مقاتلو الساموراي السبعة والمخرجين الأربعة
وضع قسم الباري في قلب فيلمه أربعة مخرجين سودانيين طاعنين في السن، متقاعدين قسراً، في مدينة أم درمان، تعلموا صنعتهم في الخارج ثم مضوا ليقدموا أعمالًا متميزة في وطنهم، إلى أن انقلبت ديكتاتورية عمر البشير ضد صناعة الأفلام وأغلقت دور السينما. تم تصوير الفيلم في عام 2015، ويُظهر هؤلاء الأربعة — إبراهيم شداد، وسليمان محمد إبراهيم، ومنار الحلو، والطيب مهدي، وهم مؤسسو “جماعة الفيلم السوداني” — وهم يسعون للعثور على دار سينما لإعادة افتتاحها بهدف إعادة تجربة الشاشة الكبيرة إلى الناس. لقد كان هؤلاء الرجال تمظهراً لمقاتلي الساموراي في فيلم الساموراي السبعة، قتال شرس نفسي ضد نظام، ويعلمون في قرارة أنفسهم أنهم ليسوا الأبطال في النهاية.!
لا شك في حب هؤلاء الرجال للسينما، هذا الحب “المُتحقق من الرغبة التي لا تزال راغبة”، كما كتب الشاعر رينيه شار ذات مرة. على مر السنين التي تلت هذه الرحلة، بدأتُ أتعرّف عليهم بعمق أكبر، وعلى الرغم من اختلاف قصصهم الشخصية، لاحظت أنهم يتشاركون خيارهم الواعي بسلوك المسارات الصعبة. لقد فضّلوا دفع الثمن على بيع أنفسهم لأي سلطة. وبذلك، حافظوا على حريتهم النفيسة. فهنا نلمح مستويين مختلفين بين الرغبات وما تحقق (فقد كانت الرغبة هي إنشاء سينما، بينما ما تحقق هو رغبتهم في الحرية).
كما أنهم يتشاركون إيمانًا لا ينضب بقيمة الأفعال، بغض النظر عن مدى ضآلتها في نظر الآخرين. إنهم مثال ضروري في أوقات تهيمن عليها ثقافة الاستهلاك والاستعراض النرجسي.عندما يحدد الأربعة سليمان إبراهيم، والطيب مهدي، وقائدهم الظاهر، إبراهيم شداد — هم جزء من (أو بالأحرى، يبدو أنه ما تبقى من) “جماعة الفيلم السوداني”، وهي منظمة تأسست عام 1989. وتنضم إليهم إدارية شابة، هي هناء عبد الرحمن سليمان، التي تساعدهم في الأعمال الورقية والميدانية اللازمة للحصول على إذن رسمي لإعادة فتح دار العرض وجدولة عرض عام سينما سابقة في الهواء الطلق في أم درمان، يكرسون أنفسهم لإعادتها إلى الحياة، ومع ذلك، فهم يدركون تمامًا أن أي عروض ستحتاج إلى موافقة السلطات التي من المؤكد أنها لن تكون متعاونة في هذا الشأن. ورغم ذلك، يستأجرون المكان ويخططون لعرض مجاني واحد أو أكثر: إذن، من أين يأتي المال؟ وكيف يتغلبون على المشاكل التي تنشأ في الحصول على شاشة ملائمة، وجهاز عرض مناسب، وصوت كافٍ؟ ومن يزودهم بالأفلام؟ تُعلّق الملصقات التي تعلن عن العرض المرتقب لفيلم يبدو أنه طُلب خصيصًا ووُصف بأنه “ترفيه بحت مع الكثير من المعارك”. هذا العمل هو في الواقع فيلم “جانغو متحررًا” (Django Unchained) لكوينتن تارانتينو. وبما أنه من المعروف أن السلطات قلقة بشأن الملاءمة والمحتوى الأخلاقي، أجد نفسي أتساءل: هل كان يمكن اختيار أي عنوان آخر أكثر استفزازًا وأكثر احتمالًا أن يؤدي إلى إغلاق المشروع من بدايته؟
ينتمي “الحديث عن الأشجار” إلى فئة “أدب الحكمة” الرفيعة، بصورته التي تحوّل بها إلى عالم النصوص الدنيوية — كما في “أحاديث مع غوته” ليوهان بيتر إيكرمان، أو “أحاديث مع كافكا” لغوستاف يانوش. إنه إحدى الفرص النادرة التي يتيحها فيلم للمشاهدين لقضاء بعض الوقت مع شخصيات عامة لم تتضخم حكمتها بفعل صدى صوتهم الترويجي الذاتي في الفضاء الإعلامي — شخصيات ندبت تجربتَها في الحياة والفن معاناتُها من القمع السياسي، وهي التجربة التي يشهدون عليها ببصيرةٍ مُرّة وساخرة، بصيرة الناجين.
“أيُّ زمانٍ هذا،
حين يغدو الحديثُ عن الأشجارِ جريمةً تقريباً…
لأنه يَفترضُ أن نصمت عن كلِّ هذه الفظائع؟”
برتولت بريخت
يتم تفسير عنوان الفيلم غير المتوقع بكونه اقتباسًا من بريخت، وهو يتضمن فكرة أن الانغماس في الحديث عن مواضيع خفيفة يمكن أن يؤدي إلى الصمت عن مواضيع بالغة الجدية. في هذا السياق، يجب الاعتراف بأن هذا الفيلم يتطرق بالفعل إلى مظالم النظام حتى لو كانت السينما هي شغله الشاغل. وفي هذا الصدد، يتضمن فيلم “الحديث عن الأشجار” (Talking about Trees) بعض المقتطفات من أعمال سابقة للمخرجين الذين يتناولهم، لكنه يركز بشكل أساسي على هذا المسعى الأخير.

إن هذا البورتريه لنواة السينما السودانية هو أيضاً رؤية واضحة — كما تظهر في التقارير الإخبارية الحية التي يشاهدها المشاركون — للانتخابات الصورية لعام 2015 (أعيد انتخاب عمر البشير بفخر بنسبة 94.5% من الأصوات ثم تفاخر “بنزاهة” الانتخابات و “شفافيتها”)، وهو أيضاً رؤية للمدينة نفسها. صنع قسم الباري الفيلم سراً، وقد حوّل هذا التكتّم إلى جمالية فنية: يحتوي الفيلم على مشاهد قليلة نسبياً من مستوى الشارع، ولكنه يزخر بمناظر عديدة للمدينة تُرى من الأعلى، بما في ذلك من سطح و”دكة” دار السينما. في هذه الصور واسعة الاحتضان وبعيدة النظر، تبدو المدينة بأكملها وكأنها مسكونة بروح السينما.


اترك تعليقاً