نخب الطمأنينة، كباية حلومر في قلب الفوضى

·

·

,

تحفة الكامل

في واحد من مواكب يناير 2019، في زمن تسقط بس، و في أحد أحياء أمدرمان القديمة و في التسلسل الزمني للمظاهرة، و العساكر جو بهجوم اخير عشان تبدأ مرحلة التراجع حقتنا، الوقت داك طبعا حالة من الإيقو و رص العساكر رص، و قال أحدهم “ما تجروا ما تجروا..” انا اتعاملت بصورة حرفية مع الطلب ده و ما جريت، لكن مشيت و دخلت في اول باب متاكى من حتت الكتمة.

أول ما دخلتا استوعبتا اني دقستا، لكل الأسباب التأمنية المعروفة لكن خلاص دا الواقع. دخلتا في حوش كدا، و اكون بكضب لو قلت متذكرة تفاصيل مضبوطة عن وصفو و بكره الوصف حق “في منتصفه شجرة غرست جذورها بعمق لا يشبه خفة تساقط أوراقها” المهم الحوش ده طوالي ذكرني عدسة هيتشكوك في الطيور، أو مثلا يشبه المدارس الحكومية القديمة لكن وقت المغرب لمن بتبقى ما مدرسة، بعملية نزع الروح و مغادرة الطلاب.

أول ما دخلتا و مع السلام عليكم الأولى..ظهرو تلاته رجال بجلاليب و شنب كتييييير..و الحمدلله ما اضطريت اعرف نفسي، مباشرة جات بمبانة في الحوش في أبلغ رسالة عن سبب وجودي، طوالي فتحو باب كده و دخلنا جاريين، حته كدا زي برندة منتحلة صفة صالون. واحد من الرجال قال لي أنا فلان، ده بيت شيخ موسى و أنا ود اخوهو و ده اخوهو و ده ولدو. أنا بقيت ما عارفة شيخ موسى هو شخصية معروفة، بحيث انو انتهى التعريف كدا ولا حاكون وقحة لو قلت ليو يطلع مين شيخ موسى؟!

قلت ليو: “معليش انا ما من هنا” غايتو حسيتا اكتر حاجة دبلوماسية في الموقف داك، قام قال لي بثقة: طبعا شيخ موسى ولي من أولياء الله الصالحين. و سكت كم ثانية حقيقة عجبني التعريف، دقيق و يشبه حالة الايقو الحاصلة. طوالي قلت ليو: ماشاء الله. المهم سألوني بطريقة ألية عن المظاهرة و جاوبتا بذات الألية، في واحد تاني قرر يديني الصاعقة و قال لي بطريقة إعتذارية و هجومية في ذات الوقت: طبعا البيت ده مافيو نسوان! و ده كلو العساكر برا في حالة استعراض للبمبان و الرصاص المطاطي اللي كان نجم الفترة ديك.

أنا اذا قالو لي اوصفي البيت ده بكلمة فهي “سروال اب تكة”، يعني سمة سروالية بحته في اي مكان و اي كرسي و اي شماعة و اي زول. طبعا بعد مافي نسوان دي، هم طلعو و خلوني في البرندة العاملة فيها صالون، و طوالي خفتا لانو ماما قالت لي” أوعى يا بت تغتسي ليك في مكان براك و امشي مع الناس..خلي الكسل” بقيت قاعدة قلت خلاص،انا احاول اعرف انو الناس ديل مالهم، يعني زي المخطوفين البفتشو في معلومات عن خاطفنهم، طبعا حسيت روحي دخلت فجوة زمنية..المغرب اذن و الإضاءة بقت خافتة، المكان مليان كتب دينية و فلسفية، شرايط كاسيت، مفكرات حقات أرقام التلفون، روشتات أدوية و الكثير الكثير من سروال اب تكه و خلاص حسيت اني شكلي دقستا في الدخلة هنا.

في اللحظة ديك جا داخل ولد شاب اصغر من أعمامك التلاته و برضو لكن محافظ على الدريس كود..جاب لي كباية حلو مر و جدجد حسيت روحي دخلتا فجوة زمنية، ده رمضان ولا دا شنو، حلومر مع آذان المغرب! انا طبعا قلت مدام انا ما التزمتا بقاعدة ما اغتس في حته براي، حقو ألتزم بقاعدة “ما تشربي ليك حاجة من زول ما بتعرفيو” نظام البت خلاص كفاءة. شكرتا الولد و حسيت انو ممكن القى لي منو معلومة، قلت ليو: انا طبعا ما قايلة ده بيت شيخ موسى! انت بتبقى ليو؟ قال لي بتواضع كدا: ايوا ده جدي قلت ليو: ماشاء الله.. و بقينا ساكتين..و لسه انا دايرا اعرف شيخ موسى بعمل شنو و ما لاقية اي صيغة سؤال! قمت عاينتا لكباية الحلومر و قلت ليو ببلاهة كدا: الليلة صايمين ولا شنو هههه و هو جاوب لي بجدية انو الشيخ صايم و انو الليلة ما شغال، لانو الموكب جمب البيت و صعب زول يجي للعلاج! طبعا يعني فهمتا انو علاج بالقرآن.

