ترجمة : أيمن هاشم
عندما وقف عبد الرحمن موسى لالتقاط صورته، كان قد أكمل للتو أربع سنوات من الخدمة العسكرية في المكسيك مع كتيبة من “السود” (nègres) في الجيش المصري الذين تعود أصولهم إلى السودان. هو وزملاؤه دعموا جيوش نابليون الثالث، الذي غزا المكسيك عام 1862 وأنشأ ملكية تحت حكم ماكسيميليان (شقيق الإمبراطور النمساوي المجري فرانز جوزيف) وزوجته شارلوت (ابنة الملك ليوبولد الأول ملك بلجيكا). واجه الجنود السودانيون حربًا منهكة ضد المقاتلين المكسيكيين، “الليبراليين” أو “الجمهوريين”، المصممين على إعادة تأسيس جمهورية بعد نصف قرن من انتزاع استقلالهم من إسبانيا. كما نجوا من الأمراض، خاصة الحمى الصفراء التي أودت بحياة الكثيرين في المناطق الساحلية حيث خدموا.
في عام 1867، مع انسحاب فرنسا من المكسيك، عاد السودانيون إلى مصر كجزء من هذا الإجلاء. تَلَت الانهيار مقاومة مكسيكية عنيدة وضغوط أمريكية متأخرة لكن قوية، بعد أن تجمّعت الحكومة الفيدرالية الأمريكية عقب الحرب الأهلية (1861-1865). بانسحابه، ترك نابليون الثالث ماكسيميليان – الضعيف والهذيان من الدوسنتاريا المزمنة – لمواجهة القوات المكسيكية وحده.
رغم الخزي الذي رافق الانسحاب، كان لعبد الرحمن موسى وزملائه أسباب للاحتفال عند وصولهم إلى فرنسا في مايو 1867 في طريقهم إلى مصر. بعد رسو سفينتهم في طولون، توجهوا إلى باريس حيث حصلوا على ترقيات في حفل تكريم.
تكشف الصورة في متحف الجيش الفرنسي أن عبد الرحمن موسى حصل على وسام “فارس جوقة الشرف”، أرفع تكريم فرنسي، من نابليون الثالث في قصر التويليري.

تحليل الصورة وسياقها التاريخي:
- الدلالات الرمزية: يُظهر الزي الأبيض الناصع ووسام الشرف مكانة النخبة العسكرية، بينما يشي السيف المكسيكي في يده بصراعات الاستعمار المتشابكة.
- التقنيات الفوتوغرافية: التقطت الصورة بتقنية “الكولوديون الرطب” المتطورة آنذاك في استوديو “سانت-إدم” القريب من قصر الإنفاليد، مما يعكس مكانة الموضوع.
- المفارقة التاريخية: رغم تكريمه كـ”فارس”، اختفى عبد الرحمن موسى من السجلات بعد عودته للسودان، مجسّدًا مفهوم “النخبة التابعة” (subaltern elite) التي تجمع بين الامتياز والهامشية
- ذاكرة مبعثرة: تبقى صورته في متحف باريس الشاهد الوحيد على مشاركة السودانيين في حرب المكسيك، بينما طواهم النسيان في وطنهم.
مقال مترجم من الموقع : The Photograph of ‘Abd al-Rahman Musa in Paris (1867): A Sudanese Veteran of the Egyptian Army in Mexico
نبحث في هذا المقال المترجم في صورة عبد الرحمن موسى، ضابط سوداني في الجيش المصري الذي توقف في باريس ضمن الكتيبة السودانية عام ١٨٦٧ في طريق عودته إلى مصر من المكسيك حيث كان بخدم في التدخل العسكري الفرنسي وربما تكون أول صورة فردية لشخص من أصل سوداني. يحاول المقال فهم مسارات هذا الجندي المحلية والعالمية وتسليط الضوء على بناء التاريخ في العديد من الأماكن وعلى نطاقات مختلفة. كتجربة في السيرة الذاتية، يظهر المقال عبد الرحمن موسى كعضو من “نخبة مهمشة”: جندي مزيّن بوسام جوقة الشرف التقط صورته في استوديو باريسي بأحدث التقنيات لكنه اختفى بعد ذلك دون أن يترك أثرا في السجل التاريخي. إن الجهود المبذولة لاستخراج وتجميع الأدلة المجزأة المرتبطة بصورته تجعل هذه المقالة في النهاية دراسة منهجية في كتابة التاريخ عندما تكون المصادر محدودة.
اترك تعليقاً