للكاتب : بكري التاج
ظلّت رُوح الجيتار تائهة على غير هُدىً لعقود؛ ولدَت على أيدٍ خشنة لم تختبر الرقّة و اللين من قبلها ؛ أيادٍ اعتادت على انتزاع القصوب و قطف الاقطان و تضميد آثار السياط في دلتا المسيسيبي فوُلدَت روحاً في جسدٍ معدني قاسٍ من علب الجازولين الصدئة المُهملة فكانت روحاً تحكي معاناة صرفة ان لم تُشجيك ستصيبك بالكآبة و الحُزن الأفرواميركي هو حُزنٌ غريب الملمس و نافرُ الجِلدِ لأنّ الكلمة التي صنعت أغنيته تنتمي الى لغة مستبدة آثمة ، لغة الصقيع و العُزلة الجبريّة ؛ تاهت هذه الروح مرةً في
خط الاستواء فوجدتها أيدٍ لينة طائعة و أخرجتها من مهدٍ خشبي صُنع من أخشاب شجرة بلوط عمّرت ألف سنة على تخوم أميريكا اللاتينة فألبسوها ثوباً فرايحياً زاهياً بالألوان و السمَار و على ايقاعها مارست هذه الشعوب : شعائر ؛ حب ؛ حروب و معاركَ تاريخية ضارية ؛ و حتى تلك اللحظة لم تكُن روح الآكوست قد اكتسبت تقويمها و صورتها الأمثل و لم تكن قد تحررت من قيدِ اللغة بعد و التوق الى ملامسة المعنى و لدت عشرات المرات مصابة بالتشوهات و العيوب الجمالية و في تلك الأثناء كانت شعوب الصحراء من تيمبوكتو الى أغادير تشحذ الهمة و تجرّب الطقُوس لاستحضارها فشُدّت اوداج آلة الإمزاد و نُحِرتَ بأيدي النسوة في ليالي لن تنساها صحاري طاسيلي و لا واحات جانت الخضراء ؛ و على ضفاف نهرِ النيجر خرج صبيّ في ريعان العشرين من عمره على ظهر قارب علّه يمسكها بشِباكهِ الصوتية المُحكمة و لم تنطفيء نار همته كأنّه نحلة نشطة فمكث ليالٍ يمشّط النّهر في دأب و سخِرَ منه قومه و اطلقوا عليه لقب “فاركا” لهيامه و انسجامه في مسعاه الجمالي الغريب هذا ..
في ليبيا عام اثنين و ثمانين راودت العقيد معمر القذافي رؤيا أقلقت مضجعه و زاورته الحاحاً مزعجاً فنادى الحشم و العرافات و منه كان قد تقطّر عرقٌ نبوئي في أكثر ليالي الصحراء برداً و سأل عن : جبل تتفجّر عنه ناقة كاملة التكوين بهيّة الطلعة مُدججة لسيرها ايقاع و موسيقى متئدة ماهلة تيممت شطره و هو في فيء و خضرة و ماء قيل فأناخت و استقت حتى ارتوت و هبت تواصل في سيرها قاصدة صحراء مالي الواسعة لا تلوي على شيء ؛ فحارَت الرؤيا في تأويلات العارفين بأمور الأحلام و النبؤات و تناقلتها الألسن و الآذان و اضحت حديث المُدن و القرى ..
في العام ٢٠١٩ بعد ان مرّ على وفاة القذافي سبع سنوات التقت الفنانة الموريتانية نورا منت سيمالي بأبراهيم اغ الحبيب ابريبون قائد فرقة تيناروين و عرض عليها المشاركة في البومهم الجديد بأغنية قديمة اعتادوا ترديدها في جلسات الانس و الاحتفالات المحلية و بدا انه الوقت المناسب لتخرج ليستمع اليها العالم تحكي عن آمال شعب ايموهاغ و ترد الجميل الى العقيد القذافي لتقديمه يد العون لهم ؛ و غنوا آمالنا ..مستقبلا
لم يعرف شعب الصحراء دلالة ذلك الحلم الا بعد سنوات حينما سمعوا جميعآ قصة تأسيس الفرقة و ما لازمها من عجائب ؛ يحكى أنّه في ليلة الاثنين السادس و العشرين من شهر رمضان المعظم و بينما أبريبون يتوسد الارض و يلتحف السماء في معسكر من معسكرات القذافي اذا بنسمة روحية أليفة تتسلل الى تحت ابطه و تستحوذ على بندقيته الكلاشنكوف فتحيلها الى … جيتار
اترك تعليقاً