الولد مشى و بقيت قاعدة بفكر انا حأطلع من هنا متين، و طبعا الزمن داك كان في موضة ما تشيل تلفونك الموكب و تشيل ربيكا كدا للمكالمات، انا التزمت بالجزء الأول و ما شايلة تلفوني ولا ريبيكا، شايلة لي ورقة فيها أرقام رفاقي هههه و الله المستعان. الوقت داك صوت الضرب برا خفا و العساكر انتهو من العباطة الاستعراضية و انتقلو لمرحلة التفاهة الاصطيادية..يعني يجو يلقطو الناس الفي البيوت القريبة من مكان الاشتباك.

“تعالي برا سلمي على شيخ موسى”

ناداني واحد من الرجال البرا، و قمت طوالي لانو حقيقة كنت محتاجة خطة خروج، مشيت سلمتا على شيخ موسى لقيتو قاعد بقرا في القران بصوت عالي كدا و قالو لي أقعدي. الوقت داك انا في حوش هيتشكوك ده و الباب دقا ..دقة العساكر ديك، و الرجال التلاته بمارسوا في حياتهم عادي، واحد بتوضى و واحد بملى في برميل و التالت فتح الباب. انا طبعا في اللحظة ديك جات في راسي خطة معينة، لكن اتذكرتا السياق البخليني ما بقدر أطرح عليهم نمارس تمثيلية البيضة و الحجر..تمثيلية اني مريضة بتعالج الان عند الشيخ، طبعا لانو ده إقرار من الشيخ على انو دي عملية قابلة للتحول لتمثيلية، المهم السياق ما بسمح بالإتفاق الصريح! قبل أتم أفكاري لقيت في نص الحوش العساكر داخلين و السلاح و الخوذة الما خمج..و عمك الفتح الباب قال ليهم نفس التعريف انو ده بيت الشيخ موسى، للعلاج بالقرآن من المس و السحر.

الشيخ موسى كان لسه بقرا في نفس الصوت، و انا خلاص حسيت روحنا جوا المشهد و بقيت مدنقرة راسي و في حالة انصات كأني في جلسة علاج! و دي اول مرة صراحة انا امشي لشيخ لكن اجتهدتا في المشهد. رفعت راسي عاينتا للعسكري عين جنون على بلاهة، لسان حالها “ياخ خلونا نتعالج احنا ما فاضيين للمواكب و العوارة ديك” العسكري عاين كده و قال ليهم كلام ما متذكروا لكن بلغة الليلة فتقريبا قال “ربنا يولي من يصلح” و آسف على الإزعاج.. و طوالي مرقو خلونا نواصل جلسة العلاج. كانت من اجمل اللحظات! و حسيت بإلفة و حب مبالغ فيو و ما بقدر احتفل معاهم في المقلب العملناو بطريقة فيها المرح الجنوني المتوقع..لأنو السياق مرة اخرى.

لكن تعبيري عن الاحتفال، كان إني قلت صدق الله العظيم و قمتا جبتا كباية الحلومر و شربتا في نص الحوش في نخب الطمأنينة و احساس الانتصار و روح الحب مع رجال السراويل و شيخ موسى. بعداك ادوني اضرب لي أصحابي، وصفتا ليهم مكاني و لقيت روحي بقول ليهم: انا في بيت شيخ موسى بنفس الطريقة الاتقالت لي قبيل.. ودعتهم و شكرت شيخ موسى و رسلو ولدهم الشاب اللي كان سعيد بوجودي زي سعادة اصغر واحد من الاقزام السبعة لما ظهرت سنووايت أو هكذا تخيلت، شيخ موسى قال لي الولد امشي سلم الأمانة لي اهلها و فعلا الولد قدمني لحدي ما ركبت العربية عشان أحكي قصتي قبل ما أقفل الباب زاتو! طبعا بعد ما بقينا تخصص مواكب، كنت بجي بهناك كتير و بشوف بيتهم و الباب متاكى، و لمن يقولو ما تجرو كنت بجري مع الناس، ما عشان خليت الكسل عشان احافظ على شاعرية ذلك اليوم من التكرار و الفناء، و انا طبعا دائما: لا اريد لهذه القصيدة أن تنتهي!


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *