لجان المقاومة:جدل الهيكل والفاعلية بين النظرية والممارسة

·

·

الكاتب: محمد ودالسك

 إن مفهوم “التنظيم” يشير إلى بناء الهياكل، وضع الأدوار، وترتيب العلاقات داخل أي كيان يسعى لتحقيق هدف معين، بينما يتجاوز “التنظيم الفعّال” مجرد الوجود الهيكلي ليشمل القدرة على تحقيق الأهداف بكفاءة. هذا الفرق بين الوجود الشكلي والأداء الوظيفي يمثل جدلية فلسفية تتعلق بالماهية والفاعلية، بالشكل والمحتوى، وبالقدرة على تجاوز البنية المجردة إلى تحقيق الأثر الملموس.

في الفلسفة السياسية، يمكن النظر إلى التنظيم باعتباره شرطًا ضروريًا لوجود أي جماعة، لكنه ليس شرطًا كافيًا لنجاحها. فعبر التاريخ، ظهرت العديد من الحركات والتنظيمات التي امتلكت هياكل واضحة، لكنها افتقرت إلى القدرة على التأثير، ما جعلها تظل مجرد قوالب فارغة لا تلبث أن تتلاشى. من هنا، يصبح السؤال، متى يصبح التنظيم فعّالًا؟ أي متى يتحول من مجرد بناء إلى آلية ديناميكية قادرة على التفاعل مع المتغيرات وتحقيق الغايات؟

التنظيم الفعّال يتطلب عنصرين رئيسيين،المرونة والتوجيه. فمن ناحية، ينبغي أن يكون التنظيم قادرًا على التكيف مع السياقات المختلفة، لأن أي نظام جامد مهدد بالانهيار عند أول صدمة. ومن ناحية أخرى، يحتاج إلى رؤية واضحة وآليات تضمن الاتساق بين أعضائه. هذا يطرح إشكالية التوازن بين المركزية واللامركزية، حيث إن المركزية تمنح التنظيم وضوحًا في القرار، لكنها قد تقتل الإبداع الداخلي، بينما تمنح اللامركزية حرية الحركة، لكنها قد تؤدي إلى الفوضى إذا لم تكن هناك آليات فعّالة للتنسيق.

إذا أخذنا هذه الفكرة إلى سياق الحركات الاجتماعية، مثل لجان المقاومة، نجد أن التنظيم وحده لا يكفي لضمان النجاح. فوجود هيكل أفقي وشبكات عمل لا يعني بالضرورة القدرة على تحقيق الأهداف إذا لم تكن هناك استراتيجيات توجيهية واضحة. وهنا يظهر الفرق بين التنظيم كوجود والتنظيم كقوة تغيير. التنظيم هو الإطار، أما التنظيم الفعّال فهو الحركية الداخلية التي تجعله قادرًا على الفعل والتأثير.

 يمكن القول إن التنظيم الفعّال هو ذلك الذي يحقق جدلية العلاقة بين الثبات والتغير. فلا يمكن أن يكون التنظيم فعّالًا إذا كان متصلبًا في بنيته، كما لا يمكن أن يكون فعالًا إذا كان في حالة فوضى مستمرة. هذا يقودنا إلى مفهوم “التنظيم العضوي” الذي ينمو ويتكيف مع التحديات دون أن يفقد جوهره.

فالسؤال ليس فقط كيف نبني تنظيمًا، بل كيف نجعله فعّالًا.

هذا يتطلب فهمًا عميقًا للعوامل التي تجعل أي تنظيم قادرًا على الاستمرار والتطور. فمن دون تنظيم فعّال، يبقى أي هيكل محض شكل بلا مضمون، وحركة بلا تأثير حقيقي.

مجتزأ من عنوان عن تجربة “لجان المقاومةـالأبيض التحديات وآفاق التنظيم الفعال”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *