حلقة USS Callister – مسلسل مرايا سوداء

·

·

, ,

طوال مواسمه السبعة، غطّى مسلسل Black Mirror أرضًا سردية شاسعة. من حيوات رقمية بعد الموت مليئة بالحب السحاقي، إلى منازل ألعاب الفيديو المسكونة، إلى مراكز التوصيل في عالم ما بعد نهاية العالم، لطالما كان لدى تشارلي بروكر شغفٌ بالذهاب حيث لم يجرؤ الآخرون. ومع أن عقد نتفليكس الجديد للمسلسل شجّع على التجريب، فإن الحلقة السادسة والأخيرة من الموسم السابع تنطلق إلى أبعد المواقع السردية غرابةً: “ملخص في بداية الحلقة”.

حلقة USS Callister الأصلية كانت محاكاة لأسلوب Star Trek -ومستوحاة من حلقة “It’s a Good Life” من The Twilight Zone)، ووجهت سهامها إلى الذكورية السامة – ليس فقط تلك التي تروّج لها التلفزيونات القديمة، بل أيضًا التي تظهر بوضوح في عالم الألعاب الإلكترونية.

نعم، حلقة “USS Callister: Into Infinity” هي أول تكملة مباشرة في تاريخ Black Mirror، وتبدأ بفقرة “سابقًا في…” لإثبات ذلك. هذا التذكير ليس ثانويًا، فالحلقة الأصلية “USS Callister” عُرضت لأول مرة في 29 ديسمبر 2017 وكانت واحدة من أكثر الحلقات طموحًا.

في تلك الحلقة، تابعنا روبرت ديلي (جيسي بليمونز)، المبرمج العبقري والانطوائي الذي ابتكر لعبة MMO شهيرة تُدعى Infinity. ولأن ديلي كان منعزلاً ويشعر بالنبذ، لجأ إلى وسيلة انتقام شريرة: تحميل نسخ رقمية من زملائه إلى نسخة معدلة من اللعبة تُشبه برنامجه المفضل “Space Fleet” (محاكاة لستار تريك). وهناك، على متن “USS Callister”، كان “الكابتن ديلي” يُعذّب طاقمه. لكن الموظفة الجديدة نانيت كول (كريستين ميليوتي) قادت ثورة انتهت بهروب النسخ الرقمية إلى الكون اللامحدود لـInfinity، وبموت ديلي ماديًا ورقميًا.

حلقة “Into Infinity” ليست المرة الأولى التي يعود فيها Black Mirror إلى ماضيه، ولا حتى الأولى في هذا الموسم التي تستحضر شخصية قديمة. لطالما حاول بروكر ورفاقه الحفاظ على نوع من الاستمرارية داخل هذا الكون المتشعب، ويمكن للمهتمين برصد “بيض الفصح” السردي تجميع خريطة تربط بين الحلقات. لكن العودة بتكملة كاملة هو شيء آخر تمامًا. وبهذا المعنى، تُعد هذه الحلقة الأكثر إثارة منذ… الحلقة الأصلية ذاتها.

نلتقي مجددًا بطاقم Callister بقيادة الكابتن نانيت كول، لكن الحياة في اللعبة لم تكن كما توقّعوا. فبصفتهم الكائنات “الوحيدة الحقيقية” التي يمكن أن تموت فعليًا داخل اللعبة، اضطر الطاقم إلى العيش كقراصنة يسرقون من اللاعبين الآخرين، بينما تُقلّص المشتريات داخل اللعبة الاقتصاد المجريّ.

لكن “خطأ عدم وجود بطاقة تعريف” الذي يُميّزهم يجعلهم هدفًا دائمًا للاعبين الآخرين، وتبدأ فرق التطوير في العالم الحقيقي بملاحقتهم. بل حتى نيويورك تايمز تدخل على الخط وتفتح تحقيقًا مع المدير التنفيذي جيمس والتون حول “كائنات بلا هوية” قد تكون نتاجًا لتكنولوجيا استنساخ رقمية محظورة استخدمها ديلي سابقًا.

يدرك الطاقم أن مخرجهم الوحيد هو قرصنة خوادم اللعبة، وبناء جنتهم الرقمية الخاصة. للقيام بذلك، يحتاجون إلى استعادة جيمس والتون، ومواجهة خصم قديم في قلب اللانهاية.

الدمج الذكي بين المؤامرات الرقمية والواقعية يُعيد للحلقة طاقة الحلقة الأصلية، مع تقديم مغامرة جديدة. عودة الخطر الحقيقي للموت تجعل القصة ذات رهانات واضحة. ولأول مرة في تاريخ السلسلة، تُبنى الحبكة على قرارات الشخصيات لا على “عبرة خيال علمي”. هؤلاء المستنسخون الرقميون ليسوا مجرد أدوات نقد أخلاقي، بل بشر افتراضيون نحمل لهم تعاطفًا حقيقيًا.

طاقم التمثيل الرائع يساعد كثيرًا. تواصل ميليوتي هيمنتها على دراما الخيال العلمي عبر تجسيد شخصيتين من نانيت: الأولى الموظفة الحقيقية المحطمة، والثانية القائدة الرقمية القوية. جيمي سيمبسون يقدم أداءً مزدوجًا مؤثرًا كمُنقذ ومجرم، في حين يشكّل اكتشاف فتحة غريبة في ظهور شخصية “روكي” إحدى أكثر اللحظات الكوميدية إبداعًا في تاريخ المسلسل.

رغم  الإطالة ومشاهد القتال الفضائية، لا تسعى الحلقة لأن تكون “مبهرة”. بل تبدو قصة خيال علمي تقليدية بطابع Black Mirror المعتاد. لكن هذا الكلاسيكية تُشعر المشاهد بالحنين وتجعله يُقدّر التنوع السردي للمسلسل – بل وتُظهر أن Black Mirror قادر على أن يكون أيضًا Galaxy Quest.

الإبداع السردي هنا لا يتراجع؛ بل يُبنى كل تطوّر على قرارات الشخصيات. توبي هاينز يرسم عالمًا غنيًّا بالألوان، أشبه بعوالم ألعاب No Man’s Sky، ويُقدم معارك جوية مثيرة .

في قلب العتمة… كراج

ذروة الحلقة ليست في المعركة، بل في مكان صامت مألوف: كراج روبرت ديلي، نسخة رقمية منه لا تزال موجودة، صممها والتون ليضمن استمرار عقله المبدع داخل اللعبة. يعيد جيسي بليمونز تقديم شخصية ديلي بأداء يمزج بين الرعب والرثاء. تقول نانيت له جملة لا تُنسى:

“أحيانًا أراك كصياد، وأحيانًا كمسكين”.

هذا الكراج، وهو ذاته مهد “الأسطورة التكنولوجية” في وادي السيليكون، يتحول هنا إلى استعارة عن القلب الفاسد لهذه الصناعة: رجال بسطاء يدّعون أنهم “يبنون المستقبل” من مرآب بسيط، بينما في الواقع يعيدون تدوير استغلال ذكوري لا يختلف عن سادة الإقطاع.

الشرّ وإن كان يُزرَع من الخارج، إلا أنه دائمًا ينمو من بذرة دفينة في القلب والعقل.

يخيرها بين خيارين اما هلاكها او نجاة الطاقم (مشهد الديسكات يشبه مشهد الحبوب في فيلم المصفوفة، في حين نانيت تختار الحل الأوضح: تسدد فأس فضائي إلى جبهة ديلي الرقمية، وتُحرر طاقمها إلى الأبد.

وتحسب نفسك جرم صغيرٌ،
وفيك إنطوى السر الأكبر.!

إلى أين بعد اللانهاية؟

لا تقدم نهاية الحلقة أي تلميح حول نية المسلسل في صنع ثلاثية. بل على العكس، تنتهي القصة برسالة خطأ محتوى قاتل 606، وسجن والتون، واستحواذ طاقم كالّيستر على جسد نانيت الحقيقي في عالم أشبه بفيلم Being John Malkovich.

لكن المتعة الظاهرة التي استمتع بها فريق العمل هنا، تجعل من السهل تخيّل عودة USS Nanette من جديد. فكما أثبتت هذه الحلقة، لم يعد Black Mirror مجرد مرآة سوداء… بل سفينة فضاء تنطلق، بالإمكان أن تروى القصص مجدداً من القصص القديمة، مرةً بعد مرة، نحو حدود جديدة من الحكاية والخيال.

المصادر: Written by: Alec Bojalad


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *