تشريح جروح جنوب أفريقيا
في تشريح لرواية “عار/ خزي”، نرى التحولات العرقية بجنوب أفريقيا، بتسليط الضوءَ على هشاشةِ الإنسانِ أمامَ تغيُّرِ البُنى الاجتماعية. وهي لا تكتفي بوصفِ سقوطِ النخبةِ البيضاء، بل تُلامسُ قضيةً أكثرَ عمقًا: الوحشيةُ التي يُمارسها البشرُ تجاهَ الحيواناتِ والطبيعة، كمرآةٍ لعنفِهم تجاهَ بعضِهم.
“ديفيد لوري”، أستاذُ الأدبِ الأبيض المُتعجرف، يُجسِّدُ انهيارَ الهيمنةِ البيضاءِ عبرَ فضيحةِ تحرشِه بطلبةٍ جامعية. رفضُه الاعتذارَ لا يعكسُ غرورَهُ فحسب، بل عَجْزَ جيلٍ بأكملهِ عن فهمِ تحوُّلِ السلطةِ في ظلِّ ما بعد الفصل العنصري. يُطردُ من الجامعة، فيلجأ إلى مزرعةِ ابنتهِ “لوسي” النائية، حيثُ يصطدمُ بعالمٍ جديد: جيرانٌ سودٌ يصعدونَ من هوامشِ التاريخ، بينما البيضُ يتراجعونَ إلى هامشِ الوجود.
“لوسي”، الابنةُ المثاليةُ التي ترفضُ الهروبَ إلى أوروبا، تدفعُ ثمنَ تمسُّكِها بالأرضِ اغتصابًا على يدِ ثلاثةِ رجال. المشهدُ ليسَ مجردَ عنفٍ عرقي، بل استعارةٌ لانقلابِ الأدوار: الضحيةُ البيضاءُ تُذكِّرُ بقرونِ الاضطهاد، بينما المُعتدونَ السودُ يصرخونَ بغضبِ المهمشين. “بيتروس”، الجارُ الأسودُ الذي كانَ يومًا “راعي الكلاب”، يتحولُ إلى مالكٍ للأرض، مُعلنًا ببرودٍ: “الأمرُ انتهى”، كأنما يختزلُ مصيرَ جنوب أفريقيا في جملةٍ واحدة.
بينما تُذبَحُ الكلابُ وتُرمى جثثُها، يُقدِّمُ كويتزي استعارةً مروعةً عن وحشيةِ الإنسانِ بلا تمييز.
مشاهدُ “لوري” وهو يُسهمُ في قتلِ الكلابِ الضالةِ بالملجأ – كتكفيرٍ غيرِ واعٍ عن ذنوبه – تُلخِّصُ فكرةَ الرواية: الجميعُ مُذنبون، الجميعُ ضحايا. حتى الحيواناتُ، التي تُذبحُ بلا رحمة، تُصبحُ شاهدًا على “العار” الإنسانيّ المشترك.
عندما يُواجهُ “لوري” والدَ الضحيةِ في الجامعة، يصطدمُ بغضبٍ أبيضَ مثله: “نحنُ نثقُ بكمَ لتربيةِ أبنائنا!”.
الصدمةُ هنا ليست في الفعل، بل في سُخريةِ التاريخ: البيضُ أنفسُهم يُصبحونَ قضاةً على أنفسِهم. لكنَّ “لوري” يُصرُّ على لعبِ دورِ الضحية، مُتناسيًا أنَّ الاعتذارَ – في جنوب أفريقيا الجديدة – ليسَ خيارًا، بل ضرورةٌ للبقاء.
“لوسي” ترفضُ المغادرةَ وتتقبلُ حملَها من المغتصبِ كـ”ضريبةِ بقاء”، بينما هوَ يغرقُ في كتابةِ أوبرا عن “بايرون” – رمزًا للثقافةِ الغربيةِ التي صارتَ غريبةً في أرضٍ لا تعرفُ إلا لغةَ الترابِ والدم. المشهدُ الأخيرُ يلخِّصُ المأساة: “لوسي” تتحولُ إلى فلاحةٍ بسيطة، و”بيتروس” يمتطي الجرارَ كسيدٍ جديد، بينما “لوري” العجوزُ يُدركُ أنَّ خطَّ الدمِ سينقطعُ معَ الطفلِ القادم، كأنما التاريخُ يُغلقُ صفحةَ البيضِ إلى الأبد.
“خزي” ليست روايةً عن جنوب أفريقيا فحسب، بل مرآةٌ لكلِّ مجتمعٍ يُحاولُ النهوضَ من تحتِ ركامِ الماضي. كويتزي لا يقدّمُ حلولًا، بل يُجبرُ القارئَ على مواجهةِ السؤالِ الأبدي: كيفَ نعيشُ معَ أطيافِ ماضٍ لا يُغتفر؟
رابط المقال الأصلي : In Retrospect: “Disgrace,” Coetzee’s Masterpiece – National Book Critics Circle
اترك تعليقاً