“المرة كان بقت فاس؛ بتشق الراس.”
لقد كُنَّ النساءُ، على مرِّ عصورِ السودان، خيرَ مثالٍ للفخر، وبرغم محاربة النظام الأبوي لهنّ، كُنَّ صامداتٍ مثابراتٍ، رافعاتٍ رؤوسَهُنَّ، يتجرعنَ مرارةَ النظام الفاسد، وتزيدُهُنَّ المرارةُ عِنادًا وقوةً. لكن اليوم، اسمحوا لي أن أخصَّ بالذكر نساءَ دارفور.
“البِنية سلام يا مِيرم عوافي.”
لا أعلم إن كان النعيّ كافيًا، وإن كفاكِ سيدتي فهل يفيض؟
هل يفيضُ ليبلُغ أطفالًا أنهكهم الجوعُ والتعب، موسيقاهم أصواتُ الرصاصِ المدوية، وأعينُهم التي كساها الدمعُ كُحلًا؟
وبعد النعي، لكُنَّ مني صوتي الغاضب الضعيف، فأصواتُ نحيبِكُنَّ هي العنوانُ والقصةُ والخاتمة. وجلاليبُكُنَّ المرتويةُ بدماءِ الأحبة، ولونُكُنَّ الأسمرُ المستفزُّ لهرطقاتِ الحكامِ والتاريخِ المحرَّف، المُعرف والموسوم بشرفِ معاناتِكُنَّ وأجسادِكُنَّ المغتصبةِ المنتهَكةِ المسلوبةِ، التي أرهقها النزيف.
اليوم أكتبُ الحقيقةَ ولستُ خائفة، فالخوفُ في حضرةِ شجاعتِكُنَّ جريمةٌ. بل وسأروي ما كتبتُ مرارًا وتكرارًا، عسى أن يستيقظَ ضميرُ الأمم، عسى أن يُتليّ عليهم تدينُهم المزيّفُ نصًّا كتابيًا يُذكّرهم بمعنى الإنسانية، بمعنى أن ترى الأرواحَ تُزهق وتختار أن تصمت،
بمعنى أن ترى الأجسادَ تُنتهك وتختار أن تصمت، بمعنى أن ترى أجيالَ المستقبل تُدفن وتختار أن تصمت، بل ومعنى أن تختار أن تصمت في العموم.
فالصمتُ لا يعني ألّا تصرخ، بل أن لا تبلغَ حروفُك المقصدَ وتتركَ الواقعَ بلا ترويض. ما تُواجِهه نساءُ وطني اليوم ليس بجديد، بل هو امتدادٌ لمعاناةِ عقودٍ طويلةٍ، قوبلت بالإسكات وأقسى أنواع القمع: سلبُ الحرية.
“فلا، ثم لن يسكتَ للحقِّ صوتٌ”
ما سبق خطابٌ لإيقاظِ ما تبقّى من ضميرِكم،
والتالي كلماتٌ تُناجيكم:
أسعفونا؛ فالنساءُ في وطني يُولدنَ وهنّ ينظرنَ إلى قبورِهِنَّ تُحفَر،
فيتعلمنَ الحفرَ عُنوةً ليحفِرنَ قبورَ التاليات، في حالِ استمرارِ الموتِ كمصيرٍ حتميٍّ لهنّ.


اترك تعليقاً