مقال مترجم : State of Arrest: The Short Stories of Bruno Schulz
من كتاب :New Perspectives in Twentieth-Century Polish Literature
برونو شولتز، الكاتب البولندي اليهودي، غالبًا ما يُلقب بـ”كافكا البولندي”، وهي مقارنة تحمل بعض الصحة، لكنها تظل محدودة الأبعاد. ففي حين يمكن وصف شولتز بأنه متأثر بكافكا أو قريب منه في بعض الجوانب، إلا أن العكس غير صحيح؛ فلم يُطلق على كافكا يومًا لقب “شولتز التشيكي”. هذه المقارنة، وإن كانت تعكس بعض أوجه التشابه بين الكاتبين، إلا أنها لا تختزل شولتز في كونه مجرد نسخة ثانوية من كافكا. فشولتز، وإن كان إنتاجه الأدبي محدودًا مقارنة بكافكا، يظل كاتبًا شديد الأصالة، يتمتع بصوت أدبي فريد ورؤية خيالية مميزة جعلته علامة بارزة في الأدب البولندي والعالمي.
كان شولتز على دراية بأعمال كافكا، بل ويُقال إنه ترجم رواية “المحاكمة” إلى البولندية، وإن فقدت المخطوطة الأصلية. ومع ذلك، فإن السياق الذي عاش فيه كل منهما يختلف تمامًا. كافكا، على الرغم من كونه جزءًا من أقلية مضطهدة في براغ، كان يعيش في مدينة أوروبية كبرى، وكتب بلغة عالمية هي الألمانية. أما شولتز، فقد عاش في دروهوبيتش، بلدة صغيرة في غاليسيا، على أطراف الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكتب بالبولندية، لغة أقل انتشارًا على الساحة العالمية. عمل شولتز كمدرس للفنون في مدرسة محلية، قبل أن تُقطع حياته بشكل مأساوي في عام 1942، عندما أطلق عليه أحد ضباط الجستابو الرصاص من الخلف خلال الحرب العالمية الثانية.
دروهوبيتش، المدينة التي عاش وكتب فيها شولتز، تقع اليوم في أوكرانيا. ومع مرور الزمن، تم تشييد مجمعات سكنية فوق المقبرة اليهودية حيث دُفن الكاتب، في إهمال واضح من السلطات المحلية (السوفيتية آنذاك) للتراث اليهودي، وهو إهمال يفوق حتى ما تعرضت له المقابر اليهودية في بولندا. ومع ذلك، ربما كان شولتز نفسه ليرتاح لعدم وضوح نهايته، فهو الذي كان دائمًا مفتونًا بالأشياء المخفية والنائية، والمهمشة على هامش الوجود.
في أعماله الأدبية، حول شولتز دروهوبيتش إلى مكان سحري ومسحور، حيث تلتقي الثقافة البولندية باليهودية في تناغم غريب لا يمكن العثور عليه على أي خريطة واقعية. بلغته البولندية الغنية والمشبعة بالخيال، سجل شولتز حياة عائلة إقليمية صغيرة، معزولة ومكتظة بالتفاصيل اليومية التي يحولها إلى عالم أسطوري. في قصصه، نادرًا ما نجد شخصيات خارج نطاق هذه العائلة، مما يعكس طبيعة الحياة في بلدة صغيرة حيث يتركز الاهتمام على التفاصيل الداخلية للحياة الأسرية.
أعمال شولتز تعكس أيضًا علاقته المميزة بالأدب البولندي واليهودي، حيث يخلط بين النصوص الدينية، الأحلام، والحكايات الخيالية، ليبني عالمًا أدبيًا فريدًا يبدو كما لو أنه يستعيد عالمًا مفقودًا من الذاكرة الجماعية.
شولتز وكافكا: مقارنة أعمق
إذا أردنا الغوص أكثر في مقارنة شولتز بكافكا، نجد أن كافكا كان مهووسًا بفكرة سحق الإنسان تحت وطأة الهياكل البيروقراطية والقانونية التي صنعها بنفسه، والتي تستبعده وتحكم عليه دون رحمة. في المقابل، شولتز يستمتع بوجوده على هامش العالم “الحقيقي”، حيث لا يقبل هذا العالم إلا إذا استطاع تحويله إلى شيء سحري عبر خياله الخصب. فشولتز لا يرى الواقع كما هو، بل كما يمكن أن يكون تحت تأثير التحولات الأسطورية.
كلا الكاتبين يتشاركان في مصير مشترك: الابن المحبوس في علاقة أوديبية مع الأب، حيث يظل الابن عالقًا في “حالة توقف” تمنعه من النضوج أو التحرر. لكن عالم الأنثى في أعمال شولتز يظل محظورًا وتهديديًا، وإن كان مثيرًا للرغبة. في رسوماته، يعود شولتز دائمًا إلى دراما سادية مازوخية، حيث يظهر الرجل مهيمنًا عليه من قبل أنثى قوية ومغرية، لكنها بلا مبالاة. هذه الشخصيات، سواء في كتاباته أو رسوماته، غالبًا ما تكون غريبة الأطوار: الرجال برؤوس كبيرة (ربما مليئة بالأفكار الثقيلة)، بينما النساء يرتدين ملابس أنيقة أو شبه عارية، ويتصرفن بثقة كبيرة كمغويات بلا مبالاة.
الخيال والتحولات الأسطورية
شولتز، على عكس كافكا، يعيش في عالم يهودي مسيحي، حيث تتحرر القوى الخيالية التحويلية الموجودة داخل “الكتاب” (الذي يرمز إلى الأب) وتتحول إلى أشكال وألوان معقدة، في تصميم باروكي متحرك. “الكتاب” في أعمال شولتز ليس مجرد نص مقدس، بل هو أيضًا دفتر حسابات مليء بالملصقات الملونة، يقدم للابن عوالم خيالية خالدة، تذكرنا بسيمفونيات مالر، حيث تلتقي التفاصيل التافهة مع الأفكار المتسامية.
بالنسبة لكافكا، كانت الكتابة صدمة عميقة، فعل مذنب يتم في تحدٍ للأب، ويتحدى النصوص الدينية من خلال المطالبة بالحكمة. هذه الفكرة تتجسد في قصته المرعبة “في مستعمرة العقاب” (1919)، حيث يُعرف العقاب بالكتابة، من خلال آلة تنقش الحكم على جسد المحكوم عليه.
برونو شولتز، وإن كان يُقارن بكافكا، يظل صوتًا أدبيًا فريدًا، يستحق أن يُقرأ لفنه الخيالي الغني ورؤيته المميزة. أعماله، وإن كانت محدودة الكم، تقدم عالمًا سحريًا يختلط فيه الواقع بالأسطورة، ويظل شاهدا على عبقرية كاتب عاش على هامش العالم، لكنه استطاع أن يخلق عالمًا أدبيًا لا يُنسى.
رابط المقال الأصلي : State of Arrest: The Short Stories of Bruno Schulz | SpringerLink
Art work by Bruno Schulz البورتريه بواسطة برونو شولتز
ترجمة : أيمن هاشم
اترك تعليقاً