ميلادٌ أخضَر

·

·

للكاتب: عيسى أدم عيسى

 ”وِليداي مَولود فِي تِحِت شَدراي أخضَر وقتين خلّا هِناكا دُنيا خَريف ، حدّو بِدوري شُنوا مِن يوم عيد ؟! … أك أيامو كُلو ولا عيد ياا ؟! ” (1) دخلتُ عاماً جديداً بِلا أيّ إعتراضٍ يُقدّم أو رفض ، الأمرُ طبعاً إجباري حسب المزاعِم ، و الزّعم غالباً يدثر الحَقيقة حتى هي تُثبت نفسها ، أو أنّهُ أقرب الطُرق لوضع أي صِلةٍ تمتُّ بك إلى الحَياة ، أنتَ ميِّت ، ما دُمتَ لا تُحسبُ إنساناً ، إجحافٌ بِحقك أن يحسبوكَ تكبر ، ذاك أنني أكبر وتكبر ضَغينتي تجاه الحياة ، أكبر ويكبر حزني الذي رسم خدوداً يائسة على وجهي ، أكبر و ينكمشُ قلبيَ أكثر فأكثر ، أكبر ويصغرُ الوجودُ في نَظَري ، أكبر ويزيدُ الصدأ على وجهي ، و أكبر و يزداد إنحناء ظهري ، فأنا عمري متوقف لا شيء يسمح لهُ بالتقدُّم ، العمرُ| أي عُمري نفى نفسه بنفسه خارجَ عدَّادات الأعوام. كُل هذا مجرّد عَبث في إثبات الحقيقةِ الواضِحة غيرِ المقبولة طبعاً ، فما دُمتُ أنا الجاني على نفسي ، حينما حاولتُ إخفاء الأحلام و الأماني في المُخيال ، حيثُ أن لا احداً يدركُ مكاني و مكانهنَّ ، إذ بنيتُ| شيّدتُ سجناً لهنَّ ، فما إن إنتهيت منه حتى رأيتُني عالقاً في جوفِه ناسيّاً الخروج مِنه، صِرتُ سجَّانَ نفسي و بدَّدت كلّ ما أملكهُ بِخطأي ، هكذا بقيتُ وحيداً بعيداً عن كلِّ شيء ، وحيداً بعيداً عن كُلِّ شيء. (2) قيل ليّ في حِلمٍ ما لا شيء أكثر حساسيّة من الذاكِرة ، صوتً لا صَدى له ، أحدهُم كان يهتف من بعيد في الظُلمة ، قد تكون روح لم تنتصر إلّا بِطفرِها عن دورة الإنسان المحبوكة ، قد تكون سلّمت لحمها ، ورمت عَظمها وفقدت رونقها ، هربت من السَوْق الجماعي للأرواح العارِجة إلى السماء على يدِ المُكلّف وزبانيته ، من المتوقع أنه أعظم إنتِصار لها ، هو ثأرٌ ونقضٌ لِضمان العودة الأبديّة ، رحلةٌ لم تكُن عادلة ، تدخل البيوت وتصيح في آذان الآدميّ الحالم ، داهم كل شيءٍ وإتصّبر ، تهتف لا شيء أكثر حسّاسيةٍ من الذاكرة ، وهذا من إحتِماليات التخمين والفرضيات طبعاً. أمّا أنا فكنتُ أقول لنفسي قُبيل نومي ذاكرتك حائطٌ مطلي ، كل خَيبة هي حجرٌ رُجِمت به ، إحذر وإنتبه ، كُن لها كالشُِبّاكِ صدّ الحِجارة كي لا تؤذيها ، وفي خِلسة تسلل وأرسم عليها أيامك الجميلة أجعلها لوحةٌ بديعة تفوق جمال واقعٍ تتمناه ، بكلِّ الأحوال في النهاية ميعادكَ إليها ، فطعمُ الماضي فتّاك ، طعمُ الماضي غاوٍ ، لأنك تتقدم وتفقد ، تخسر أجزاؤك تخسر نواتك وحسّ مُمارسة الدُعابات واللحظات السعيدة ، البهيّة ، تُسلب قدرة فتتنازل عمّا كُنتَ تنوي تجربته بِها ، قلتُ لنفسي أتفق