وُلد إدواردو هيوز غاليانو في مونتيفيديو لعائلة كاثوليكية من الطبقة المتوسطة. بدأ مسيرته الصحفية مطلع ستينيات القرن الماضي كمحرر في مجلة “مارتشا” الأسبوعية المؤثرة. وعندما استولى الانقلاب العسكري على السلطة في الأوروغواي عام 1973، سُجن غاليانو (كما ورد في كتاب لورنس ويسلر A Miracle, A Universe: Torture In Latin America) قبل أن يُجبَر على الفرار إلى الأرجنتين، حيث أسس مجلة “كريسيس-Crisis” الثقافية.
في عام 1976، مع صعود نظام فيديلا الدموي، وُضع اسمه على قائمة المطلوبين للموت، فهرب مرة أخرى إلى إسبانيا، حيث كتب تحفته الثلاثية ذاكرة النار. عاد غاليانو إلى مونتيفيديو مطلع عام 1985. ورغم تحفُّظه عن وصف نفسه بـ”المؤرخ”، فإن أشهر أعماله —مثل شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة وذاكرة النار— تجمع بين الوثائقية والخيال والصحافة والتحليل السياسي والتاريخ. يقول غاليانو:
“أنا كاتب هاجسه التذكُّر… تذكُّر ماضي أمريكا، خاصة أمريكا اللاتينية، تلك الأرض الحميمة المُدانة بالنسيان.”
أما كتابه كتاب العناق/ معانقات —الذي أشاد به جاي باريني باعتباره أكثر أعماله جرأة— فهو مجموعة من القصص القصيرة الشعرية التي تعرض رؤيته لمشاعر الإنسان وفنونه وسياسته وقيمه، فضلًا عن نقده اللاذع للمجتمع الرأسمالي الحديث. (كان هذا آخر كتاب يُترجم بواسطة سيدريك بيلفريدج، مترجم غاليانو الوحيد ورفيقه، قبل وفاته عام 1991). ويأتي كتاب غاليانو الجديد أصوات الزمن (ترجمة مارك فريد) كتجميع جديد لـ 333 قصاصة من مسيرته القصصية. يُساهم غاليانو بانتظام في مجلات عالمية مثل ذا بروغريسف وذا نيشن، ولا يزال يقيم في مونتيفيديو، حيث يواصل الكتابة ومتابعة كرة القدم برفقة كلبه الأيرلندي “مورغان”.
الحوار:
روبرت بيرنباوم: هل يُعتبر هذا الكتاب ذروة مسيرتك؟
غاليانو: الذروة؟ لا أعرف… ربما نهاية عصر؟
روبرت: هل هو قطيعة مع الماضي؟ أم استمرارية؟
غاليانو: إنه استمرار. بدأت هذا النمط من الكتابة بعد شرايين أمريكا اللاتينية، حين حاولت أن أنظر إلى الكون من ثقب الباب. أكتب قصصًا قصيرة تندمج في فسيفساء من الحوارات بين التجارب والأفكار والأصوات والألوان… النسيج يشبه عمل الحائك: خيوط ملونة تأتي من كل مكان لتصير سجادة واحدة. بعض الخيوط لا تجد مكانًا لها، وهذا مؤلم، لكني أحبهم جميعًا.
روبرت: هل تصعب العودة إلى أعمالك القديمة لانتقاء هذه القصاصات؟
غاليانو: لا، الكتب هي التي تكتبني. هي من تقرر كل شيء. هذا الكتاب نتاج 600 قصة، اختارت 333 منها أن تصير كيانًا واحدًا. الترجمة أيضًا هي إعادة خلق… إنها لا تربطك بالنص الأصلي فحسب، بل تطير بأجنحتها الخاصة.
روبرت: (يطلب منه قراءة أول وآخر نص في الكتاب)
غاليانو: الأول بعنوان “أفواه الزمن”:
“من زمنٍ نحن. نحن أقدام الزمن وأفواهه.وعاجلا أو آجلا، مثلما هو معروف، ستمحو رياح الزمن الآثار.
عبور اللاشيء، خطوات اللاأحد؟ أفواه الزمن تروي الرحلة.
والنص الأخير “أيام مضت”:
“إنه دائمًا الأول مع اقتراب الليل… العصفور النشاز الذي لا يكلّ يوقظ المغنين. وقبل الفجر، تبدأ كل عصافير العالم مراحلها عند النافذة، عابرةً الزهور والانعكاسات. بعضها يغني لفنّ الحب، وبعضها ينشر الأخبار أو النميمة أو الخطب… لكنها كلها —الفنانة، المُبلِّغة، الثرثارة، المجنونة— تنضم لسمفونية واحدة. هل تُعلن العصافير الصباح؟ أم أن غناءها هو من يخلقه؟”
روبرت: كيف تتعاون مع المترجمين؟
غاليانو: مترجمي الأول كان سيدريك بيلفريدج، الإنجليزي المتمرد الذي طُرد من أمريكا أيام مكارثي. كنا توأمين روحيين. أما مارك فريد، فهو صوتي الآخر. المترجمون لا يُقدَّرون كما يجب… عملهم صعب: نقل موسيقى لغة إلى أخرى.
روبرت: كيف تنظر إلى تنوع اللغات؟
غاليانو: قصة برج بابل في الكتاب المقدس تصوّر تعدد اللغات كعقاب. لكني أراها كنزًا إنسانيًّا. التنوع هو أجمل ما في العالم… نحن “موسيقى تمشي”. لكن هناك لغة أقوى: لغة الصمت. الكلمات الجديرة بالوجود هي تلك التي تفوق الصمت.
روبرت: كيف تقاوم التشاؤم في عالم ينفق 2.6 مليار دولار يوميًّا على الحروب؟
غاليانو: الإيمان بالتناقضات مصدر الطاقة. حيث يوجد الظلام، يوجد النور. أنا أقع وأنهض كل يوم… لكني أشك في المتفائلين الدائمين. الإيمان الإنساني متناقض كحياتنا.
روبرت: ماذا عن ديمقراطية أمريكا اللاتينية اليوم؟
غاليانو: العالم بأسره غير ديمقراطي. حتى الأمم المتحدة يهيمن عليها خمسة بلدان تمتلك حق النقض… هم أكبر منتجي الأسلحة ويتحدثون عن السلام! في تشيلي، 75% من الشباب لم يصوتوا. هذه جرس إنذار: ربما فقدوا الإيمان بقدسية الكلمات.
غاليانو: (يختتم بابتسامة) الكلمات مقدسة… كما يعتقد السكان الأصليون. هم لم يخطئوا.
ترجمة للمقال المعنون : حوارية مع غاليانو – Author Interviews / By Robert Birnbaum / July 18, 2006
اترك تعليقاً