رغم إحتمال وجود نصوص مكتوبة لها إلا أن الحكاية الشعبية تظل تحت قائمة الأدب الشفاهي ما ظل المجتمع يتداولها ويتناقلها، وهي تقوم على عنصر التشويق المتمثل في وجود حدث يتصاعد مع مرور الحكاية ليصل بالسامعين إلى نقطة التشويق – التعقيد، ثم تُحل العُقدة بواسطة منقذ خارجي يستجيب – بشكل أو بآخر- لبعض أنواع سلوك البطل التي تحتشد بها – عادة بداية الحكاية كأن يكون البطل وفياً مخلصاً، أو عطوفاً رحيماً أو منقذاً لابن ابنة المنقذ الجديد أو … الخ.
عالم الحكاية الشعبية هو عالم خاص بها لا يحده زمان ولا مكان ولا يخضع للقوانين التي تحد عالم الواقع، وهو ما يسميه محمد المهدي بشرى بالمنطق الداخلي للحكاية الشعبية، ويضيف، وهي تتميز أيضاً بقانون التكرار الثلاثي حيث تجري المحاولات ثلاثة مرات يكون النجاح – دائماً – في المرة الثالثة، أو للإبن الثالث، أو غير ذلك، ونلاحظ الحديث لمحمد المهدي بشرى – أن الحكاية دائماً ذات بداية محددة مثل (حجيتكم ما بجيتكم خيراً جانا وجاكم) وكذا الحال مع النهاية أنحترت وانبترت في قد الصغير فينا).
والحكاية الشعبية في منطقة الحامداب تنقسم إلى ثلاثة أنماط من حيث مصداقيتها لدى السكان المحليين، تنطبق مميزات الحكاية الشعبية سابقة الذكر على نوع واحد منها وربما بعض الملامحفي النوع الثاني أما النوع الثالث فإنه يبدو أكثر واقعية ولذلك فهو يجد التصديق الكامل لدى جمهوره من سكان المنطقة.
حكايات ما قبل النوم – Bed Time Stories
يخضع هذا النوع لكافة معايير – وظائف الحكاية الخرافية التي وضعها فلاديمير بروب، وسميناه بحكايات ما قبل النوم تجاوباً مع اقتراح محمد أحمد حمدون لأن هناك إعتقاد في منطقة الحامداب أن رواية هذا النوع من الحكايات نهاراً يعرض الراوي أو أحد أعزائه للموت أو العمى رواة هذا النوع من الحكايات ومستمعوها يؤمنون بعدم إمكانية وقوع أحداثها ويتداولونها للتسلية والترفيه وفي الغالب فإن رواة هذه الحكايات هم الجدات أو الأمهات أو الأخوات الأكبر سناً والجمهور هم الأطفال دون السابعة أو الثامنة وهم الذين لا تتوافر لهم فرص اللعب خارج فناء المنزل ليلاً.
ورغم أن الغرض الواعي والمدرك لهذا النوع من الحكايات هو إزجاء وقت الفراغ إلا أنه يؤدي من أشهر هذا النوع من الحكايات حكاية أزرق كحيل وحكاية فاطمة السمحة التي لاحظنا أثناء الجمع أنها تفتقر – بكل نصوصها للموتيفة الرئيسية أو الطراز المنشئ للحكاية Arch type وهو رغبة الأخ في الزواج من أخته، وبهذا يمكن القول أن هذه الحكايات أفرغت من محتواها القيمي وظلت متداولة لإغراض التسلية والترفيه، ويتوافق هذا الإتجاه مع الإسم المحلي لهذه الحكايات وهو (المقالات) الذي يعني مقولات لا يعرف قائلها ولا قيمة لها إضافة لأنها غير قابلة للتصديق، ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أن قانون البداية لهذا النوع من الحكايات هو قالوا في المقالة أبو الجعران ضبحلو فاره وقسم لي جيرانو المرارة مما يهئ المستمع لمقاله ليست واقعية وتحتوي على المبالغات.
نلاحظ في هذه الحكايات وجود دوائر الخير والشر التي تحدث عنها (بروب) والشخصيات المحورية في دائرة الشر في مجمل هذه الحكايات هي الهمبوتي، والبعاتي وزوجة الاب والعويل وفي ذلك ما يوضح جانباً من نظرة المجتمع لعلاقات القرابة، والتصاهر أما دائرة الخير فالابن الابنة هو مركزها : ( إبن / إبنة السلطان الفلاح، الرجل الكبير . الخ) وكأن الخيرية والبطولة ترتبط ذهنياً عند السكان المحليين بالشباب والقوة والجمال
نورد نموذجاً لهذا النوع من الحكايات الحكاية التي جمعها الجامع أحمد محمد حمدتو من فريق الجمع الفولكوري :
(في واحد سلطان حاكم حُكم صعب وجاهو عبد قنب معاهو خدام والسلطان مات.. وقالوا يدقوا النحاس والناس تتلمه ويفكو الطيرة والتنزل فوق راسو يبقي الملك قامت الطيرة نزلت فوق راس العبد ثلاثة مرات يفكوها وتقع فوق راس العبد …. قاموا رضو بي حكموا وكان حكمو صعب شديد لامن قالوا نحنا نفتش سيد العبد وقاموا ركبوا بالزمن الطويل لامن لقوا سيدو وحدثوه بي ظلم العبد، والراجل جا معاهم للعبد قام قاللوا أنا بقيت ملك وساقو بعيد وقاللوا : الناس ديل التمساح حماهم البحر والأسد مضايقن وإنت حكمك صعب عليهم. قاللو أبوي أرقد معاي عشان تسمع بي اضانك لأنو أنا الحكم يجيني نص الليل الأخير في شكل طيره تتكلم معاي. وفي تلت الليل الأخير الطيرة جات وقالتلو يا جرجور أحكم فيهم شديد . قام الراجل مرق لمن سمع الكلام ولم الناس كلهم وقالهم أنا سمعت بي أضاني والطيرة هي الحاكماكم . قالوا خلاص نحن نكون مع الله ونعبد الله عشان تفرج علينا . ولمن عبدو الله الأسد جاء يشرب من البحر قام التمساح مسك الأسد والأسد قام جر التمساح وأنشكلوا الاتنين بره البحر والأسد كسر رقبة التمساح، حاول يروح البحر الجماعة كتلوه وفتحو خشمو وقفوه بي عود قدر طول الزول وخلوه وجو فايتين بي جنب السراية بتاعة العبد وجرجور فتح الباب وكلموه بالحاصل وجا مارق ووروهو ليهو، قالهم خشمو كبير مالو ؟ قام دخل فيهو والعود إنكسر والثلاثة ماتوا في يوم واحد .!
اترك تعليقاً