عِند باب سيد بربر: وِلادةُ الغريب

·

·

,

إنتظرنا عند باب سيد بربر و عظيمها، طيلة الظهر، و أنا أخبئ رأسي في مخلاية، مخافة أن يسرقه المتحلقون حول قافلتنا.

مع مغيب الشمس الحمراء، و توقف رياح السموم عن مناوشة ثيابنا، إنفتح الباب الخشبي الضخم، و خرج خدّم السيدُ و عبيده يحملون العصي، التي في نهايتها ريش النعام، كانوا يحركونها مراراً في الفراغ، حاول التجار المصريين الهمهمة بأسم شيخ الصعيد، ولد الأزهر الذي تخافه التماسيح، بينما كنت بعيداً، أُحمل في مخلاية سعف بها رأسي و أراقب.

حينها ظهر الجسد الضخم، الذي ينتهي برقبة كبيرة، كان الودك يتقطر من الكتفين، و تظهر لمعة براقة على الجسد الأسود، عارياً من الرداء، إلا قطعة كتان يستر بها شيئه، تحركت الساقين السوداوين تحمل ثقل البطن المنتفخة، بينما ظلت حركة اليدين بطيئة.

إبتدر شيخ التجار حركته محنياً رأسه، مدّ صرة الجلد و قال:السلام عليك يا وادي العلاقي، السلام عليك يا شيخ الصحراء، يا إبن مقرات. بإسمك نعبر وديان السهو، و صحاري الغفلة، أعطف علينا في طريقنا و أحمنا، عطف الله عليك بالصحة والعافية، إحمنا من نبال الهمباتة.

تقدم الجسد خطوات، فقدميه السوداء الكبيرة تعرف الإتجاه، ثم أمسك صرة المال و رماها.

من الخلف جرني التجار المصريين، كان رأسي محمولاً في مخلاية، رفعه العربي الذي يعمل كدليل للقافلة، و من خلف الجسد أبصرت الرجل القصير ذو الأنف الطويل، كان المجذوب الرابع و العشرين، و كانت ذقنه تصل للأرض، و يملك خمسة و ستون شيطان، يعملون تحت إمرته، وله من في النهر و أفاعي الصحراء.

أمسك بحبلٍ موصول في نخاع الجسد، و حركه، فإنحنى الجسد و أمسك بي، عبث بيديه في التميمة و فتح الورقة، ظهرت الرموز فلم أستطع قراءتها، حملها غلام أمرد للشيخ، ثم أمر الجسد فمزق المخلاية بسكين معقوفة و أخرجني، خفت مما يحصل و إرتبكت.

حملقت في وجه المالك، كان ملئياً بالشعر كقرد، و بأنف كبير و شفاه غليظة أخرج من بين أسنانه قصعة لحم فحملها غلام بيد و أخذ يمسح بها رقبة الجسد بحركة دائرية، حملني الشيخ المجذوب وتد أرض بربر بنفسه، باركني بهمهة خفيفة، أحسست بأصابعه تضغط على أذني ثم نطق بالأذان و كان رأسي يلتصق به لحم الرجل الكبير، ثم أحسست بدماء حارة تصعد لدماغي، أحسست بحرارتها في عيني، كانت كلهب. ثم أخذ الصرير يغزو أذني.

كنتُ قد ولدت في بربر، إسمي جون لويس بوركهارت أو إبراهيم المهدي بن عبدالله بوركهارت اللوزاني، سأحفظ تاريخ أرضكم يا سيدي في رأسي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *