حجر سوبا المُقدس

كانت مملكة علوة (المعروفة أيضًا بـ «ألوا» بالعربية (علوة)، دولة نوبية عُرفت في العصور الوسطى، وقد تشكلت خلال فترة غامضة وغير موثقة جيدًا في القرنين السادس والسابع الميلاديين. كانت مملكة دنقلا في شمال السودان وجنوب مصر أشهر الممالك النوبية آنذاك وربما الأقوى. ظهرت كل من دنقلا وعلوة بعد انهيار مملكة كوش التي سيطرت على المنطقة من عام 785 ق.م حتى 350م، إلى جانب مملكة ثالثة هي نوباتيا وعاصمتها باخوراس (فاراس الحديثة). تأسست علوة حول عاصمتها صباح (سوبا) قرب الخرطوم الحالية، مما جعلها أقصى الممالك الثلاث جنوبًا، وامتدت أراضيها من جنوب الشلال الخامس حتى مرتفعات إثيوبيا.

أصل الاسم:

تشير تحليلات اسم «علوة» إلى أنه قد يكون ذا أصل قوطي أو فاندالي (جرماني)، مكونًا من مقطعيْن: «آلا» بمعنى «الآخر» أو «الغريب»، و«أود» بمعنى «الثروة». كما وُجدت قديسة إسبانية تُدعى «ألوديا» في القرن التاسع. هل وصل لاجئون أو أسرى من انهيار ممالك القوط الغربيين في إيبيريا أو الفاندال في شمال إفريقيا إلى النوبة وأثروا في تأسيس علوة؟ قد يكون الفاندال المرشحين الأقوى لهذا.

بديلًا عن ذلك، يرجح «إدوارد داوسون» أن الاسم مشتق من «آلا» أو «وَال» الجرمانية بمعنى «الغال» أو «الكelt»، أو «الإله» في اللغات السامية (مثل «إيل» العبرية و«الله» العربية). عندما غزا النوبيون مروي في القرن السادس ق.م، فر بعض سكانها غربًا وأسسوا مجتمعات في نيجيريا وبنين الحاليتين، حيث لا تزال كلمة «آل» تُستخدم كبادئة لأسماء الأرواح (الملائكة).

في اليوربا (غرب إفريقيا)، تعني «أولو» الزعيم أو الكاهن، بينما تُعرف الملائكة في بنين (داهومي سابقًا) باسم «لوا» (مشتقة من «أولوا»). هذا يعطي الاسم بُعدًا ساميًا: «الحُكَّام» أو «المُلاك». الجدير بالذكر أن هذه الكلمات تتشابه مع اسم قبيلة «دومنوني» البريطانية ما قبل الرومانية، لكنها مُستعارة من لغات سامية إلى لهجات سودانية.

و سوبا هي كما ذكر المؤرخين العرب .. ابوسليم الاسواني ..اليعقوبي .. الادريسي .. ابوصالح الأرمني .. ذكروا سوبا ووصفوها كالآتي :

سوبا .. مدينة العلوة شرق الجزيرة الكبرى بين البحرين الأبيض والاخضر .. فيها ابنية حسان ودور واسعة وكنائس كثيرة الذهب… وبساتين .. وبها ينزل ملك علوة وحال علوة ومبانيها وتجارتها مثل دنقلا وماؤهم وشربهم من النيل وعليه يزرعون الشعير والذرة والسمسم والبصل والقثاء والبطيخ… وجميع من بها نصارى يعاقبة … وبها كنيسة عظيمة جدا متسعة محكمة البناء أكثر من كل كنائسها تسمى كنيسة منبلي ..

ودلت حفريات شيني ..رغم محدوديتها .. على ان سوبا كانت مدينة ذات مباني عظيمة من الطوب اللبن … وثبت صدق ابوسليم بوجود كاتدرائيتين في موقع سوبا كانتا تعملان في وقت واحد مما يدلل على ثراء سوبا وقدرة سكانها

مدينة ضخمة كانت تحكم من جبل مرة وحتى حدود اثيوبيا الحالية ومن ابوحمد حتى بحر الغزال ..أين اثارها ..كيف اختفت حجارتها .. كم مرة ذكرت في الاعلام السوداني منذ انشائه .. هي مدينة ضائعة .!

وعن أهمية ذكرى سوبا يذكر المؤرخون أن قبائل «الأنقسنة» نجد فيها عدة قرى بإسم سوبا. وجنوباً في ضواحي الروصيرص قبيلة تسمى«همج» وهم أحفاد الهمج المسيحيين الذين سكنوا سوبا في العصور السالفة، ولديهم قرية تسمى «سوبا» أقاموها تخليداً لذكرى سوبا صاحبة الحضارة القديمة..

عبادة حجر سوبا وسط همج جبال قولي في النيل الازرق:

” يدعون أن جدتهم العليا ملكة تدعى سوبا وان الحجر عرشها، ومازال كرسي المملكة يلعب دورا في مراسم تتويج المانجل الجديد، على المنجل أن يغسل قدميه عند الحجر عند توليه السلطة، و يلعب هذا الحجر واحجار سوبا الأخرى دورا في شعائرهم مثل الرقص احتراماً للمرة الأولى للوالدة بترك منزلها، كما توضع القرابين على الحجر عند أول جني للمحصول، كما يتم التوسل لسوبا للشفاء من المرض.( ترمنجهام، ٢٠٠١م: ١٧٤)

وقد أورد الأب د. فانتيني أن قبيلة الهمج بضواحي مدينة الرصيرص وهم احفاد الهمج المسيحيين الذين سكنوا مدينة سوبا، وكان في بعض مناطقهم قرى تسمى(سوبا) وقد يكون هذا تخليداً لمدينة أجدادهم ومن اقدس إيمانهم الحلف ب:

 ” احلف بسوبا، دار الجد و الحبوبة، اللي يطفح الحجر، و يغطس الكركعوبة

ولا يجوز لهم الحنث بهذا القسم، و لهم صيغة أخرى للحلف هي أن يقف التحالف خلف كومة من النفايات المحروقة ( وقد يكون هذا تذكار لمدينة سوبا المدمرة)، ثم يقدم له مسحوق الملح والرماد ودقيق الذرة ثم يتذوقها ويأخذ من الأرض (قطعة خشب) ويكسرها فوق رأسه و يقسم.

ثم يؤدي القسم، وفي كل هذا تكريم لذكرى مملكة سوبا المسيحية، وأعتاد أهل الهمج أن يرسموا بفحم صليب السيد المسيح علي جبين المولود، وإذا مرض أحد الفتيان أو أصابه الإعياء يؤخذ قليلاً من التراب ويرسم علي صدره علامة الصليب.

المصادر:

Kingdoms of Africa – Alodia

د. سلوى عبد المجيد أحمد المشلي – الأحجار الفيتشية عند بعض قبائلنا السودانية


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *