ثُعبان المـــاء الزلِق

·

·

 الكاتب: أيمن هاشم

في مدينة سنكات سُجل بلاغٌ غريب جدًّا في محاضر البيك توفيق، ثلاثة رجال من المجاذيب دخلوا الجبل واختفوا، بعد مطاردة مشددة من جنود المشاة، عبروا فيها مجرى مائيًّا يخرج من بطن التل. كان ذلك إبان التوسع الأوروبي لردع نشاط جماعة سرية، نشطت بين سكان المرتفعات. أغلبية عضويتها من الدراويش، ممَّن رفضوا وجود آلة الحرب البريطانية هناك، في ليلة البلاغ الشتوية، كان المصري حارس نقطة التفتيش ينفث الدخَان بعنجهية وصلف، وقد غلبت الدهشة وجهه، كان بخار أنفاس الجندي الهندي التابع لكتيبة اللانكشير يخرج بكثافة: ثمة أعينٌ تراقب الحامية.

 هل تقصد أنَّ الجبال تراقبنا؟

 لا، يا سيدي، لقد رأيت أشخاصًا يتحولون ثعابينَ ماء.

اتكأ الباشبوزق المصري على سونكي السلاح الناري بسخرية: إيه حصل تاني يا باشا؟

ردَّ المجند: بحق بوذا، لقد أخرجوا من جيوب خُرتاياتهم[1] روؤسَ أفاعي حقيقية وارتدوها، ثم تسلقوا شجر الأراك واختفوا.

في السابع من ديسمبر من العام 1926م، تصدرت صحيفة الغرافيك الكولونيالية عبارة كتبها السَّير ونجت باشا يصف بها أحد أعداء الإمبراطورية، لقب ثعبان الماء الزلق. عرفت سنكات مجيء الرجال الزلقين.

كيف هرب درويشٌ من قذائف الرائد هارينغتون، وفي مكان أخرِ من الكون كانت تُدرس في كليات ليفربول قوانينُ الارتداد وتحديد المسافة، في الوقت الذي كانت مكتباتهم ترفلُ بنظريات التَّطور، التي تمايز بين الثعابين والبشر.

 عندما غدتِ الأجواء مهيَّأة، كُلف النقيبُ بورجيز، بأن يكشف مكانَ الدرويش، ليخلع عن ثعبان الماء الزلق وجهه فيراه البريطانيون حقيقةً، من بين وديان الجبال الوَعْرة، التي تتكوم صخورها على بعضها كأنها شخص يختبئ أو ينتظر رابضًا، فيخيل إليك دائمًا أنَّ مِن بين الأخاديد العميقة رجلًا يقفز، يقفز كمن يرقص البيبوب، فقد زادت المكأفاة التي رُصدت، وزادت الإشاعات- الرجل قُتل في التيب، شوهد في طوكر، أدارما، عثمان دقنة، السعر 100 جنيه إسترليني.توقفت الأشجار عن الحركة، وبدأ رجال الشرطة برباطِ وثاق الجمال بهدوء حذر، خلعوا الطرابيش والمعاطف، كان الأمرُ قد صدر: حاصروا كل شجرة، فتشوا كل نملة. وفي لندن كانت المحابر في المطابع تتأهب لأن تكتب، لقد ركضوا ناحية الكهف المطل على البحر، ركضوا كي لا تهربَ أفعى الشارقومة[2]، ومن خلف جنود العرب المسرعين شرطيٌّ سمين لم يستطع أن يجاريهم، استيقظ الرجل المطلوب على حُلُم أفاعٍ تقيده، على صوت الكلب الذي ينبح، كانت أفعى الماء الزلق أمامَ رجال الشرطة وجهًا لوجه، في مخيلة ونجت باشا بالتأكيد، وأمام ناظر الجنود كان رجلًا كبيرًا بلحيةٍ بيضاء كبيرة، يرتدي خرتاية وجبة مرقعة متسخة، استطاع تلقف عصاه فقط، ثم ركضوا خلفه، صرخ الجندي: قِفْ يا أبو حليمة، لقد انتهى وقت الهرب. ومن فوق التل المحاصر بالعساكر، قال لهم: أنا لا أهرب، ولكنني الآن، دومًا وكما أُمرت، أن لا أوالي الكافرين. تحركت الأشجار مرةً أخرى، وواصل الموج حركته الأزلية وتحركت مطابع صحيفة زا غرافيك، في مقالها: قبضتِ الإمبراطورية أفعى الماء الزلق، البربريَّ المتوحش أوتمان دِقنة

[1] مفردها خرتاية – حقيبة من القماش

[2] أفعى الماء


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *