التحليل الإجتماعي للمهدية (السودان كدراسة حالة )
السياق الديني التاريخي لفكرة المهدي من التراث الإسلامي
من منظور أنثروبولوجي، تُعتبر فكرة “المهدي” في التراث الإسلامي رؤية دينية حول نهاية الزمان وهي ظاهرة ثقافية واجتماعية عميقة، ونموذج أصلي يتشكل ويتجدد استجابة لحاجات إنسانية أساسية كالأمل، والعدالة، والخلاص. تحليل هذه الفكرة يكشف عن كيفية تفاعل النص الديني مع الواقع الإنساني لإنتاج معنى وسلطة وحركة.
فعندما تواجه جماعة ما ظروفاً قاسية من الاضطهاد السياسي، أو الانهيار الاقتصادي، أو التفكك الاجتماعي، تقدم فكرة المهدي تفسيراً ذا معنى. تصبح المعاناة ليست عشوائية، بل هي “الظلم والجور” الذي يسبق بزوغ فجر الخلاص. هذا يمنح المجتمعات قدرة على التحمل ويعطي لمعاناتها غاية، وهذا الأمل الجماعي يعمل كأداة نفسية واجتماعية قوية تمنع اليأس وتحفز على الصمود.
وهي رمز يتم استدعاؤه في أوقات التمزق لإعادة بناء العالم، وتوفير الأمل، ومنح الشرعية للثورة ضد الظلم، وتحويل اليأس إلى مشروع سياسي واجتماعي منظم. إنها الدليل الأنثروبولوجي الأبرز على قدرة الرمز الديني على تشكيل الواقع الإنساني وتغييره.
يتم تفعيل فكرة المهدي عبر طقوس وأداءات جمعية. “البيعة” العلنية، وارتداء زي موحد، وترديد أناشيد أو أدعية خاصة (مثل راتب المهدي)، كلها ممارسات طقوسية ترسخ الإيمان في نفوس الأتباع وتجعل الفكرة واقعاً ملموساً ومشهوداً. إنها تحول الاعتقاد الفردي إلى قوة جماعية منظمة.

في التراث الشيعي: يرتبط المهدي ارتباطاً عضوياً بالإمام الثاني عشر الغائب، مما يمنحه شرعية نسب إضافية ويجعل انتظاره جزءاً لا يتجزأ من بنية الإيمان الشيعي اليومي.
في التراث السني والصوفي: غالباً ما يظهر المهدي كـ “مجدد” عظيم أو وليّ صالح يصل إلى أقصى درجات القرب من الله. في سياقات مثل غرب إفريقيا والسودان، امتزجت فكرة المهدي بعمق مع تقاليد التصوف والكاريزما الروحية لشيوخ الطرق.
من ألعاب الصغار إلى حروب الكبار
مثلت “المهدية” في السودان (حزام السودان الأوسط الممتد من البحر الأحمر وحتى الأطلسي ) ظاهرة اجتماعية ودينية وسياسية معقدة، تركت بصماتها العميقة على بنى المجتمعات وهويتها حتى يومنا هذا. لم تكن المهدية السودانية مجرد ثورة ضد الحكم التركي-المصري، بل كانت حركة تغيير اجتماعي شاملة، استلهمت التراث الديني لإعادة صياغة الواقع.
ويمكن فهم أبعادها الاجتماعية من خلال تحليل مصادرها التاريخية والأحداث التي شكلتها، بما في ذلك تجلياتها في الثقافة الشعبية، مثل لعبة “المهدي والكفار” التي كان يلعبها الأطفال في مدينة الأبيض.
السياق الأنثروبولوجي لهجرات من غرب أفريقيا
منذ حوالي القرن 16 م شهدت منطقة الحزام الأفريقي السوداني جنوب الصحراء هجرات بسبب الحروب ووقوع السودان في طريق الحج الجغرافي وكانت معظم الشعوب المتحركة أتباعاً لكل من التيجانية والقادرية، وهما طريقتان لهما مفاهيم عن “المهدي” و”الإصلاح الروحي”، كما نجد نبؤة قديمة في المخيال الشعبي لغرب أفريقيا، المهدي شخصية مقدسة سيظهر من “المشرق”، والبعض ربط السودان بظهور المهدي، وفي نهاية القرن الثامن عشر التقت تصورات “الخلاص الديني” بالحنين التاريخي للجهاد والعدل.
عاش غالبية مهاجري غرب إفريقيا على هامش المجتمع السوداني قبل الثورة المهدية. كانوا يُعتبرون غرباء، ويعملون في مهن بسيطة كعمال زراعيين أو حطابين، ويواجهون تمييزًا من القبائل المهيمنة، فتم كسر الهوية القديمة عندما جاءت دعوة المهدي لتُقدم لهؤلاء المهاجرين المهمشين فرصة تاريخية. فمن خلال مبايعة المهدي، لم يعودوا مهاجرين بل أصبحوا جزءًا من هوية إسلامية عالمية جديدة ومُشرّفة هي “الأنصار”.
السياق التاريخي
أهم حدث مهّد للثورة كان تطبيق سياسات اقتصادية قمعية. فرض الحكام الأتراك-المصريون ضرائب باهظة على السودانيين، شملت كل شيء تقريبًا: الأراضي، المحاصيل، الماشية، وحتى الأفراد أنفسهم. كان يتم تحصيل هذه الضرائب بقسوة شديدة وعنف، مما أدى إلى إفقار السكان ودفع الكثيرين إلى ترك أراضيهم والهرب.
تهميش الطرق الصوفية الدينية وإضطهادها، و يمكن القول إن الطرق الصوفية كانت بمثابة “الوعاء” الاجتماعي والروحي الذي تشكلت فيه فكرة المهدية. لقد هيأت العقول لتقبل فكرة القائد الروحي المُلهم، ورسخت بنية تنظيمية قائمة على الولاء والطاعة، ونشرت التطلعات لظهور المخلّص. وعندما حان الوقت، خرج المهدي من صلب هذا الوعاء، أوعية قدمتها طرق مثل السمانية والتيجانية، وفكرة (الختم) عند الختمية وغيرها، ليقدم نفسه على أنه تحقيق لكل هذه التوقعات، مستخدماً أدوات الصوفية نفسها لبناء حركته الثورية.

التحليل النفسي لفكرة المهدية
بعض مدعي المهدية يظهر عليهم نمط من اضطراب الشخصية أو الذهان المصحوب بأفكار عظمة ، حيث يتخيل الشخص أنه المختار من قبل الله لتغيير العالم، دون وجود دلائل عقلانية. وهو شكل من أشكال جنون العظمة وفي أحيان كثيرة، يكون الشخص مصابًا بفصام أو اضطراب ذهاني مؤقت، حيث تظهر “رؤى” أو “أصوات” تؤكد له اختياره.
يعاني بعض الأفراد من حرمان نفسي طويل الأمد، سواء من الاعتراف الاجتماعي أو النفوذ، فيلجأ إلى بناء صورة “مخلّص” تمنحه وجاهة، خاصة في مجتمعات تؤمن بالرموز الدينية.
تظهر فكرة المهدي للاستجابة لأزمة جماعية في فترات الاحتلال أو القهر أو الفقر الشديد، يبحث الناس عن رمز يجسد الخلاص، فيظهر شخص يعبّر عن مشاعر الجماعة ويدعي أنه المهدي، ويجد تجاوبًا.
و في الوعي الجمعي في الثقافات الإسلامية ينتظر ظهور “المهدي المنتظر” منذ قرون، فيعمل العقل الجمعي أحيانًا على إنتاج هذا الرمز داخل شخص يملك كاريزما أو يمر باضطراب.
وفي التحليل النفسي عند فرويد يظهر أن ادعاء المهدية يعكس رغبة لاواعية في العودة إلى الأب/الزعيم المفقود، وهي محاولة بدائية لبناء نظام أبوي قوي يحمي الجماعة من الفوضى. أما عند كارل يونغ فشخصية المهدي تمثل “النموذج الأصلي للبطل/المنقذ في اللاوعي الجمعي، ويظهر في أوقات الأزمات عبر “حامل” لهذا الرمز.
وكم مهدي في الأسمال ظهر
وحلو إنتِ ظالمة، وكتشنر
وكان المترجم اعتذر
وكان الشعر وليه بكرة دوبيت.!
ينزل ظلام
ما زاد حسنك سوى تأويل
أستاهل الطاؤوس
واستاهلك يا ليل.
ع خيري
أولاً: حركات ما قبل المهدية الكبرى (أواخر القرن 18)
كانت فكرة المهدي المنتظر حاضرة بقوة قبل ظهور محمد أحمد، وظهرت حركات تمهيدية وإن كانت محدودة التأثير.
“المهدي الأول في سنار”
(غير محدد الاسم) الفترة: أواخر القرن الثامن عشر. المكان: سلطنة سنار.
تفاصيل: تشير بعض المصادر التاريخية إلى ظهور شخصية ادعت المهدية خلال فترة ضعف سلطنة سنار. كانت حركته محدودة وتم القضاء عليها بسرعة من قبل حكام الفونج، لكنها تظهر أن فكرة المهدي كانت أداة سياسية ودينية مستخدمة حتى قبل الغزو التركي المصري.
حمد النّحْلان بن محمد البديري المشهور بود الترابي
وقد أورد دكتور حسن مكي في كتابه الثقافة السنارية: المغزى والتحدي يؤكدها بقوله:( أما في السودان فإن أول من ادعى المهدية هو “حمد النحلان المعروف بود الترابي”).
المكان : مكة ولم يجد فيها قبولاً(حسب ود ضيف الله) وكان من قبل قد أرسل أحد حواره (يُسمى ميرفا) الى منطقة سنار مبشراً بمهديته.. فأمر الملك بادي أبودقن بقتله.
الفترة الزمنية : القرن 17
ثانياً: الثورة المهدية الكبرى (1881 – 1885)
هذه هي الحركة التي أسست للدولة المهدية وغيرت تاريخ السودان بشكل جذري.
محمد أحمد بن عبد الله (المهدي الأشهر)
الفترة: أعلن دعوته في يونيو 1881.
المكان: بدأت دعوته من الجزيرة أبا في النيل الأبيض، ثم امتدت لتشمل كل السودان تقريبًا، واتخذ من الأبيض ثم أم درمان عاصمة لدولته.
نبذة: هو صاحب الثورة المهدية الكبرى والناجحة التي أدت إلى إنهاء الحكم التركي المصري في السودان وتأسيس الدولة المهدية (1885-1898). وتعتبر حركته هي الأوسع والأكثر تأثيرًا وبها ارتبط لقب “المهدي” في السودان.
ثالثاً: حركات معاصرة للمهدية وبعدها (فترة حكم الخليفة عبد الله التعايشي 1885 – 1898)
في هذه الفترة، كان ادعاء المهدية أو النبوة غالبًا تعبيرًا عن معارضة لحكم الخليفة عبد الله التعايشي.
“مهدي دارفور” – أبو جميزة (هارون بن عبد الله)
الفترة: حوالي عام 1888.
المكان: غرب السودان، وتحديدًا في دارفور.
نبذة: قاد حركة تمرد واسعة ضد الخليفة عبد الله التعايشي. استغل سخط بعض القبائل وادعى المهدية لجذب الأتباع، لكن جيوش المهدية بقيادة عثمان آدم (جانو) قضت على حركته.
علي الميراوي (التهامي)
الفترة: حوالي عام 1891.
المكان: منطقة النيل الأبيض بالقرب من الحلاوين.
نبذة: ادعى أنه “النبي عيسى”. كانت حركته محدودة وتمكنت سلطات الدولة المهدية من القضاء عليها بسرعة وإعدامه.
محمد زين (لُقب بزين الكذاب)
الفترة: في عهد الخليفة عبد الله التعايشي (غير محددة بدقة، لكنها ضمن 1885-1898).
المكان: منطقة الجزيرة.
نبذة: كان من أتباع محمد أحمد المهدي، لكنه انشق وادعى أنه هو المهدي الحقيقي. لم تكتسب حركته زخمًا وتمكن الخليفة من القضاء عليه.
رابعاً: حركات فترة الحكم الثنائي (1899 – 1956)
بعد سقوط الدولة المهدية، أصبحت فكرة المهدية رمزًا للمقاومة ضد المستعمر “الكافر”.
“مهدي سنار” – محمد الأمين بن عبد الله
الفترة: حوالي عام 1906.
المكان: منطقة جبال تقلي في كردفان.
نبذة: استغل الفوضى بعد الغزو الإنجليزي المصري وادعى المهدية معلنًا التمرد ضد الإدارة الجديدة. تمكنت القوات البريطانية من إخماد حركته.
محمد الأمين (1903)
ادعى في عام 1903 أنه المهدي المنتظر في جبال تقلي (في السودان)، لكنه اعتُقل وشُنق في 27 سبتمبر من نفس العام. وتبين لاحقًا أنه مجرد رحّالة أو مدعي غير موثوق.
“مهدي جبال النوبة” (اسم القائد غير موثق)
الفترة: حوالي 1910-1912.
المكان: جبال النوبة، كردفان.
نبذة: قاد زعيم ديني تمردًا رافعًا راية المهدية ضد الإدارة البريطانية، وتم إخماد حركته بحملة عسكرية.
“مهدي النيل الأزرق” – عبد الله السحيني
الفترة: عام 1919.
المكان: منطقة أم بريبري بالنيل الأزرق.
نبذة: أعلن السحيني نفسه المهدي المنتظر، ودعا الناس إلى مبايعته للجهاد. نجح في جمع عدد من الأتباع من الفلاحين المحليين.
قاد حركة دينية ضد الحكم الثنائي، معتبرًا إياه حكمًا “كافرًا”. ادعى المهدية قبل أن تقضي عليه القوات الحكومية.
“مهدي نيالا” – الفكي علي
الفترة: عام 1921.
المكان: نيالا، جنوب دارفور.
نبذة: أعلن نفسه المهدي المنتظر ودعا للجهاد ضد الإدارة البريطانية. هاجم المركز الحكومي في نيالا وقُتل في المواجهة.
خامساً : مهديون معاصرون
سليمان أبو القاسم المنحدر من قبائل المسيرية (الخرطوم) (سجن في عام 2012).
الروائي والكاتب محسن خالد – الكاتب والاديب. (المهدى المنتظر / يحي بن زكريا / النبي الطاير )
محمد محمود. (رسول الله والمهدي المنتظر). من قرية الخندق في شمال السودان. اعلن دعوته على الفيسبوك. توقفت آخر كتاباته في عام 2018م.
المهندس الزراعي محمد ( الاسم الأصلي مجهول). (نبي آخر الزمان) . اعلن دعوته عام 2005 وتم ابعاده خارج السودان الى القاهرة مرتين ومصادرة جوازه.
عبد الله ماهر كورينا ( كتب عدة مقالات يلمح فيها انه المهدي المنتظر وقال ان المهدي خرج عام 2020 وان اسم المهدي هو عبد الله وليس محمدا) – ناشط بالإنترنت.
مهدي الكدرو : الاسم: غير محدد بوضوح في النقاشات، ويُشار إليه غالبًا بـ “مهدي الكدرو”.
المكان: منطقة الكدرو، شمال الخرطوم بحري. تاريخ الادعاء: انتشرت مقاطع فيديو لشخص يخطب في مجموعة من الناس وظهرت النقاشات ومقاطع الفيديو حوله بشكل ملحوظ في الفترة ما بين 2022 و 2023.
مهدي أمبدة : الاسم: غير محدد، ويُعرف بـ “مهدي أمبدة”. المكان: منطقة أمبدة، أم درمان. تاريخ الادعاء: ارتبط ظهوره بالفوضى الأمنية التي شهدتها المنطقة خلال الحرب الأخيرة(2023-2024). تحدثت منشورات متفرقة عن ظهور شخص في أحد أحياء أمبدة يدعي المهدية ويجمع حوله عددًا من الأتباع. وكغيره من المدعين، يتم التعامل مع أخباره على أنها جزء من الظواهر الغريبة التي أفرزتها الحرب، ونادرًا ما تؤخذ على محمل الجد خارج نطاق النقاشات المحلية.
النذير – مدينة بارا – الاسم: شخص يُلقب بـ “النذير”. المكان: مدينة بارا، ولاية شمال كردفان.
تاريخ الادعاء: ظهر اسمه في نقاشات خلال عام 2023. على عكس الآخرين، ارتبط اسم “النذير” بشخصية يُقال إنها لا تدعي المهدية بشكل مباشر، بل تدعي أنها “نذير” أو “ممهد” لظهور المهدي. تم تداول أخباره في نطاق ضيق، وغالبًا ما يتم ربطه بالأحداث الأمنية في كردفان.
المهدي ذو القرنين، تاريخ 2025 – يتميز برنامجه الديني برؤية سياسية حول دمج الجيوش وقطرية الدعوة وقيام حكومة كفاءات – مكان نشر الدعوة : فيسبوك.
اترك تعليقاً