مع الصوت ، وفي كِلاَ الحالتين الذاكرة حسّاسة طبعاً ، موجات الحنين تعني مُداعبة النفس بيدٍ خِشنة ، وموجات الندم حِصار مُطبّق على الخدِش لترميمه باللاشيء بالقناعة المفقودة. (3) الثالث عَشر مِن مارِس ، يُصادِف ميلادي الخامِس والعشرون :كان عاماً خارِج أسوار البيت وجغرافيا مدينة نيالا ، كان مليئاً بالتِجوال ، والأسفار والتِطواف لأغراض التعرُّف واقعياً على البلاد ، كان عاماً مليئاً بالحُب الغير مُتبادل ، كان مليئاً بالقلق ، وبإضطرابات الحُب الما خلّت في الروح نفِس ، كان عاماً مليئاً بالأرَق الكَثيف ( الأرق هو أن تجِد شخصاً تُفكِر فيه على طِول الوقت ولا تمِل أبداً) ، كان عاماً مليئاً بِفُقدان النفس ، كان عاماً مليئاً بالإنكِسارات المُتتاليّة ، مليئاً بالإنتصارات الصغيرة ، كان مليئاً بمُهاتفات أخيتي الصغيرونة ، أميرة آدم وكلامها الكتير البيوجع الرأس ( أميرة دي ، وطبعاً أنا بِحب دايماً أنّو أناديها ننّوية يا ننّوية الكِسرا بِموية لإرتباطه بطفولتنا المَلانة رصيد مُضحِك ، أميرة دي عبارة عن كُويكِب صغير كدا بِوسط القلب يجماعة) ، كان عاماً مليئاً بالإفتِقاد الشديد وبالأشواق الدفّاقة المُتوالدة بين الفِنية والأُخرى لأمي العظيمة ، مريم بنت أبكر تاج الدين الفلّاحة التي تربُطها علاقة وطيدة بالحقل والريف ، كان عاماً مليئاً بحديث أُمي البِترددو لي في نهاية كُل مُكالمة بينّا [ أك يا أزرق أُمّو ، حَسابك لألله والرسول مَصيبتكُم الأبت تخلِّص ليكُم دي خلّيها دُد وتعال لي الله والنبي ( المصيبة دي طبعاً قاصدة بيها قِراية الجامعة )] ، وكان مليئاً بحاجات كتيرة ، سِواء أكانت مُبكية ولا مُفرِحة لا يسِع السِرب لذِكراها. المُهم ، العام الجديد الأُضيف لعُمري دا أتمناه عاماً مُغاير للعام السابق بكُل ما إمتَلأ بِه ، وأوسع الحُفر في الجحيم محجوزة للباطلة (لاجسو) ، لأيّ زول/ ة ، مُكرِّهنا بخِطابات نحتَرِمهُم و نحترم مَطالبِهُم وكأنّو خِلافنا معاهُم في عدالة قضيّتهُم. في الآخر لا شيئاً يُقال هُنا سوى ما قاله ناصِر عبدالرحمن فِي ذِكرى المِيلاديّة ، إن لمْ أكُن خجولاً ، سأظل مُمتناً جداً لِمن جَعل لوجودي معنى ، لِمن أعاد الروح إلى الجسد ، وعلِّمني أن أعيش ، وغرس بِذراتُ الأمل على تُربتي التي حسِبتُها حقلاً أجدب ، علِّمني التحديق على الأفق وأن أبصر الضوء في آخر النفق ، وأن أمشي يقظاً مُحدّقاً في بُستانِ أرحب ، للذي غضّ بَصري عن شرط بلادي المُقعد ، وتجاوز عني بلا هرب أُغنيته الدائرية ذات الهم الثابت ، أنا مُمتنّاً ، سأظل مُمتنّاً لِلأبد

💙

!


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *