تَرَب البِنية

·

·

للكاتب: بكري التاج

(جعلناك من ترب البِنيّة)

و البِنيّة التي نتحدث عنها هي بنتٌ صبية وهبها أهلها لخدمة شيخ جاء ذكره ربما في طبقات ود ضيف الله و ربما لا ، لكن ما يهم أن القصة التي ظل كثير من الأهالي يروونها باختلاف طفيف في الصياغة.. صياغة المتن تتفق على أن شيخٌ قدير قد وهب له أهل بسطاء فتاة في سن الشباب الغض .. لا نعرف بالتحديد هل لتحفيظ كتاب الله أم لقرابة دم و لكن تتفق جميع المرويات ان الشيخ قد وهبت له الفتاة و لم تمكث كثيرا اذ مرضت و ساءت صحتها و توفاها الله الى رحمته الا ان اهلها لم يتمكنوا من تقبل الأمر المقضي في كتاب الأقدار الأزلي و شرعوا في نكران بواح و قالوا للشيخ : لا نعرف شيئا ! ..لقد استأمناك على أمة صحيحة غير عليلة و ها نحن نفاجأ بها جثة جامدة .. باردة ! و كانت الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعاً يانعة ك كفاكهة الصيف و هي في مثواها الأخير و لم يغير الموت معالمها و انما أضاف اليها شيئا من سكون و وقار .. الشيخ لم يكن له من مناص غير أن يعيد الفتاة التي استأمنه عليها اهلها .. الى الحياة .. ضربها بالمسبحة المليئة بأذكار الله و ربما بأذكار لملوك الجان السبعة فقامت كما قام المسيح في ثالث أيامه ..حكى ود الرضي قصته أنه عندما ذهب الى الزراعة و الوقت كان في نهاية فصل الخريف حينما يهم الناس بجمع محصولهم أنه التقى ب (بعاتية) لها أعفنُ رائحة شمها انسي فيما سبق و لها ملمسٌ ك ملمس الريح قالت له :ما الذي أتى بك في المغربية الى زراعة قد أكل الطير قناديلها ؟ و كان الوقتُ هو وقتُ الزوال في شهر اكتوبر الذي تنضج فيه المحاصيل و كانت رائحتها أعفن من رائحة فطر الأرض .. أمراة ملفوفة بقماش الدمُّور الأبيض المبقّع ب عَفَر الأرض.. قالت له :تعال تعال هنا جاي من وين يا الشقي ! أخبرنا بتلك الرواية و هو على فراش المرض به حمى ساخنة و يرتجف كأنه قلب و رائحة ملابسه كأنها القيء و البراز ..رائحة من عفونتها سددنا اخطام انوفنا و تكلّبت معها أشعارُ جلودنا .. أيُّ لعنة أصابت فيصل ود الرضي؟؟حينما همّ لصّان بذبح شاةٍ على عجل و هما بداخل قطيّة مهجورة في احد اطراف البلدة .. لِصّان لم يبرعا في شيء سوى سرقة الماشية أحدهما أمسك بصدر البهيمة المسلوخة و الآخر بالجلد الذي بدا ثقيلاً كأنه جوال سمسم ، و أخذ يرفع و يرفع للأعلى كأنه عامل بناء فسأله صديقه متعجباَ و مستغرباً :لماذا لا تساعدني في سلخ البهيمة أيها الغبي .. ارفع جيداً حتى اتمكن من سلخ الجلد ..ففاجأه أنه لا يمتلك قوى كافية للرفع لأعلى… لأنه بعاتي !! ..البيتُ الذي صادفتموه راكضاً عبر حقل ذرة بيضاء ك محصول القطن .. لم يكن الرجل الذي قد حمله غير رعديد .. جبانٌ أملس و قد ساقه صوت الطنين لل(البعاتي) الذي قام للتو من مرقده الترابي الى الجنون .. ف حمل الرجل قطية كاملة الى الافق .. جرى و جرى الى ما لا نهاية .. و لم يوقفه أحد .. كان البعاتي يتسائل من خلفه متعجباً :هوي سيد الغنماية جي؟.روى( أبوعبيدة مُتشبّح )قصى أهله في القرية عندما هاجمتها “البعاتيه” و ركبت على ناقة زوجها فماتت على الفور كأنها زهرة النرجس المعتدة بنفسها .. ماتت صيفاً ،قال لي أبوعبيدة و هو شخص يولد بخرافة و يسلم روحه بأخرى :”يا دكتور الناس من وقتيها ما أكلو لحم إبل ! “أهل القرية التي زارها شبح المرأة المائتة و التي تنحدرُ من “تَرَب البنيّة” قد كانت حرمت على نفسها أكل لحم الإبل لأبد الآبدين ..مثلما حرّم اليهود على أنفسهم اكل لحم الفخذ في شريعة يعقوب الذي صرع الله.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *