فيلم نادِي القِتال (Fight Club) : لا تثقْ بأيِّ فيلمٍ يَعِدُكَ بإنقاذِ العالمِ عبرَ كسرِ نظاراتِك!

·

·

, ,

قبل ستة وعشرين عامًا، لم يكن “نادي القتال” مجرّدَ فيلمٍ، بل طلقةُ تمردٍ صادمةٌ في وجهِ ثقافةِ الاستهلاك. كانت خطاباتِ “تايلر دوردن” ثورية. بل ما يزالُ الفيلمُ يشعُّ جماليةً سينمائيةً بفضلِ إيقاعِ ديفيد فينتشر السريعِ، وعبقريةِ المونتاجِ الذي يَخلطُ صوتَ الراوي (إدوارد نورتون) بلقطاتٍ سرياليةٍ: فناجينُ قهوةٍ متكررةٌ، شخصياتٌ منهكةٌ بملامحَ واقعيةٍ، وخلفياتٌ ضبابيةٌ تُشبهُ كوابيسَ المدنِ الحديثة. هنا، يُقدّمُ فينتشر عالَمَ “تايلر” كمساحةٍ “فوق واقعية ” حيثُ يَذوبُ الخطُّ الفاصلُ بينَ الواقعِ والهلوسة.

في مشهدٍ لا يُنسى، يُقدم أحد أقوى خطابُ التسعينيات: حينَ كانَ “الاستهلاكُ” عدواً يُمكنُ هزيمته، يَصيحُ “تايلر دوردن” في وجوهِ أتباعه:


 “نحن أطفالُ التاريخِ الوسطى.. لا حروبَ عظيمةَ خضناها، ولا كسادًا عظيمًا عشناه.. حربُنا روحيّةٌ!”.


عام 1999، كانتْ هذهِ الكلماتُ شرارةً لتمردِ جيلٍ أُصيبَ بخيبةِ أملٍ من أحلامِ “الرأسماليةِ الوردية”. لكنّ الخطابَ اليومَ يبدو كأنهُ حفيفُ أوراقٍ قديمةٍ: فجيلُ الألفيةِ عاشَ حروبَ “11 سبتمبر” و”أوكرانيا”، وانهياراتِ 2008 المالية، ووباءَ كورونا، وأزماتِ المناخِ التي تُنبئُ بنهايةِ التاريخِ نفسِه، جيل أُنهِك وأُستهلِكت روحه، هل كان تايلر دوردن مُخلصاً أم نبياً كاذب؟!


تايلر كان يهاجمُ عارضَ أزياءِ “كالفن كلاين” بينما جسدُه نحتٌ مثاليٌّ لنموذجِ الإعلان! – يَدعو لتدميرِ الرأسماليةِ وهوَ يرتدي بدلاتٍ فاخرةً! إنهُ نبيٌّ زائفٌ للذكورةِ السامةِ، يبيعُ الوهمَ للرجالِ الضائعين. ففي مشهدُ الاستحمامِ بينَه وبينَ الراوي – حيثُ يتحدثانِ عن آبائهم – يكشفُ هشاشةَ “تايلر” التي لم ألحظها في الماضي: مجرّدُ طفلٍ ضائعٍ أخر يلعبُ دورَ الأبِ القاسي.

الفيلمُ، في جوهرِه، قصةُ حبٍّ ثلاثية: راوٍ مَرضى، وامرأةٌ مكسورةٌ (مارلا)، وصديقٌ وهميٌّ (تايلر).
المشاهدُ التي كانَت “مُثيرةً للضحك”، لم تكن سِوى جنسيةٍ مكبوتةٍ.

“نادي القتال” نقدُه للاستهلاكِ سطحيٌّ، وحلولُه العنيفةُ طفوليةٌ، وصمتُه عن التفاوتِ الطبقيِّ يُشبهُ خطابَ اليمينِ البديلِ اليوم. لكنّه يظلُّ فيلمًا ذكيًّا عن رجالٍ يائسينَ في عالمٍ بلا بطولات – دونكيخوتات مصابين بالانفصام – يريدون تحطيم طواحين هواء بأعواد ثقاب.

“القواعدُ الأولى لنادي القتال: لا تتحدثْ عن نادي القتال.”
لكنّ القاعدةَ الحقيقيةَ هي: لا تثقْ بأيِّ فيلمٍ يَعِدُكَ بإنقاذِ العالمِ عبرَ كسرِ نظاراتِك!


المقالات الأصلية :
You Are Not Your Movie Review: ‘Fight Club’ 25 Years Later للكاتب : Craig Bednar

You Are Not Your Movie Review: ‘Fight Club’ 25 Years Later | by Craig Bednar | Medium


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *