قلواك منقويال وأسطورة التحول لأسد

تُعد قبيلة النوير، إحدى المجموعات النيلية في جنوب السودان، حاضنة لتراث شفاهي غني بالأساطير والكائنات الخارقة، ومن أبرزها أسطورة “الليت” (Leet)، ذلك الكائن المُركَّب الذي يجسد الالتباس بين العالمين البشري والحيواني، ويُعتبر رمزًا للقوة والغموض في المخيال الجمعي للنوير، حيث يُوصف الليت بأنه كائن هجين يجمع بين خصائص الأسد والإنسان، ويفترس البشر مع قدرة فريدة على التحوُّل إلى شكل بشري يُعرف باسم “لووش” (Louch) أو “المتحوِّل”، وتتميز هذه التحوُّلات بسمات جسدية غريبة تُميِّزه عن البشر العاديين، مثل غياب الركبتين والمرفقين مما يمنح حركته طابعًا غير مألوف، وعيون ضيقة وأسنان حمراء مع تجنُّب النظر المباشر إلى عيون البشر، وامتناعه عن مشاركة الطعام مع الآخرين حتى عند دعوته إلى المائدة، وهي سمات تُفسَّر في الثقافة النويرية كدلائل على طبيعته الخارقة، إذ يُعتقد أن أي خلل في التقليد الاجتماعي – كالامتناع عن التواصل البصري أو المشاركة في الطقوس الجماعية – قد يكشف عن هويته الحقيقية.

تحتل قصة “قلواك منقويال” (Gatluak Mangual) مكانة مركزية في سرديات الليت، إذ يُعتبر أشهر المتحولين الذين اخترقوا العالم البشري بنجاح، حيث تروي الأسطورة أنه تزوج من نساء القبيلة وعاش بينها، لكنه حافظ على سلوكيات غامضة مثل بيعه “التنباك” (التبغ) في أسواق ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، إلى أن اكتشف جندي بريطاني – خلال الحقبة الاستعمارية – هويته عبر ملاحظة سلوك غير طبيعي، إذ كان يهز أذنيه لطرد الذباب دون استخدام يديه، وهي حركة تُنسب إلى السمات الحيوانية الكامنة، ليُعتقل بعدها بتهمة بيع “كجيك” (لحم بشري) في السوق، ويُودع سجن ملكال حتى وفاته، مُختتماً بذلك أطول سلسلة شفاهية عن الليت في تراث النوير.

لا تقتصر أسطورة الليت على النوير فحسب، بالمثل كان ماكوي رجلاً من منطقة ييرول وله القدرة على التتحول لأسد مفترس، ولكنه هُزم على يد شاب يُدعى باجيك من منطقة ييرول الشرقية، و تتقاطع مع ميثولوجيا قبيلة الدينكا المجاورة، وإن باختلافات رمزية، ففي عشيرة “دينكا آقار” تُروى حكاية مشابهة عن كائنات متحولة تُعرف باسم “ملوال أقوينقبار” (Mual Agueinkbar)، بينما تذكر عشيرة “أكوربيل” (Akurbil) أن زعيماً متحولاً تزوج من امرأة بشرية تُدعى “نثيونج أكوربيل”، مُخلِّفاً نسباً هجيناً يُنسب إلى الأسد، أما التحوُّل الأنثوي (اللبوة البشرية) فيُشار إليها باسم “آروال” (Arual)، التي تزوجت – وفق رواية الدينكا – من أحد أبناء عشيرة “آيويل جيل”، ليتزوج ابنها “لوي ديت” (Louiw Dit) لاحقاً من عشيرة أكوربيل، مما خلق تشعبات نسبية تربط بين المجموعات البشرية والكائنات الأسطورية في نسيج ثقافي مشترك يعكس التبادلَ العميقَ بين هذه المجتمعات.

يمتد تأثير الأسطورة ليتناولها الكاتب ((Yien Wil Mayuak Nyoch وِل مايواك نيوتش في كتابه قصص قلواك منقويال- آكل لحوم بشر عاش في أرض النوير، ففي زمان ماضي كانت قصص قلواك منقويال الذي يكسر أعناق الضحايا المساكين ويحولهم إلى لحم مجفف ويبيعهم في السوق، تُبقي الأطفال المشاغبين في البيوت بعد الساعة الخامسة.


رد واحد على “قلواك منقويال وأسطورة التحول لأسد”
  1. الصورة الرمزية لـ احمد سايمون لوك تيم
    احمد سايمون لوك تيم

    جميل جدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *