محموديات

·

·

,
الكاتب: أيمن هاشم

١٤ يناير/ كانون الثاني قبل تسعة أعوام الموافق يوم الإثنين أعلنت مستشفى أردنية وفاته سريرياً، ظلّ وقتها المغني الشاب المُلقب بالحوت متشبثاً بالحياة، ظلت أعضاء من جسمه تعمل بالرغم من توقف الدماغ عن العمل، وربما ظل قلبه يعمل لأسبوع كامل، هذه المقاومة الشرسة للفناء هي ما ميز أسلوبه الغنائي، أسلوب حياته، تصفيفة شعره.

هذا ما يجعلنا نتساءل ما الخلود؟ إذا كانت مدينة بحري مسقط رأسه في ذاتها مازالت تقاوم- بطريقتها الخاصة، تُحاول أن تنفي فناء الحوت.

***

لماذا لدى محمود عبدالعزيز تلك المقدرة الصوتية الرهيبة، فكل جيل يأتي ليحتكر الحوت، يجد أن ودالمزاد قد إنتشر في الحقب التي تليه، فيكون بذلك الحوت هو الفنان الذي يسبح في البحار الزمنية كلها، محمود ظهر قبل إنقلاب الحركة الإسلامية وإستمر.!

لماذا لدى محمود تلك المقدرة على الإستمرار بهذه الكثافة، ببساطة لأنه يغني بأصوات الغرائز القديمة، يغني بالصوت الحزين كأنه أول شخص إكتشف البكاء، ويغني بصوت الندم كأنه أول شخص فعل النحيب والرجاء، ويغني بصوت الأبدية كأنه أول شخص إكتشف الخلود.

***

يُحكي أن الشيخ الشنقيطي الذي إبتلع تسع وتسعون شيخاً سالباً إياهم أنوراهم وبركتهم، عند مجئه إلى منطقة أم ضوبان قاصداً الفتى أحمد ودعبيد ود بدر، وبدخوله لمسيد أم ضوبان وجد الفتى وإستشعر أنواره، أظهر له الفتى خضوعاً جماً، لجمال ما رأى، وقتها فتح الشنقيطي فمه ليبتلع الفتى، فوجئ الشنقيطي بأنه لم يكن سوى في فم أحمد ود عبيد ود بدر وإبتلعه الفتى، الذي سمي آنذاك ببلاع المئة.

في مواسم الحزن البعيدة، عندما صارت الحناجر خناجر، و الموسيقى مدعاة للموت، أهازيج الجنائز تملأ الشوارع.

ظهر مغني شاب إسمه محمود، لقبوه بالحوت، لأنه عندما يغني أغنية مع فنان أخر يبتلعها، سالباً إياهم جمالها فتصير له، في أحيان كثيرة يتوقف الفنان عن أداء تلك الأغنية، محمود ماتريوشكا كبيرة إستمرت لسبعون عام.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *