للكاتب: محمد قرشي عباس
(1)
مقدمات :
القصة التوراتية المتكررة في الأساطير السومرية القديمة بتقول أن البشرية بدأت بزوج واحد من البشر (آدم وحواء) خلقوا مباشرة من طين الارض وسكنوا جنة السماء ثم أنزلوا للأرض بعد الأكل من الشجرة، ومنهم ظهر كل البشر، وبنلقاها في كتب تفسير القرآن..
القصة العلمية تتناول ظهور البشر العاقل Homo Sapiens Sapiens قبل ٢٠٠ – ٣٠٠ ألف سنة خلت، متطورا من أنواع شبه بشرية سابقة ليهو Hominin وأن آخر سلف مشترك للعائلة دي من المخلوقات مع الشمبانزي والبونوبو كان قبل ٦ ملايين سنة خلت، وأن التطور حصل لمجموعات من الكائنات فما كان في زوج (أب وأم) بدأت بيهم البشرية، وبرضو علوم الجينات بعيدا عن التطور بتقول أن اقل عدد لعدد البشرية عبر تاريخها ما كان أقل من ألفي نسمة
وإنو قبل ٧٠ ألف سنة ظهرت ما يسمى بالحداثة الثقافية cultural modernity في البشرية الكانت بتشبهنا تماما تشريحيا من ٢٠٠ ألف سنة، وهي بإختصار ظهور اللغة الرمزية والفن الرمزي المميز للبشر، وفي خلاف حول انها ظهرت فجأة زي ما بظهر في الاحافير ولا اتطورت عبر فترة زمنية طويلة
وفي نفس الفترة الزمنية دي حصل حدث (الخروج من افريقيا) بإنو مجموعة بشرية صغيرة (فيها رجال اكثر من النساء) هاجروا من منطقة القرن الافريقي (وذريتهم واصلت الرحلة) عبر البحر الاحمر او مضيق سيناء لشبه الجزيرة العربية فأوروبا وآسيا واستراليا والامريكيتين وبعضهم رجع لأفريقيا تاني، عبر عشرات آلاف السنين، حيث تكون كل البشرية المعاصرة تقريبا من نسلهم المباشر
تبقى انو اقول ان أفريقيا وقتها كانت غابات كلها بما فيها الصحراء الكبرى، وان تعداد البشر طوال بقائهم في أفريقيا اتراوح حول العشرة ألف نسمة فقط، وكانوا جامعي ثمار وصيادين مرتحلين من مكان لآخر، وانهم عاصروا بقية الأناسي (الاجناس شبه البشرية) حتى ٤٠ الف سنة خلت وغالبا اتسببوا في انقراضهم رغم تزاوجهم معاهم وبقاء أثر الاختلاط ده في جيناتنا الحالية
تبقى انو نقول حقيقتين واضحات:
1/ تطور الكائنات الحية دون الانسان ما في عليه إعتراض جدي في الدين الإسلامي، فلا يوجد ما يمنع من الخلق التدريجي عبر التطور في النصوص، بل إن في التفاسير في مرويات عن (أودام) عاشوا في الارض قبل سيدنا آدم وفي إشارات لبداية واحدة للخلق وتطوره، مثلا
) قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ یُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ (سُورَةُ العَنكَبُوتِ: 20
٢/ في علوم القرآن في تمييز بين مستويات دلالة النصوص على المعنى؛ فهناك (النص) اللي ما بيحمل إلا معنى واحد لا غير وده نادر وكل نصوص الخلق ما من النوع ده، وفي (المجمل والظاهر والمتشابه إلخ) ودي بتحتمل أكثر من تاويل حسب السياق والقرائن من خارج الآيات؛ فمن ثم ما بنفع نجزم بمعنى وحيد ليها مهما بدا (واضحا) بسبب تعودنا على شوفها على خلفية معينة، وانو تأويل القرآن مفروض يحترم المعروف من قواعد اللغة وتفسير القرآن بالقرآن ومعهود العرب في اللغة إلخ من قواعد التفسير
(٢)
نتيجة بحثي الطويل هو انو ما في آية بتنص بشكل قاطع على الخلق المباشر لآدم عليه السلام زي ما هو مشهور، وفي الجزء ده حأحلل بعض البيوهم بكده كأمثلة على أن الامر مفتوح للتأويل
لكن قبل كده خلونا نفترض انو يوجد نص صريح لا يحتمل التأويل بأن خلق سيدنا آدم كان إعجازي من الطين مباشرة بنفس طريقة خلق سيدنا عيسى للطير من الطين
) وَإِذۡ تَخۡلُقُ مِنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ بِإِذۡنِی فَتَنفُخُ فِیهَا فَتَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِیۖ (سُورَةُ المَائـِدَةِ: 110
فحنلقى انو برضو ما في تعارض مع نظرية التطور وكون البشر كلهم عدا سيدنا آدم مخلوقين تطوريا، إذا سلمنا بأنو كان أول نبي ما أول بشري (وده أمر خلافي غير مقطوع به في التراث الاسلامي) ، بنفس طريقة إعتبار أن الطير الخلقو سيدنا عيسى ما بنفي انو الطيور بتتولد من بيوضها حسب السنن وإنها مخلوقات متطورة من الديناصورات (في الجزء الأول قلنا انو ما في نص على عدم الخلق التدريجي لبقية المخلوقات)
الآيات حول الخلق البتوهم بالنص على الخلق المباشر ممكن تندرج تحت المواضيع الآتية:
١/ الخلق من تراب وطين وصلصال:
) إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ ([سُورَةُ صٓ
نظرا لغلبة القصة التوراتية على الذهن، تتوارد للذهن من الآيات الزي دي هو عملية زي قصة سيدنا عيسى مع طير الطين، كأنو المعنى المباشر للآية، لكن في الحقيقة لو عاينا للإستعمال القرآني للخلق من حاجه، حنلقاهو بتكلم عن الخلق من شيء، كالأصل البعيد اللي اتخلقت منو حاجه
مثلا
) قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ (سُورَةُ صٓ: ٧٦
) ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِینࣲ( سُورَةُ السَّجۡدَةِ: ٧
) وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ إِذَاۤ أَنتُم بَشَرࣱ تَنتَشِرُونَ (٢٠) (سُورَةُ الرُّومِ
٢/ كمثل خلق سيدنا عيسى:
) إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ (سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٥٩
الآية دي كانت رد على اعتراض من نصارى العرب، انو ما دمت تؤمن ان ولادة عيسى كانت عذرية فمن ابوه، لحاجه كل مخلوق لوالدين، فكان الرد انو انتو بتؤمنوا ان آدم خلق من دون أب وأم، فما صعبه يكون ليهو أم بس دون أب
لكن ده لا يعني إقرارهم على الفهم ده، بل إلزام ليهم بمنطقهم، وتغير الدلالة مع زيادة المعرفة ما غريب، زي آية { خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ } [سُورَةُ العَلَقِ: ٢]، الكانت بتفهم كقطعة دم متجمد، بينما اليوم بنفهمها كطور من تخلق الزيجوت لما يتعلق بالرحم، واللغة بتحتمل المعنيين
وخلق سيدنا عيسى تم في رحم، فلذا ما في ما يمنع انو يكون خلق سيدنا آدم برضو تم في رحم بولادة عذرية، كمدلول مباشر للآية، إذا ما استعملنا قرينة خارجية في فهم الآية (قصة الخلق التوراتية)
وممكن يعني تميز خلق كل من عيسى وآدم، بإعتبار أن الاول تكلم في المهد صبيا والاخر ابتدأت معه اللغة الرمزية
حاصل الأمر أن الآية دي ما (نصية) في كون أن آدم خلق مباشرة من تراب دون أبوين، وده كل البهمني هنا
٣/ نفخ الروح :
وآيات خلق سيدنا عيسى وآدم متشابهة برضو من حيث (نفخ الروح) :
) فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِین) سُورَةُ صٓ: ٧٢
) وَٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَـٰهَا وَٱبۡنَهَاۤ ءَایَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ ( سورَةُ الأَنبِيَاءِ: ٩١
وده بدي معنى مختلف لنفخ الروح ما بشابه نفخة سيدنا عيسى في الطين ليحيى الطير بإذن الله، فهنا برضو نفخ الروح ما عندو دلالة وحيدة لا ثاني لها على قصة الخلق المباشر من طين، لأن سيدنا عيسى ولد من رحم
٤/ الجنة والهبوط:
وَیَـٰۤـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَیۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ -سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ١٩
قَالَ ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ وَلَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرࣱّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ -سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٢٤
برضو هنا لا يوجد ما يمنع كون الجنة مكان في الأرض َفي التراث الاسلامي في نقاشات كتيرة للشافوا كده برضو، والهبوط بيعني بس الانتقال من حال جيدة لحال أسوأ، زي آية قوم موسى :
قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ ٱهۡبِطُوا۟ مِصۡرࣰا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ -سُورَةُ البَقَرَةِ: ٦١
٥/ الخلق باليد:
قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ -سُورَةُ صٓ: ٧٥
وهنا بتتوارد للذهن صورة صانع الفخار البشكلوا بيديه، وده طبعا لا يصح في حق الذات الإلهية، لكنو بشير لان الخلق كان مخصوص بحاجه ما بتشبه السنن المعتادة، فممكن يفهم بأن سيدنا آدم كان مختلف عما سبقه (باللغة الرمزية مثلا) وده بتماشى مع حوار (تعليم الأسماء) وتفوقه على الملائكة، فبرضو هنا ما في دلالة نصية على الخلق المباشر من طين لا ثاني لها
كل الفات ده ما دراسة شاملة للموضوع، وملان ثقوب بطبيعة الحال، ومذكور هنا كأمثلة لا غير، لأن الأمر بحتاج لكتاب عديل فيهو حصر لكل النصوص، وإيراد للمصادر وإستشهاد بالتفاسير وعلوم القرآن وغيرها، وده مجهود ما بتصلح ليهو المنصة دي، والقصد منو لفت النظر ما أكثر
قصة الخلق بين العلم والدين (٣)
إذا سلمنا بأن الجنس البشري مخلوق تطوريا عبر أحقاب طويلة، ففي عدد من الآيات بتدي معاني جديدة متسقة في شوفي مع القصة العلمية
١/ بداية الخلق:
أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ كَیۡفَ یُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ (١٩) قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ یُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ (٢٠) سُورَةُ العَنكَبُوتِ: ١٩-٢٠
الآية الأولي بتتكلم عن شوفنا لدورة الحياة من ولادة وتكاثر، وناسبها (أولم يروا) لكونها حدث يومي بنشوف فيه النبات مثلا بينمو من البذرة ويموت لكن بيعاد خلقه عبر بذوره الجديدة
أما الآية التانية ففيها توجيه (قل سيروا في الأرض) والسير في الارض بيعني دوما في القرآن الاستدلال من الآثار القديمة على ما كان في الماضي للعبرة، { ۞ أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۖ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡثَـٰلُهَا } [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ١٠]، فمن ثم السير في الأرض والنظر حيؤدي لمعرفة بداية الخلق، لما نرجع سلسلة الولادة وإعاد الخلق للخلف، وفعلا كانت أولى دلائل التطور هي الحفريات اللقيناها والتأمل في التوزيع الجغرافي للكائنات وغيرها
٢/ خلقكم من نفس واحدة :
یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِی تَسَاۤءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبࣰا -سُورَةُ النِّسَاءِ: ١
خلق الزوج هنا لا يعني ان حواء خلقت من ضلع آدم، زي ما إن الآية { وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ }[سُورَةُ الرُّومِ: ٢١]، لا تعني ان ازواجنا خلقوا مننا
بل تعني الامتنان بإن نوعنا البشري ما عندو مثيل من الانواع البشرية الاخرى زي النياندرتاليين، وإنو الطلعوا من افريقيا قديما وشكلت ذريتهم كل البشر اللاحقين كانوا من نوع بشري واحد
وبتذكرني بأن حدث الخروج من افريقيا كان فيهو رجال كثيرين ونساء قليلين، و(البث) هنا قد يعني الانتشار البشري في بداية استعمار بقية الأرض بره مهد الإنسان
٣/ حيرة الملائكة :
وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ -سُورَةُ البَقَرَةِ: ٣٠
الملائكة كانوا شايفين فعايل البشر مع ابناء عمومتهم من الاجناس التانية وتسببهم في انقراضهم، فلذا كان اعتراضهم عن شوف واضح للبشر المنهم الخليفة قبال يعرفوا تميزو باللغة الرمزية اللي بدت عهد الحداثة الثقافية
٤/ سلالة من طين والحمأ المسنون:
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلࣲ مِّنۡ حَمَإࣲ مَّسۡنُونࣲ -سُورَةُ الحِجۡرِ: ٢٦
بتذكرني الآية دي بكتير من نظريات بداية الحياة (رغم كونها مجال مختلف عن التطور البيولوجي) اللي بتعتمد على الخواص الكيميائية للطين والكبريت في بدايات الكرة الأرضية كشروط للظروف المناسبة لبداية التفاعلات ما قبل الخلوية، والحمأ هو الطين متغير الرائحة، والصلصال بتميز بالسطح الامتزازي العالي البشجع التفاعلات، وده حيحتاج لشرح كتير لكن خلاصتو انو بتماشى مع بداية خلق الحياة
٥/ التاريخ التطوري
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ (١٢) ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ (١٣) ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ (١٤) -سُورَةُ المُؤۡمِنُونَ
الآيات دي يمكن النظر ليها كمراحل milestones تطورية من بدايات الاستقلاب الكيميائي (سلالة من طين) للكائنات وحيدة الخلية في البحار (نطفة) لبدايات متعددات الخلايا المتعلقة بقاع المحيط كالاسفنج (علقة) للديدان الاولى وبدايات الجهاز العصبي (مضغة)، للحشرات والاسماك العظمية الهيكلها الخارجي عظام (عظاما) وصولا للحبليات اللي بتحمي جهازها العصبي بالعظام ومن بره في العضلات (كسونا العظام لحما)، لحدي ظهور الإنسان باللغة الرمزية كخلق مختلف جذريا وبداية مرحلة تطور ثقافي ما بيولوجي (خلقا آخر) لكنو معتمد على الاساس العصبي الاتكون عبر تاريخ الحياة في الارض
برضو دي أمثلة عجلى من غير شرح وافي، لضرب مثال عن إمكان التأويل وإعادة الفهم للآيات اللي حصل تخبط كبير في تفسيرها احيانا
حول التطور – التاريخ والمضامين الفلسفية
لما أتلكم عن التطور بتتوارد للأذهان بس (نظرية دارون)، لكن ده مجرد لحظة في تاريخ الفكرة
ففكرة أن الكائنات الحية متغيرة ما ثابته وانها مشتقه من بعضها البعض، فكرة قديمة جدا، وفي الحضارة الإسلامية قال بيها الجاحظ وأخوان الصفا، وقبل داروين كانت فكرة منتشرة جدا من جده أراسميس ولامارك وغيرهم
يلا النقطة الفارقة هي أن أدلة تغير الكائنات عبر الزمن، منفصلة عن النظريات التفسيرية البتحاول تلقى آليات التغير ده، وتميز دارون كان في انو أول زول جاب فكرة يمكن إختبارها تجريبيا لتفسير التطور، فاستحق انو ترتبط بإسمو، لكن فكرة التطور نفسها ما مرتبطة صحتها بصحة نظرية دارون بتاتا، بل عندها من الاثباتات من مختلف العلوم ما فيه الكفاية لتصبح من أساسيات العلوم
لكن زي ما بعملنا تاريخ العلوم فبالتأكيد نظريتو ما هي فصل الخطاب في المسألة، وحتى بعد دارون ب ٧٥ سنة ما كان في قبول لآلية الانتخاب الطبيعي! وما اكتسبت مكانة محترمة إلا بعد جاء عالم الاحصاء فيشر مع آخرين، واستغلوا معارف الجينات والرياضيات الحديثة عشان يتقدموا بتفسير متكامل بربط التطور بتغيرات الجينات في المجموعات عبر الزمن فيما عرف بالتجميع الحديث modern synthesis، وبعدها جات النظرية الحيادية ونظرية التقطع punctuate equilibrium وجات آليات الانجراف الجيني genetic drift وغيرها عشان تكمل وتفسر وتنافس الرؤية السائدة
وزي ما إن نسبية آينشتين ما خطأت نظرية نيوتن بل عممتها وغيرت في تصور العالم (فكرة المكان والزمان) بحيث بقت نظرية نيوتن حالة خاصة، فبرضو مستقبلا انا على يقين انو حيتغير فهمنا للآليات البشتغل عبرها التطور
النقطة التانية هي أن إرتباط التطور بالإلحاد بسبب مفاهيم زي العشوائية، أمر غير مبرر علميا، لأنو دي مجرد تأويلات فلسفية للنظرية لا اكثر، زي ما حصل مع ميكانيكا نيوتن اللي استغلت لتدعيم الفلسفة المادية رغم انو صاحبها كان حريص على نفي تأويل زي ده لقوانينو في الحركة
للأسف بسبب نشاط ناس زي دوكنز من ناحية، وشغب الحركات الاصولية المسيحية ومن تابعهم، بقت الامور كأنها صراع بين العلم والدين، وصراع غير شريف فيهو كميات من التدليس بعملوها الطرفين، بينما آراء الأطراف التانية غير مسموعه، فمثلا فيلسوف العلوم المتخصص في فلسفة الاحياء مايكل روز وهو ملحد كان بنتقد دوكنز بشدة وبقول انو التطور ما بيتضمن الالحاد بالضرورة، وعلماء دين من زمن دارون زي الشيخ حسين الجسر كان بقول ان نظرية دارون حال صحتها لا تتعارض مع ثوابت الدين (رغم انتقاده للإنتخاب الطبيعي) ووثق الرأي ده ابنه نديم الجسر في كتابه الجميل (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن)
فالخلاصة هي أن (التطور) ما هو نظرية التطور، وإنو حتى بشكل النظرية الحالي، ما في أي إرتباط ضروري بينها وبين الإلحاد، وبالنسبة للدين الإسلامي تحديدا، ما في تعارض بينهم، لكن الأهم هو أن فكرة التطور بعيدا عن آليات تفسيرو هي في الحقيقة ما تدل عليه روح الدين وغالب آيات القرآن الكريم
وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا (٤٨) لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا (٤٩) -سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٤٨-٤٩
من تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور:
“والأناسِيُّ: جَمْعُ إنْسِيٍّ، وهو مُرادِفُ إنْسانٍ. فالياءُ فِيهِ لَيْسَتْ لِلنَّسَبِ. وجُمِعَ عَلى فَعالِيَّ مِثْلِ كُرْسِيِّ وكَراسِيَّ. ولَوْ كانَتْ ياؤُهُ نَسَبٌ لَجُمِعَ عَلى أناسِيَةٍ كَما قالُوا: صَيْرَفِيٌّ وصَيارِفَةٌ”
حأستعمل (أناسي) كترجمة لمصطلح Hominin دون أن يعني ذلك إني بقول هم المقصودين للآية رغم أن ذكرهم مع الأنعام موحي بكده
والأناسي هم كل الأنواع شبه البشرية بعد الانفصال الحصل قبال ٦ مليون سنة بين خطين تطوريين:
واحد فيهم أدى لظهور البشر العاقل Homo Sapiens وإنقراض كل ما عداه من جنسه
والثاني فيهم أدى لظهور الشمبانزي والبونوبو وإنقراض ما سبقهم
الجنس البشري هو الوحيد بين الاجناس الحيوانية اللي ما عندو حاليا أي تفرعات أخرى قريبة منو (زي الانواع المختلفة للكلاب مثلا أو ثنائية الشمبانزي والبونوبو) رغم انو بنحمل في جيناتنا حتى اليوم آثار وراثية لعمليات تزاوج قديمة بين نوعنا البشري والأناسي الآخرين العاصروا نوعنا لعشرات آلاف السنين
ويعتقد أننا ساهمنا في إنقراضهم سواء بالقتل المباشر أو المنافسة على الموارد، اللي اتفوقنا فيها بشدة عليهم
ما قصدي حاليا استعراض تاريخ إكتشاف الأناسي والأدلة العديدة على وجودهم وتاريخهم، فرجاءا ما تحرفوا النقاش لكده، وإنما حأوفر رابط في أول تعليق فيهو معلومات كافية عنهم، كمقدمات ضرورية لمقال عايز اكتبو عن قصة الخلق بين العلم والدين
قصة الخلق بين العلم والدين (٤)
الملخص:
نشأت البشرية في أفريقيا منذ مئات آلاف السنين عبر تاريخ تطوري معقد ما وصلنا لتفاصيلو لسه لكن فيهو اختلاطات وتزاوج مع الاجناس البشرية التانية العاصرتهم لحدي ٤٠ ألف سنة خلت
والحدث المميز في تاريخهم كان ظهور الحداثة الثقافية cultural modernity اللي ما كانت مرتبطة بتغير تشريحي، لأنو حصل بعد إكتمال شكلهم الحالي المماثل لينا تماما، بمئة ألف سنة على الأقل، وده الأداهم اللغة الرمزية والتميز عما سواهم من المخلوقات
سيدنا آدم في شوفي كان بداية التغيير العظيم ده، سواء بكونه أول بشري يطور اللغة الرمزية (بطفرة واحدة زي نظرية تشومسكي بكتابه Why Only Us: Language and Evolution) او بكونه اول قابل للوحي الإلهي
لكنو كان فرد ولد في مجموعة بشرية، والبشر حينها كلهم كانوا ما بتجاوزوا بضعة آلاف (زي ما بتورينا علوم الجينات)، وهو غالبا كان بداية الخروج من افريقيا واستعمار العالم، وكل البشرية اللاحقة كانت خطوط نسبها بترجع ليهو سواء بالابناء او البنات، والهبوط من الجنة هو الاشارة لمفارقة جنان وغابات أفريقيا حيث جمع الثمار السهل لمكابدة بيئات مختلفة وصعبة عبر كل العالم
فكوننا بنو آدم بتعني انو كلنا بنرجع ليهو كجد ورثنا منو طفرة اللغة الرمزية، وانو كان مصطفى من بين الجيل الاتولد فيهو، وربما تكون سلالته المباشرة الما فيها أي اختلاط مع الاجناس البشرية المعاصرة ليهو هي سلالة كل الانبياء، بينما كلنا تقريبا فينا خطوط سلالية بترجع لتاريخ التزاوجات السابقة واللاحقة لآدم معاها، رغم انو موجود في شجرة عائلة كل بشري من جهة بناتو على الأقل
۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰۤ ءَادَمَ وَنُوحࣰا وَءَالَ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَءَالَ عِمۡرَ ٰنَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٣٣) ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضࣲۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (٣٤) -سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٣٣-٣٤
سلسلة مقالات تجميعية نُشرت على صفحة الكاتب: (4) Facebook تحت وسم #قصة_الخلق_بين_العلم_و_الدين
اترك تعليقاً