ثم لم يبق أحد
مسلسل من ثلاثة حلقات مقتبس من رواية لأجاثا كريستي أنتجته “بي بي سي” ونال استحسان النقاد، والمأخوذ عن أفضل رواياتها وأكثرها قتامة والمصنفة كرواية رعب التي تم بيع أكثر من 100 مليون نسخة في عام 1939م، بواسطة طاقم تمثيل ممتاز مكون من تشارلز دانس، ميراندا ريتشاردسون، سام نيل، نوح تايلور، مايف ديرمودي وإيدان تورنر، تدور القصة ثمانية غرباء يتلقون دعوة من زوجين غامضين يُعرفان باسم السيد والسيدة “يو إن أوين” (U.N. Owen) لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في “جزيرة الجندي” (Soldier Island)، قبالة ساحل ديفون بإنجلترا، في أوائل أغسطس 1939. حسنًا… لم تتم دعوة جميعهم كضيوف. كان في انتظارهم زوجان تم توظيفهما حديثًا من قبل الزوجين “أوين” للعمل كخادم وطاهية/خادمة. يفشل مضيفا عطلة نهاية الأسبوع في الظهور، ويلاحظ كل من الضيوف والخدم التماثيل العشرة الصغيرة التي تزين وسط طاولة غرفة الطعام. بعد العشاء الأول في عطلة نهاية الأسبوع، يستمع الضيوف والخادمان إلى تسجيل جراموفون يتهم كل واحد منهم بارتكاب جريمة لم يُعاقب عليها. ثم، يموت أحد هؤلاء الضيوف فجأة فيما يُعتبر حادثًا. ومع ذلك، لم يعد الحادث يُعتبر “عرضيًا” مع بدء موت المزيد من الضيوف، واحدًا تلو الآخر. الآن الجميع خائفون على حياتهم، وليس لديهم وسيلة للخروج من الجزيرة، حيث أخفق القارب الذي أوصلهم في العودة كما كان موعودًا.
هل يقتل أحد الضيوف الجميع؟ أم أن هناك شخصًا آخر مختبئًا في الجزيرة، ينفذ انتقامه؟ تتشكل التحالفات وتنهار بسرعة، بينما يتدافع الناجون لمعرفة من يقف وراء جرائم القتل قبل فوات الأوان.
أغنية أطفال – عشرة جنود
ستشاهد البداية وأنت تتوقع لغزاً مباشراً – القاتل من بين الضيوف ولكن مع تغير ال”Plot twist” يحدث تحول مفاجئ أو تطور غير متوقع في الحبكة أو الأحداث في قصة ما اختفاء المزيد والمزيد من الناس، فتصبح على يقين من وجود شخص آخر مختبئ في الجزيرة. و أحد التحولات الكبرى في القصة هو أن الضيوف “الأبرياء” الذين يُقتلون ليسوا أبرياء على الإطلاق. لقد ارتكب كل منهم شيئًا فظيعًا أبقاه مخفيًا عن العالم، وتمكنوا من الإفلات من العواقب… حتى الآن. لقد عيّن وارغريف نفسه قاضيًا، ومحلفًا، وجلادًا لهم، ولم يترك حسه القاسي بالعدالة أحدًا على قيد الحياة في نهاية هذه الحكاية الصادمة.
شاهدنا من قبل ألغاز جرائم قتل كلاسيكية ولكن هذه المرة الأمر أكثر بكثير من مجرد لغز جريمة قتل بسيط؛ إنها قصة إثارة نفسية متوترة ومحبوكة ببراعة، أبقتني حرفيًا في حيرة حتى المشهد الأخير، والرابط الخفي كان عبر أغنية أطفال اسمها جنود عشرة :
عشرة جنود صغار ذهبوا لتناول العشاء؛ اختنق أحدهم فبقي منهم تسعة.
تسعة جنود صغار سهروا لوقت متأخر؛ غلب النعاس أحدهم فبقي منهم ثمانية.
ثمانية جنود صغار سافروا إلى “ديفون”؛ قال أحدهم سأبقى هناك فبقي منهم سبعة.
سبعة جنود صغار كانوا يقطعون الحطب؛ شطر أحدهم نفسه نصفين فبقي منهم ستة.
ستة جنود صغار كانوا يلعبون عند خلية نحل؛ لسعت نحلة أحدهم فبقي منهم خمسة.
خمسة جنود صغار ذهبوا لدراسة القانون؛ انضم أحدهم للمحكمة العليا فبقي منهم أربعة.
أربعة جنود صغار خرجوا إلى البحر؛ ابتلعت سمكة “رنجة” حمراء أحدهم فبقي منهم ثلاثة.
ثلاثة جنود صغار مشوا في حديقة الحيوان؛ انقض دب كبير على أحدهم فبقي منهم اثنان.
جنديان صغيران جلسا تحت الشمس؛ أصيب أحدهما بضربة شمس فبقي منهم واحد.
جندي صغير واحد بقي وحيداً؛ ذهب وشنق نفسه…
ثم لم يبقَ أحد..

طيور السمرق القتلة
في كتابه منطق الطير لفريد الدين العطار، يحكي قصة غرائبية عن طيور السيمرق (تعني كلمة سيمرق ثلاثين طائر) تنطلق طيور في رحلة بحثًا عن “السيمرغ” الأسطوري. ترمز الطيور إلى أشخاص باحثين عن شئ ما، أما السيمرغ فيرمز إلى الله. تصل ثلاثون طائرًا بعد رحلة شاقة عبر الوديان السبعة إلى مكان السيمرغ، ليجدوا أنفسهم في النهاية هم أنفسهم السيمرغ، حيث يكتشفون أن ما كانوا يبحثون عنه هو انعكاس صورهم في الحقيقة المطلقة وهنا في جزيرة الجندي، حينما يبدأ عشرة قتلة في إستدراكهم لماضيهم، يكتشفون في النهاية أنهم مقتولون.
ماهي العدالة؟
ربما كانت هذه الدراما النفسية “ثم لم يبق أحد” هي دراسة آسرة للطبيعة البشرية، وتذكير بمدى سهولة إخفاء بعض الناس حقيقتهم. من المقلق أيضًا التفكير في عدد الأشخاص في عالمنا الذين يفلتون من العدالة؛ فبينما “ثم لم يبق أحد” قصة خيالية، أعلم أنه كان هناك الكثير من الأشخاص عبر التاريخ ارتكبوا جرائم ولم يضطروا أبدًا لمواجهة العواقب. نظامنا القضائي لا يُنتج دائمًا العدالة.
و لكن ماهي العدالة ومن هو البطل ففي الجانب الآخر، فإن عدالة القاضي العنيفة والاقتصاصية لا تبدو أخلاقية للمشاهد أيضًا. فهو أيضًا ليس بطل هذه القصة. ربما كان السبب الذي دفع القاتل لتدبير حفلة المنزل بأكملها في المقام الأول للانغماس في شهوته لسفك الدماء. واستخدم القاتل ذنب السكان الآخرين لتبرير جرائم القتل… في عقله أو عقلها. جعلني هذا أتساءل عن رغبة المجتمع في أن يدفع الآخرون ثمن خطاياهم. خاصة الخطايا التي تنطوي على الموت. هل رغبة المجتمع في أن يدفع القتلة ثمن جرائمهم هي قناع… أو ذريعة… لشهوته الخاصة لسفك الدماء؟ ثم ماهي العدالة إذا كانت هي في ذاتها إراقة للدماء.؟


اترك تعليقاً