لغة الألوان الخفية في الثقافة السودانية

تكتسب الألوان في الثقافة السودانية أبعاداً أكثر من مجرد زينة بصرية؛ فهي تحمل دلالات رمزية عميقة تتشابك مع الحياة الاجتماعية والطقوس اليومية. يرتبط استخدام الألوان ارتباطاً وثيقاً بالحماية من الشرور، حيث تُستخدم الألوان الحرزية كدرع رمزي لصد الأرواح الشريرة والعين الحاسدة.

هذه الممارسات، التي تضرب بجذورها في المعتقدات الشعبية، توظف الألوان كوسيلة للحفاظ على النفس، والمال، والمكانة الاجتماعية من أي طاقة سلبية. وبالتالي، يصبح اللون أداة قوية في الخطاب الاجتماعي، لا تقتصر وظيفته على الجانب الجمالي، بل تتعداه إلى كونه عنصراً أساسياً في حماية الإنسان وممتلكاته من الأخطار غير المرئية.

اللون كرمز للحماية (طقس الجرتق)

في طقوس (الزواج) يتموضع الجرتق هو طقس تقليدي في حفلات الزواج السودانية، يتميز بملابس وألوان خاصة، ويُعتبر رمزًا للبركة والتجديد والفرح. وهو ليس فقط طقسًا جماليًا، بل عادة اجتماعية وروحية وهي كلمة يرجح أنها من أصل نوبي تعني صاحب الجوهرة أو صاحب الخرزة، وهي من لفظ جت كورت النوبية وهذ المعنى ياتي من المعتقدات القديمة بالنسبة للنوبيين بمعنى أن الجرتق عبارة عن أسبار مورست خوفاً من الالهة كمعتقدات دينية تجتمع أدوات طقس الجرتق في (صينية الجرتق) حيث تحوي منظومة أدوات مادية ذات دلالة لون وشكل وبذلك تشكل أنموذجاً للدلالات الاجتماعية للون، فهو من أقدم طقوس الزواج في السودان وإن اختلف في بعض تفاصيله من منطقة لأخرى وهو يمثل رأس الاحتفال بالزواج ويعد من الطقوس المستمرة والتي تتمثل بها وصف المنظومة الرمزية المتكاملة حيث تتعدد به دلالات اللون والشكل وسوف نتخذه كنموذج لطرح دلالات اللون في الخطاب الاجتماعي.

الفضاء الذي يتمحور حوله الجرتق يعزز هذه الدلالة إضافةً للدلالات الحرزية لمنع الشر أو التي تكرس للحفظ ودفع الأمل لتحقيق نوايا غيبية. ويصبح اللون هناك كأنه يستدعي تلك النوايا الغيبية لكي تحقق وتصبح كائنة في واقع الفضاء الاجتماعي. وأهم هذه النوايا الغيبية التي تكرس لها رمزية اللون الأمل في الإنجاب أو الزيادة بصفة عامة، زيادة الرزق والبنين إضافة إلى التكريس والتعزيز للسلام والأمان والصحة . فمثلاً : اللون الأحمر يُرمز إلى الحب، الفرح، الطاقة، والخصوبة. يُعتبر لون الحماية من العين والحسد، ويُستخدم بكثرة في زي العروس. و الذهبي يرمز إلى الثراء، البركة، والمكانة الاجتماعية. يُستخدم في التطريز والمجوهرات. ثم الأبيض يدل على النقاء، الصفاء، والبدايات الجديدة. يُستخدم في الطرحة (أغطية الرأس) أو بعض تفاصيل الزينة. وكذلك الأخضر يرمز إلى الحياة، النمو، والخصوبة. لون مريح يبعث الأمل والتفاؤل. بينما  الأسود (أحيانًا) يستخدم للتوازن أو كخلفية لزينة العروس، ويرمز إلى الوقار والغموض.

اللون الأبيض

ارتبط اللون الأبيض تاريخياً برمزية الطهارة والنقاء، ولذلك يقال ان شخصاً ما (نيته بيضاء) أي أنه لا يضمر شراً، واللون الأبيض هو لون جلابية الزواج للرجل، والزواج طقس عبور، فيبعث اللون الأبيض رسائل لاواعية من ضمنها الشعور بالطمأنينة، ولذلك في عقد القِران يرتدي الرجال اللون الأبيض في دلالة على نية طيبة، وفي أغنية الحفل (يا عديلة يا بيضا، يا ملايكة سيري معاه) ففي هذا الطقس يعتقد الناس بوجود الملائكة لحظة اجراء مراسم الزواج.

كما يظهر اللون الأبيض في بعض الأطعمة التي تقدم في مناسبات طقوس العبور فمثلاً صباح ليلة الزفاف الصبحية ) يقدم (صحن البياض) وهو طعام تقليدي يصنع من اللبن الرائب وهذه العادة ترتبط بأكثر من طقس حيث تظهر في جميع طقوس العبور من الميلاد وإلى الممات في الميلاد وعند بلوغ الأربعين يوما يقام طقس الأربعين ويصنع الأرز باللبن وهي ترتبط بدلالات اللون الأبيض حيث يرمز للبداية والنهاية السعيدة، وفي نفس الوقت يدل على نهاية الممارسة أو الطقس بسلام وهذا الاعتقاد يعتبر راسباً من الديانة المسيحية حيث يعتقد أن نهاية الطقوس بعد الأربعين يوما.

كذلك في الممارسات التي ترتبط بطقوس الممات فهو لون الحداد الدبلان والدمورية أو الأقمشة السمراء حيث كان النساء وإلى نهاية السبعينيات يرتدين ثياب السكبيس البيضاء وتفرش الأرملة الميت ملاءة بيضاء على العنقريب لمدة أربعة أشهر وتسعة أيام وعندما يشيع المتوفى إلى القبر يكفن بغطاء أبيض ويرتدي الرجال المشيعون الملابس البيضاء دلالة على الحزن وفي نفس الوقت تفاؤلاً للميت أن تكون حسن خاتمته نظيفة بيضاء ونقية كنقاء الثوب الأبيض. أخيراً يصطحبنا التوب الأبيض في نهاية أربعينيات القرن الماضي كرمز لمقاومة نسوية.

في الثقافة البجاوية اللون الابيض له مدلولات أصيلة وجميله فهو رمز للحكمة ورزانة العقل، يستخدم الثوب الابيض في طقوس مناسبات الزواج حيث يرتديه كبار السن(النساء) من أُسرة العروسين..بالمقابل يستخدم الثوب الابيض في فتره الحداد بالنسبه للمرأة التي توفى زوجها وهنا المكان الوحيد الذي يرمز فيه الابيض الي الحزن عند المرأة البجاويه.

اللون الأخضر

يتمظهر الفأل باللون الأخضر في طقوس الزواج بإحضار جريد النخل، وفي الخرزة التي تربط بمعصم العريس، كما نتلمس إدراك مبكر لهذا اللون في الجداريات بينما إلتبست تعاريف أو مصطلحات الوان ما مع أخرى فيسمي السودانيين اللون الأسمر أو الأسود فإذا كان فلان لونه أسود – يطلقون عليه فلان لونه أخدر(أخضر))

اصطلاح لغوي قديم يعود هذا الاستخدام إلى نظام تصنيف قديم في اللغة العربية البدوية، حيث كان يتم دمج بعض الألوان تحت مسميات شاملة.

ففي نتائج دراسات أنثروبولوجية أُجريت في برلين عام 1878، أظهر السودانيون المشاركون قدرتهم على التمييز بين الألوان، لكنهم استخدموا كلمة واحدة (مثل أخضر أو أسود) للتعبير عن اللونين الأزرق والأسود، مما يؤكد أن القضية هي اصطلاحية وليست إدراكية.  نجد حضور كثيف لأغصان شجر النخيل في طقوس أخرى مثل الختان – الزواج والموت حتى فتوضع جرائد النخيل على المقابر كرمزية للخلود والرفعة الى السماء فشجر النخيل عالي وذو جزور ضاربة في الثقافة السودانية

اللون الأصفر

يرتبط هذا اللون مع لون الذهب ارتباط وثيق، والذهب كمادة حرزية أو طوطم حماية يتم ارتداؤها في شكل هلال ويربط على الرأس يوم الزواج برغم من حرمة ارتداء الذهب للرجال في الدين الاسلامي، ويوصف الشخص ذو اللون الفاتح بأنه أصفر اللون، كما نجد الصُفرة هذه مماثلة لأعراض بعض الأمراض.

اللون الأحمر

يمكن وصفه بأنه اللون ذو الدلالات المتناقضة، الحرب/ الحب، الحرز وإرتبط بتلقيه بحسب الحالة المزاجية للفرد، ففي طقوس الزار (الريح الأحمر) ارتبط بكونه لوناً علاجياً، وهو اللون الوسيط بين عالم البشر والأرواح، يدخل في الطقوس بدءاً من دم الأضحية المستخدمة في الطقس الى الملابس، كما يُنسب للمرجان الأحمر (حجر كريم) مقدرات علاجية، وفي الجيرتق طقس الزواج يحضر اللون الأحمر بكثافة، الحرير الأحمر، البِرش، الهلال الذي يربط للعريس، السوميتة التي تُعلق، الفِركة، طلاء العنقريب.

وفي طقس الزواج يتم ارتداء خاتم الفص الأحمر لإتقاء المشاهرة (النزيف الدموي) حيث ترتدي المرأة خاتم به حجر أحمر كبير يسمى حجر الدم ويعتقد انه يمنع الدم من لإرتفاع للرأس، كما نجد في النقيض تماماً يسمى الشخص الذي يستيطيع تحريض الأرواح الشريرة بأن (عينه حمراء) والمكان غير المعروف تسميه الأمهات بالسماء الأحمر، والعين الحمرة رمزية للبؤس الشجاعة، لأن التردد الحراري / الضوئي للون غني ويتميز بالحرارة لذلك إكتسب اللون تناقضاته من الحماية إلى الأذى.

اللون الأسود

يرتبط اللون الأسود بثيمة الحرز والحماية فنجده يستخدم في طقوس العبور الكبرى كالختان/ الزواج/ الموت/ الولادة فنجد انه يتم وضع ثمار الباذنجان الأسود تحت سرير المرأة الحامل كحرز لطرد الشر، أو تفاؤلاً بما تحمله الثمرة من كثرة البزور كدلالة على الخصوبة وأملاً في انجاب الكثير من الأبناء، واستخدام اللون الأسود في الكحل في جبين المواليد ولعيون المتزوجات حديثاً.

وفي طقس الختان يتم عمل الكحل الأسود لطيلة سبعة أيام، اما في طقوس الزواج فالحناء السوداء بإعتبار ان هذه المراحل مراحل جديدة وجوهرية في حياة الفرد وللإعتقاد بأن الأطفال أكثر عُرضة للإصابة بالعين والعوارض ولذلك يجب حمايتهم،  بينما في طقس العلاج من الأمراض نجد اعتقاداً بثمار الحبة السوداء (الكمون)  حيث يعتقد انها تبطل السحر / العين، فنجد تمائم الكمون للأطفال، ويربط الجيرتق الأسود على شجر الليمون بالحريرة لكي تثمر الأشجار.

في طقس الجيرتق تعلق الخرزة السوداء على عنق العروسين بإعتبارها حرز من الشرور وإبطال العين. كما تعتبر الحناء السوداء ملازمة للفترة الأولى في حياة المرأة المتزوجة وتميزها من غير المتزوجات بالإضافة لوظيفتها الجمالية والحسية وبها يكتسب الجسد مسنداً مباشراً وتشكيلاً بصرياً مميزاً، وطاقة تعبيرية وبذلك يصبح لجسد المرأة المتزوجة لغة في البُعد التواصلي، والحناء السوداء كتقنية تُعطي حالة تعبيرية موغلة في التفرد، وبذلك تمنح الحناء الجسد القدرة على الكلام. كما  تكتسب الحناء بُعد إجتماعي حيث تميز المرأة المتزوجة من غيرها.

ويرتبط اللون الأسود بمواضيع الغيبية كالسحر، وتصفه راميات الودع دائماً بأن ظهوره يعني وجود عارض والعارض هو شئ غير مدرك يعطل ما يأمل فيه الإنسان، كما يظهر السودانيين تطيراً وتشاؤما وخوفاً من الكلاب والقطط ذات اللون الأسود.

لنسأل السؤال التالي : هل كنا (كسودانيون) نرى الألوان ذاتها أم نطلق عليها تسميات مختلفة فقط؟

في اللغة العامية السودانية تخلط بين كلمات مثل  الأخضر والأزرق والأسمر، يرى د. زاهان Zahan أن المنطقة الإفريقية عموما تقتطع الألوان إلى أحمر وأبيض وأسود. فنجد أن “الإحساس باللون يؤثر على إدراك اللون، وبشكل ما ينقّله”.مثلا الكلمة العبْرية “ياراق” تعني تارة الأصفر وتارة الأخضر. فهي تنطبق على خضرة الأشجار أو النباتات، لكن الجذر نفسه يعيّن مرضًا “يصفّر” النباتات. ويستعمل جيريميا العبارة نفسها لتعيين الشحوب المنتشر على الوجوه المصابة بالرعب.

مع ذلك، ومن قبل في 1879، كان النّوبيون، باعتبارهم نموذجًا لتلك الحساسية اللونية التي تُعتبر “فقيرة”، يتعرّفون من غير صعوبة على أشياء أو عيِّنات من الورق الملون بعد وقت قصير من التعلّم. إنها تباشير نقاش طويل حول كوْنية إدراك الألوان أو نسْبيتها. فإذا كانت الإدراكات البصرية (أو السمعية أو الشمّية أو اللمسية أو الذوْقية) موسومة بميْسم الانتماء الثقافي الخاص بفرادة الشخص، فهي ليست أبدًا ثابتة. فالإنسان الذي يخرج من لسانه أو ثقافته، والذي يتفاعل مع الآخرين، يتعلّم النظر للعالم بطريقة مغايرة، ويوسّع معارفه اللونية أو إدراكه البصري.

وتدور الألسُن واللغة حول الأشياء محاولةً وصفها، غير أن لا لسان يتوصَّل إلى حجْزها في علامات. فكلمة “كلب” لا تعضّ الناس، وكلمة “أحمر” لا تلوّن الناس بالأبيض. الألسن هي إنسيَّة العالم لا العالم. والحديث عنها يضيف لها قوةً على قوةٍ. فامتلاك ألسن عديدة يمكّن المرء من خزّان للمعنى ويوسّع القدرة على التفكير وقوْل تعدّدية الواقع. كل لسان يفكر العالم على طريقته، فهو أصلا مِصْفاة و”مُتَأَوِّل” (على حدّ قول بنفنيست). ولا لسان يفعل ذلك كما الألسن الأخرى، غير أنها لا تتكامل فيما بينها. إنها أبعاد ممْكنة للواقع.

اللون الأزرق (الغير موجود في القرآن )

وقد تابع العلماء العرب والأوروبيون في القرون الوسطى هذه الملاحظات باللَّبس نفسه في النَّظر، لكن لا أحد منهم تعرَّف فيه على الأزرق. “فمن بين الألوان السبعة لقوس قزح، ثلاثة لا تملك اسمًا خاصًا بها في العربية: البنفسجي، وأزرق النيلة والبرتقالي. إنها ألوان غير محدّدة، غامضة و”لا تُسمّىى”. بالمقابل ينفصل الأحمر والأخضر باعتبارهما لونيْن ممتلئين وإيجابيين، ويحسمان مع الريبة الماقتة التي عرفتها الثقافة العربية إزاء الأصفر وبخاصة إزاء الأزرق.

وبخصوص اللون الأزرق الغير موجود إصطلاحياً بل حل محل محله اللون الأسود وهو مما تسرب إلينا من العربية القديمة وان لم يرد صراحة بالمعاجم القديمة التي بالطبع لم تحصر كل ما نطقت به العرب، فنجد جعل الأسود صفة للون الماء، ورد في حديث عائشة :” لقد رأيتنا مع رسول الله ص ما لنا من طعام الا الاسودين”.

ففسره أهل اللغة بانه التمر والماء”. وفي وصف زرقة الماء بالسواد، دليل كاف على أن إحلال الازرق محل الأسود، أصل في اللغة.

والألوان الوحيدة التي منحتها اسما على وزن “أفْعَل” أي ما يسميه النحاة العرب أسماء الألوان هي الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر والأبيض والأسود أو الأكحل، فالعرب كانت تستخدم الاخضر والأزرق في معنى السواد والسمرة والادمة. فعن استخدام الاخضر في وصف الاسود جاء في معجم لسان العرب:

“ويقال للأَسود أَخْضَرُ.والخُضْرُ قبيلة من العرب، سموا بذلك لخُضْرَةِ أَلوانهم. والخُضْرَةُ في أَلوان الناس: السُّمْرَةُ؛ قال اللَّهَبِيُّ:

وأَنا الأَخْضَرُ، من يَعْرِفْني؟  * أَخْضَرُ الجِلْدَةِ في بيتِ العَرَبْ

يقول: أَنا خالص لأَن أَلوان العرب السمرة؛ التهذيب: في هذا البيت قولان: أَحدهما أَنه أَراد أَسود الجلدة؛ قال: قاله أَبو طالب النحوي، وقيل: أَراد أَنه من خالص العرب وصميمهم لأَن الغالب على أَلوان العرب الأُدْمَةُ؛ قال ابن بري: نسب الجوهري هذا البيت للهبي، وهو الفضل بن العباس بن عُتْبَة بن أَبي لَهَبٍ، وأَراد بالخصرة سمرة لونه، وإِنما يريد بذلك خلوص نسبه وأَنه عربي محض، لأَن العرب تصف أَلوانها بالسواد وتصف أَلوان العجم بالحمرة. وفي الحديث: بُعثت إِلى الحُمرة والأَسود. “

ويقال: كَتِيبَةٌ خَضْراءٌ للتي يعلوها سواد الحديد. وفي حديث الفتح: مَرَّ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، في كتيبته الخضراء؛ يقال: كتيبة خضراء إِذا غلب عليها لبس الحديد، شبه سواده بالخُضْرَةِ، والعرب تطلق الخضرة على السواد والعرب تجعل الحديد أَخضر والسماء خضراء؛ يقال: فلان أَخْضَرُ القفا، يعنون أَنه ولدته سوداء. وفي حديث الحرث بن الحَكَمِ: أَنه تزوج امرأَة فرآها خَضْراءَ فطلقها أَي سوداء”.

نخلص مما سبق أن مرحلة تطور مصطلحات الألوان الراهنة التى لازمت اللهجة العامية السودانية منذ أمد بعيد من متبقيات مصطلحات اللغة العربية البدوية القديمة ذات نظام الألوان الخماسي العربي القديم الذى يتكون من الأبيض الذى يشمل الناصع، والأسود الذى يشمل الداكن (القاتم)، والأحمر الذى يشمل البني الفاتح، والأخضر الذى يشمل الأزرق والأسود، ثم الأصفر المستقل عن غيره.

ومن الطرائف التاريخية أن اسم النيل الأزرق يعني حرفيا في لسان السودانيين النيل الأسود. وسمي بذلك بالتضاد مع النيل الأبيض كون لون مائه يميل إلى السواد بسبب كثرة الطمي وشدة الإنحدار في مقابل الأبيض الذي يتسم بالهدوء في الجريان والصفاء لقلة الإنحدار، ولما كان ذلك فإن ترجمة اسم النيل الأزرق إلى الإنجليزية The Blue Nile ترجمة غير صحيحة ولا تتطابق مع أصل التسمية والترجمة الصحيحة هيThe Black Nile وأغلب الظن أن الرحالة أوالمستشرقين أو المصريين الذين كانوا في معية الجيش الإنجليزي وقاموا بنقل الأسماء السودانية إلى الإنجليزية لم يفطنوا إلى أن “الأزرق” تعني الأسود.

وكذلك في تسمية السلطنة الزرقاء بإعتبار انها صفة تعني السواد فتمت ترجمتها وتداولها على بالترجمة الوافدة بأنها السلطنة الزرقاء (سلطنة سنار).

ليس الأزرق وحسب مرادفا للسواد عندنا، بل نحن نطابق احيانا بين الاسود والاخضر. اذ نصف سواد البشرة بالخضرة ايضا. نقول، رجل أخضر وامراة خضراء. والخضرة عندنا أقل سوادا من الزرقة أو قل انها السمرة. ويتغنى السودانيون بجمال خضرة البشرة.

 لهذا فإن استخدام مصطلح يشترك فيه الأزرق والأخضر للون الأسود في اللهجة العامية السودانية أحد مراحل تطور مصطلحات الألوان في الثقافة اللغوية السودانية، و ليس خطأً اصطلاحياً أو إدراكيا،ً وسيجئ اليوم الذى تندثر فيه هذه الظاهرة وتكمل اللغة العامية السودانية تطورها للمرحلة الأخيرة من مصطلحات الألوان ليستقل كل من اللون الأخضر والأزرق والأسود بمصطلحه الخاص.

المصادر و المراجع:

الدلالات الإجتماعية لرمزية اللون في الخطاب الإجتماعي (السودان) – د.راحيل العريفي

الأبعاد الثقافية للألوان (مقاربة أنثربولوجية) ديفيد لوبروتون – ترجمة: فريد الزاهي

مُصْطَلح أزرق وأخضر للون الأسود في اللهجة العامية السودانية: مُقارَبة لُغوية .. بقلم: د. يوسف محمد أحمد إدريس

حفريات لغوية- في الأزرق والزرقة والخضرة والسواد. . بقلم: عبد المنعم عجب الفيا

حفريات لغوية- بلو نايل أم بلاك نايل؟ .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيا


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *