيرق وقد نبهنا وكان قد شام برقاً شرقياً وقال ان المطر الآن على مسافة ضحوة من مكاننا هذا وسيسيل هذا الوادي ويصلنا السيل قبيل طلوع الشمس.

 فكان رأيه أن نحمل أمتعتنا ونغادر هذا الوادي إلى أبي شام. فأطاعه منا فريق وأقام بالوادي آخرون . قال المخبر – وكنت ممن أقام ففي نحو الساعة الرابعة صباحاً سال بنا الوادي فلذنا بالتلال والايفاع واستمر السيل يجري إلى الساعة الثامنة . وأصبحت كل الأرض بحراً من البويضة إلى ود الفضل (قرية غربي أبي شام بنحو ساعتين ، أما ازيرق ومن معه فان السيل أدركهم في نحو منتصف الطريق عند مكان يدعى «بريدة » فعاذوا بالثنايا والنجود. ولم نبلغ أبا شام إلا نحو الساعة الثانية بعد الظهر لما تجشمناه من الوحل والطين..

تشبه قصة محمد أزرق الذي يشم المطر ما روي في كتاب الأغاني عن العرب:

 قال خرج أعرابي مكفوف البصر ومعه ابنة عم له لرعي غنم لهما فقال الشيخ إني أجد ريح النسيم قد دنا فارفعي رأسك فانظري فقالت أراها كأنها ربرب معزى . ثم قال لها بعد ساعة إني أجد ريح النسيم قد دنا فارفعي رأسك فانظري قالت أراها كأنها بغال دهم تجر جلالها . قال ارعي واحذري ثم قال لها بعد ساعة اني لأجد ريح النسيم قد دنا فانظري فقالت أراها كأنها بطن حمار أصحر فقال ارعي واحذري . ثم مكث ساعة وقال إني أجد ريح النسيم فما ترين قالت أراها كما قال الشاعر : دان مسف فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالراحكأنما بين أعلاه وأسفله ريط منشرة أو ضوء مصباحفمن بمحفله كمن بنجوته والمستكن كمن يمشي بقرواحقال انجي لا أبا لك ! فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء .

وعلم الأنواء مما هو معروف في السودان:

وهي منازل قمرية قائمة على التقويم الشمسي تتكون من 28 منزلة أو “عينة” كل واحدة منها تمتد 13 يوما عدا عينة “الجبهة” 14 يوما لتكون حصيلة الأيام 365 يوما “سنة كاملة”.

وقد قسمها السودانيون من سبعة مواقيت إلى عشرة تسمى بالموروث الشعبي “العِينات” أو “العِين” لفصل الأمطار، وتمتد العينة الواحدة  يوما.

ولكل “عِينة” اسم ربما شابه أسماء متداولة لتقويم سائد بدول المغرب العربي و العينات مواقيت متناهية الدقة وأساسا لمواقيت الزراعة أواسط وشرق البلاد.

وتبدأ تباشير الخريف بعينتي العصا العطشانة والعصا الرويانة، وتمتاز الأولى بالأتربة وتحَوّل اتجاه الرياح من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، والأخرى بالجو المعتدل.

ومن العين – السماء الباكية :  الطرفة البكاية، ويصاحبها مطر نهاري خفيف ومتواصل يصعب معه العمل في الغيط فضلا عن درجات حرارة معتدلة 30-32 درجة تساعد الزرع على النمو.

وأنشد في سيرتها ود شوراني: ظمآنين ووابل الطرفة فوقنا يهطّل.

ويفيد بأن البداية الفعلية للخريف هي عينة “الضراع” التي تبدأ يوم 7 يوليو/تموز، وبها يقاس مدى نجاح فصل الأمطار، ويقال في المثل الشعبي عن الضراع “إن صح خريف وإن بطل صيف”.

وبعد “الضراع” تبدأ عينة “النترة” وهي فترة يكثر فيها نمو الحشائش والآفات من طيور مهاجرة وحشرات وجنادب وجراد بسبب ملء شقوق الأرض بمياه الأمطار.

بينما تأتي  “الجبهة” ذروة سنام الخريف، وتبدأ يوم 18 أغسطس/آب وهي فترة يصاحبها مطر غزير ربما تسبب في السيول والكوارث، ويذكر أن المزارعين يسمونها “الجبهة النداية” لتكاثر الندى على الزرع الذي نما وزادت حاجته للري.

ومن أول سبتمبر/أيلول تبدأ عينة “الخرسان” وهي ذات أمطار كثيفة يصاحبها رعد مدوي وبرق لامع فضلا عن تساقط البرد “ثلج” ربما أضر بالزرع حال زاد مقداره.

وتأتي نهاية الخريف بعينتي العِوا والسماك خلال الفترة من 14 سبتمبر/أيلول إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول، ويكثر في الأولى الرعد ويغلب على الأخرى المطر الخفيف المتفرق. وطبقا للدومة فإن مطرها يسمى “البخات” من البخت الحسن.

ومن العلوم المتعلقة بالأنواء الإستدلال بالرياح وأشكال السحب ومنها:

(1)  إذا سمع للرعد صوت من بعيد ولم يكن بالجو من سحاب فالمطر على مسيرة ضحوة.

(۲) إذا كان الجو صحوا ثم هبت ريح من الجهة الغربية ليلا فان هذا الريح يلقح السحاب والمطر إما أن ينزل في تلك الليلة أو ضحى الغد

(۳)  إذا كان السحاب في الشمال الشرقي وليس من جهة الغرب سحاب فالمطر ينزل لا محالة .

 (٤) إذا غمّ السماء بقطع من السحاب بعد الظهر فلا مطر .

(٥) إذا أقبل السحاب من ههنا وههنا حتى سد الأفق أثناء نزول المطر فان المطر يكون عاماً .

المصادر:

كتاب العربية في السودان / لمؤلفه الشيخ عبد الله عبد الرحمن الأمين الضرير


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *