مصير عصا نقوندينق الطقوسية (دانغ) -1

الكاتب: دوغلوس جونسون
ترجمة: أتيم سايمون

المقدّمة

تمثل النبوءة بين شعب النوير في جنوب السودان تقليدًا حيًا مستمرًا، فقد لعب الأنبياء في النزاعات الأخيرة أدوارًا محورية، سواء في تعبئة الناس للحرب أو في صناعة السلام. تاريخيًا، كان أشهر أنبياء النوير هو نقوندينق بونق، الذي تم حفظ تنبؤاته في أغاني ذائعة الصيت على نطاق واسع، ويعتقد الكثيرون أنها تنبأت بأحداث البلاد الجارية.

عندما قُتل ابن نقوندينق، قويك، على يد البريطانيين عام 1929، صودرت الرموز الرسمية التي ورثها عن والده. وبعد نحو ثمانين عامًا، وتحديدًا في عام 2009، قبيل استفتاء جنوب السودان والاستقلال، أُعيد أحد هذه الرموز، وهي عصا احتفالية مصنوعة من الخشب والمعدن تُعرف باسم دانغ، والتي كانت محتجزة بحوزة خاصة في إنجلترا، إلى جنوب السودان بواسطة المؤرخ دوغلاس جونسون. وقد استُقبل وصول العصا إلى جوبا بالاحتفال، حيث استلمها نيابة عن الأمة نائب الرئيس آنذاك، ريك مشار.

لكن ذلك كان آخر ظهور علني للعصا، ومنذ ذلك الحين أصبح مكانها مجهولًا. ففي منتصف عام 2013، أقال الرئيس سلفا كير ريك مشار من منصبه، وما لبث أن اندلعت القتال في جوبا في ديسمبر، فرّ مشار من العاصمة وأعلن تمردًا، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.

في هذا المقال، وهو نسخة محدثة من نص نُشر أصلاً في Sudan Studies (يوليو 2009)، يروي دوغلاس جونسون قصة عصا نقوندينق (دانغ) ودورها في إعادتها، محللاً أهميتها في تاريخ جنوب السودان وسياق الأحداث الجارية.

تاريخ العصا الطقوسية (دانغ):

عاش نقوندينق بونق، أشهر أنبياء النوير، تقريبًا بين عامي 1830 و1906. كان والده، بونق شان، يُلقب بـ كوآر مون (“سيد الأرض” أو “زعيم جلد الفهد”)، وكان أصله من بول نوير في غرب منطقة النوير، وانتقل للعيش بين قاجوك في الشرق، قرب الحدود الإثيوبية. أما والدته، نياييل، فكانت من لو نوير.

تم تكريس نقوندينق ضمن الفئة العمرية ثوت حوالي عام 1855، لكنه بدأ يعاني منذ عام 1860 من نوبات اعتُبرت في البداية علامات جنون. انتقل للعيش بين أهل والدته، الذين لم يكونوا أكثر ترحيبًا بالبداية، وأطلقوا عليه لقب “أبله نياييل”. ومع ذلك، بدأ لو نوير تدريجيًا في إدراك سلوكه الغريب ليس كجنون، بل كإشارة إلى ارتباطه الإلهي بكوث (الله أو الروح الإلهية)، وبشكل محدد بالإله دينق.

طوال حياته، حافظ نقوندينق على سمعته كصاحب سلطة الحياة والموت. ومن خلال التحدث بصوت دينق عبر أغانيه وصلواته، كان يعلن فلسفة اجتماعية للسلام تدين النزاعات الداخلية بين النوير والغارات على جيرانهم من الشعوب الأخرى.

بنَى نقوندينق كومة أرضية مخروطية كبيرة، أو بييه، في ويديانق، على بعد نحو خمس أميال شمال وات، في ما يُعرف اليوم بولاية جونقلي، وجذبت هذه الكومة زوّارًا من مجموعات عرقية مختلفة—من النوير والدينكا والأنوك وغيرهم.

ومن بين أدواته الطقوسية، غليون نحاسي (تونج) صنعه حداد من الأنوك، وعصا احتفالية تُعرف باسم دانغ، التي يوليها النوير أهمية كبيرة، معتبرينها جزءًا من التراث المقدس.

صُنعت العصا الطقوسية (دانغ) من جذع شجرة كوت أو التمر هندي، ويبلغ طولها حوالي 110 سم، ومزينة بأسلاك نحاسية. ويُقال إنها انكسرت في معركة بادينق حوالي عام 1879، وهي المعركة الوحيدة التي خاضها نقوندينق دفاعًا عن النفس حين غزت أراضي اللو نوير جماعة الدينكا المجاورة، ومنذ ذلك الحين أُطلق عليها اسم “دانق المكسورة”.

بعد وفاة نقوندينق، ادعى ابنه قويك أن روح دينق حلت عليه، فتولى امتلاك آثار والده، بما في ذلك الغليون والعصا الطقوسية. بحلول ذلك الوقت، كان السودان تحت الاحتلال البريطاني والمصري، ودخل قويك في صراع مع الحكومة، فاستشهد في معركة مع قوات الدفاع السودانية في 8 فبراير 1929، وأخذ الضباط البريطانيون مقتنيات والده كغنائم.

تم حفظ الغليون النحاسي وطبل صغير (بول) لاحقًا في متحف الإثنوغرافيا بالخرطوم، وأُعيدا إلى لو نوير بأمر رئاسي عام 1978، ومنذ ذلك الحين حافظ على سلامتهما أحفاد نقوندينق المقيمون بالقرب من ويديانق.

لكن دانغ بقي غائبًا. ففي الفترة 1975–1976، حين بدأت أعمالي البحثية بين لو نوير، أُخبرت أن دانغ قد ضاعت في الحشائش والمستنقعات يوم قتل قويك. ولم أكتشف الحقيقة إلا بعد عودتي إلى إنجلترا، حيث علمت أن بيرسي كوريات، المفوض الإداري بين لو نوير في ذلك الوقت، أخذها معه. وكان كوريات أول مفوض إداري بريطاني يتعلم لغة النوير، وعُرف بينهم بسمعته الصارمة والمهيبة.

كانت دانغ حينها بحوزة أرملة كوريات، كاي كوريات، وعندما بدأت بحثي، أخبرت بيتر قاتكوث—وهو من لو نوير وكان محافظًا لمديرية أعالي النيل—بما اكتشفته. وعندما نُقل الخبر إلى شيوخ لو نوير، أعربوا عن قلقهم العميق، مؤكدين أنهم لن يجدوا السلام الحقيقي حتى تُعاد دانغ إلى مكانها الطبيعي.

بعد وفاة كاي كوريات، ورثت دانغ ابنتها أونور باينز، التي وافقت على ضرورة إعادتها إلى عائلة نقوندينق وإلى لو نوير، غير أن الحرب الأهلية الممتدة بين 1983 و2005 كانت قد بلغت أوجها، مما أعاق إعادة العصا في ذلك الوقت.

ومع مرور الزمن، طرحت أونور باينز دانغ في مزاد علني عام 1999، إلى جانب تذكارات أخرى تخص والدها، فاشتريتها بنية إعادة العصا إلى عائلة نقوندينق وإلى لو نوير لتكون مع الغليون والطبل في ويديانق حين تسمح الظروف بذلك.

وأخيرًا، أتاح اتفاق السلام الشامل عام 2005 وإقامة حكومة جنوب السودان إمكانية إعادة دانغ. فقد أتمّ مساعدي البحثي السابق، غابرييل قاي ريام، دراسته في اللاهوت بإدنبرة في العام ذاته، ونوقشت معه الظروف الأنسب لإعادتها. وبحلول عام 2008، أصبح غابرييل وزيرًا لشؤون مجلس الوزراء في حكومة ولاية جونقلي، ورتب اجتماعًا في مطلع العام الجديد مع حسين مار، نائب حاكم ولاية جونقلي ومن لو نوير أيضًا، حيث اتفقنا على أن أحضر دانغ معي في زيارتي المقبلة إلى جوبا، تاركين لهم ترتيب عملية التسليم والتنسيق مع ريك مشار، نائب الرئيس آنذاك، لضمان إعادة العصا بأفضل صورة.

كان ذلك آخر ما سمعت عنه لأشهر قليلة، ثم انتشرت في أبريل إشاعات على الإنترنت تفيد بإعادة دانغ. ونشر موقع سودان تريبيون تقريرًا ذكر أن «السلطات البريطانية» أبدت موافقتها على إرجاع العصا بعد احتجازها في لندن نحو ثمانين عامًا، وأنني سأرافق عملية الإعادة، مما أثار استفسارًا من مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث.

تمكنت من التواصل مع حسين مار، وبعد عدة مكالمات هاتفية، تواصلت أخيرًا مع ريك مشار، الذي أصرّ على إقامة استقبال رسمي لعصا دانغ لدى وصولها إلى مطار جوبا. وبناءً على اقتراحه، صغت رسالة توضح سبب حملي لجسم نحيف وطويل ذا مظهر مهيب، ووُضعت دانغ في حقيبة مُصممة لبندقية قناص، لتكون وسيلة الحماية الوحيدة المتاحة.

وصول دانق إلى جوبا:

حلّقت الطائرة من نيروبي نحو جوبا، عاصمة جنوب السودان، وعلى مدرج الهبوط كان هناك حشد صغير خارج صالة كبار الشخصيات، يرافقه صفّ من السيارات الرسمية تومض أضواؤها وتصدر صفارات إنذار. ظنّ بعض ركاب الطائرة أن الأمر يخص الرئيس سلفا كير، لكن الحقيقة كانت أن الرئيس الجنوب أفريقي السابق، ثابو مبيكي، حاضر في مهمة سلام تابعة للاتحاد الأفريقي.

كان نائب الرئيس، ريك مشار، موجودًا لاستقبال مبيكي، لكنه اختصر مراسم الترحيب بسرعة. ولعلّ أكثر ما لفت الانتباه تعليق مبيكي عند تسليم دانق إلى وزير شؤون مجلس الوزراء في حكومة جنوب السودان: «آه، هذا هو الحدث الثقافي للنوير».

مع نزولي من الطائرة، بدأت دفعات أخرى من الحضور بالوصول على متن سيارات بيك أب، حاملين لافتات تمجّد نقوندينق وترحب بـ دانق. كان جون لوك، وزير الطاقة والتعدين، يتقدّم مجموعة رسمية لاستقبالي، فاقترحت أن نسترجع دانق من غرفة الشحن أولًا قبل أي مراسم رسمية مخطّط لها.

عندما استدرنا نحو جانب الطائرة حيث تُنقل البضائع، علت صيحات الحشد، واندفع النوير نحو مؤخرة الطائرة، محاطين بعربة الأمتعة، ممددين أعناقهم ليلمحوا داخل غرفة الشحن. وعندما دفع أحد موظفي تحميل الأمتعة صندوقًا طويلًا ونحيفًا من الورق المقوى، ارتفعت صيحة أخرى، وتبادل الناس الهتافات والتكبيرات، في حين بدأ البعض يتسلق العربة بحماس وترقّب.

صرخت: «هذا ليس هو!» لكنني كنت قد دفعت إلى مؤخرة الحشد، ومثل هذا كان موقعي المتكرر معظم اليوم. حاولت الشرطة تشكيل طوق حول العربة، ودفعني أحدهم إلى غرفة الشحن المفتوحة لاستعادة أمتعتي، فوجدت الحقيبة التي تحتوي على دانق وسحبتها للخارج.

بعد فترة قصيرة، ظهر نائب الرئيس وسط الحشد، مرتديًا بذلة وربطة عنق، وعلى قبعته ذات الطراز السفاري ريشة نعام بيضاء، حاملاً رمحًا قصيرًا من الألمنيوم مزخرفًا، ذو طرف غير حاد. تبعه قليلًا غابرييل قاي ريام، مساعدي البحثي السابق، فارتحت لرؤيته هناك. سلّمت حقيبة القنّاص إلى نائب الرئيس وصافحت غابرييل، فرفع ريك الحقيبة وسط صيحات مدوية ومضى قدمًا، وتبعه شخص آخر حاملًا حقيبتي.

عند نزولي من العربة، كان الحشد قد أفرغ الطائرة وتوجه، ليس نحو الصالة، بل دار حولها متجهًا إلى موقف السيارات أمامها.

بدا لي أن الحشد كان منقسمًا بين شيئين متشابهي اللون، لكن مختلفين تمامًا: حقيبة القنّاص التي تحتوي على دانق، وحقيبتي التي تحتوي على ملابسي.

تتبعت الحشد متأخرًا، إذ أوقفني الناس لمصافحتي. «هل أنت دوغلاس؟» كانوا يسألون، ثم يضيفون: «شكرًا لك!» مررت بـ سكاي ويلر، مراسلة وكالة رويترز، وهي تجري مقابلة مع شاب يحمل لافتة مكتوب عليها: “نقوندينق بونق من أجل جنوب السودان”.

كان هناك تدافع بين الناس والسيارات في موقف المطار، بعضهم ركاب عاديون يحاولون الفرار ويواجهون صعوبة أمام حشد النوير الذي سد الطريق. وأخيرًا، أُوصلت إلى المكان الذي كان يقف فيه ريك مشار وزوجته أنجلينا، وزيرة الدولة للطاقة والتعدين، بجانب ثور أبيض للتضحية بقرون متفرعة. كان التدافع شديدًا، حتى خشيت أن يصاب أحدهم بأذى نتيجة هياج الثور في لحظات موته، لو حاول أحدهم طعنه بالرمح.

تساءلت نصف تساؤل عما إذا كان ريك سيحاول تقليد أحد الأعمال المنسوبة إلى نقوندينق، الذي قيل إنه قتل ثورًا بمجرد هز دانق نحوه، ولحسن الحظ اكتفى بلمس الحيوان رمزيًا برمحه من الألمنيوم غير الحاد. وقد ضُحّي بالثور لاحقًا في موقف سيارات المطار بعد مغادرتنا.

حضرت إلى السودان بصورة غير رسمية، إذ لم يُفحص جواز سفري، ولم تُختم تأشيرتي، ولم تُخَلَّص أمتعتي من الجمارك، وضحك ريك مشار قائلاً إنه سيتولى هذا الأمر بنفسه.

في قصر نائب الرئيس، مبنى من طابق واحد ضمن مجمع قيد الإنشاء، جلسنا في غرفة الجلوس المكيفة، وكانت حقيبة القنّاص موضوعة على الطاولة أمام الأريكة. غنى رجلان نويريان طويلان جدًا، مرتديان جلود الفهد، أغاني نقوندينق، عازمان على أداء كل أعماله الغنائية، وهو ما كان سيستغرق أيامًا، حتى تدخل ريك وأمر بوقف الغناء.

أما حسين مار، فكان لا يزال منشغلاً في جونقلي بترتيب اتفاق السلام بين مقاطعات الولاية. بينما كنا ننتظر إعادة تجمع الحشد، رأيت عبر النوافذ صبية صغارًا يحملون صناديق مياه على رؤوسهم لتوزيعها على الحاضرين، في حين كانت أصوات الطبول والبوق وأجراس الأبقار تصلنا مع وصول المزيد من الناس.

وأخيرًا، عندما تجمّع عدد كافٍ وضبطت أجهزة الصوت والصورة، سِرنا على الممرات الخرسانية نحو ساحة كبيرة مهجورة، كانت مليئة بمواد البناء. جلسنا على كراسي وأرائك تحت بعض الأشجار الظليلة، وجلس ريك وأنجلينا معًا على أريكة كأنهما من العائلة المالكة، وكانت حقيبة القنّاص موضوعة على طاولة القهوة أمامهما.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *